تفاصيل جديدة عن خطف المطرانَين ومصيرهما
صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ
مرلين وهبة:
في أوّل معلومة جدّية عن خطف المطرانين، أكّد السيناتور الأميركي شارلي دينت والعضو في الكونغرس الاميركي عن الحزب الديموقراطي لـ«الجمهورية» أنّ المعلومات المتوافرة لديه من وزارة الخارجية الأميركية تفيد أنّ المطرانين ابراهيم اليازجي ويوحنا ابراهيم في أمان. في هذا الوقت ظهر الشخص الرابع الذي كان مع المطرانين لحظة خطفهما ويدعى فؤاد إيليا ليروي تفاصيل العملية. غير أنّ عدم استجوابه من السلطات السورية أكثر من نصف ساعة فقط في عملية خطيرة بهذا الحجم، وامتناعه عن زيارة المطرانيتين حتّى الساعة، زادا التساؤلات!
مئة يوم مرّت على خطف المطرانين يوحنا ابراهيم وبولس يازجي في حلب وسط صمت وقلق وتحرّك إقليمي ودولي بطيء. وانتشرت خلال المئة يوم عدة روايات وإشاعات، بعضها موثّق والبعض الآخر ملفّق، ممّا استدعى بياناً عاجلاً وحادّ اللهجة صدر عن البطريركية السريانية الأرثوذكسية في دمشق يستنكر الحادثة مجدّداً، معتبرةً أنّ قضية المطرانين أصبحت قضية كلّ مسيحي في الشرق الأوسط والعالم، ومؤكّدةً أنّ التاريخ سيحاسب المتورّطين في هذه القضية وأنّ البطريركية السريانية ما زالت تنتظر ردّاً مقنعاً من الشخصيات المتهمة مؤخّراً بعملية الاختطاف!
هذا البيان الحادّ اللهجة جاء بعدما تناقلت وسائل إعلام سوريّة تكهّنات عن أسباب عملية الخطف، غامزةً من قناة أحد المطارنة الطامحين اعتلاء منصب البطريرك زكا الأوّل عيواص متهمة جهات دينية في ضلوعها بحادثة الخطف، كذلك أشاعت الجهات نفسها خبر السعي إلى نقل المقرّ البطريركي من دمشق إلى لبنان.
الأمران اللذان أثارا حفيظة القيّمين على البطريركية ومجمع المطارنة السريان، فسارعوا إلى نفي الأمرين مؤكّدين أنّ دمشق ستبقى المقرّ الرسمي الوحيد للكرسي الرسولي الانطاكي والكنيسية السريانية.
كذلك استنكرت البطريركية اتّهام أحد مطارنتها بضلوعه بعملية الخطف مؤكّدةً أنّها تعتزّ بجميع مطارنتها الأجلّاء الذين يشكّلون أعضاء مجمعها المقدّس، ورفضت بشكل قاطع الاتهامات الملفّقة لغايات خبيثة.
“الجمهورية” التي كانت سبّاقة إلى كشف حقيقة وتفاصيل حادثة خطف المطرانين تكشف اليوم حدثين بارزين من هذه القضية:
الأوّل: إتّصال أجرته “الجمهورية” بعضو الكونغرس الاميركي السيناتور شارلي دينت في ولاية بنسلفانيا عن الحزب الديموقراطي، بعد الاستقصاء عن معلومة أدلى بها نائب بريطاني إلى موقع “الحقيقة”، وهو موقع إعلاميّ سوريّ معارض، قال فيه إنّه اتّصل بصديقه عضو الكونغرس الاميركي الذي أكّد له أنّ المطرانين اليازجي وابراهيم في صحة جيّدة، وهما محتجزان في منطقة قريبة من الحدود السورية بعهدة مسلّحي المعارضة السورية التابعة للمجلس الوطني السوري و”الإخوان المسلمين”.
«المطرانان في أمان»
وللتأكّد من صحة المعلومة اتصلت “الجمهورية” بالسيناتور الاميركي، فقال إنّ المعلومة الوحيدة التي يؤكّدها والتي استقاها من وزارة الخارجية الاميركية تفيد أنّ المطرانين بأمان. غير أنّه نفى علمه بأيّة تفاصيل عن وضعهما الحالي أو مكان وجودهما، مضيفاً أنّ باقي المعلومات التي نُسبت إليه غير صحيحة إطلاقاً. علماً أنّ موقع “الحقيقة” تكلّم عن تورّط أحد المطارنة بحادثة الخطف، كذلك في ما يتعلق بنقل الكرسي البطريركي من دمشق، ما استدعى ردّاً سريعاً من الأمانة العامة للبطريركية السريانية.
هوية الشخص الرابع
الثاني: تكشف “الجمهورية” هوية الشخص الرابع الذي كان برفقة المطرانين ابراهيم واليازجي والسائق الذي قُتل، وقد اختفى بعد الحادثة ليعود للظهور من جديد ويروي تفاصيلها.
يدعى فؤاد إيليا، ميسور الحال، وفي الستينات من عمره، من منطقة حلب وتحديداً من منطقة السريان الجديدة، مقرّب من المطران ابراهيم وكان يرافقه مراراً، وهو شيخ بروتستانتي، ينتمي إلى المعارضة التقليدية أي من “حزب الشعب الديموقراطي”، وأولاده يعملون في الإمارات العربية.
عندما ظهر إيليا مجدّداً حاول التقرّب من أقارب المغدور طالباً موعداً ليقوم بواجب التعزية، لكنّ وقته كان ضيّقاً بسبب موعد سفره المتزامن مع سفر زوجة المرحوم وأولاده إلى لبنان، لذلك لم يحضر، وعاد ليكرّر روايته التي نشرناها سابقاً، مضيفاً عليها تفاصيل دقيقة، مؤكّداً أنّ الخاطفين غرباء وأجانب ولا يتكلمون العربية جيّداً، وروى تفاصيل عملية الخطف:
رواية فؤاد إيليا
“في طريقنا إلى مكان أجهله، ويعلمه المطرانان المخطوفان، علمت أنّه قد يكون للمفاوضات بشأن إطلاق بعض الكهنة المفقودين. جلست قرب سائق المطران ابراهيم المرحوم “فتوح”، وجلس المطرانان في الخلف. نظرت في المرآة ولاحظت وجود سيارة داكنة اللون رباعية الدفع ظهرت فجأة وبدأت تلاحقنا حتى تجاوزتنا، ولاحظتُ اثناء تخطّيها لنا وجود مجموعة مسلّحة فيها، وسلاحُهم ظاهر، وفيما توقّفت السيارة وخرج منها أربعة أشخاص مسلّحون استلم كلّ منهم شبّاكاً من الجهات الأربع لسيارتنا التي أحكمنا إقفالها.
أنزلَ السائق المغدور الزجاج الملاصق له وحاول الاستفسار، قائلاً: رجال دين! فنظر الخاطفون نحوي ونحو المطرانين، فما كان من الشخص الأوّل الملاصق للسائق إلّا أن أمسك بـ”فتوح” من الشبّاك ورماه خارجاً، وجلس مكانه بجانبي، فيما بقي المسلّحان الاثنان يحرسان البابين الخلفيين للمطرانين، فتوجّهت الى المسلح بجانبي وقلت له إنّنا بصحبة رجال دين، وهم مطارنة، فنظر إليّ نظرة غريبة فهمت منها أنّه لم يفهم شيئاً، فقال بلهجة عربية “مكسّرة”: “قم… قم”، وضربني بكعب بندقيته على خاصرتي محاولاً رميي إلى الخارج قائلا” Bom Bom بالإشارة الى السلاح الذي هدّدني وضربني به. فما كان من المسلّح الآخر الواقف قبالته من الجهة المقابلة أي بقربي إلّا التقاطي من الشبّاك والرمي بي أرضاً ليجلس مكاني”.
أمّا بالنسبة إلى “فتوح”، فيخبر إيليا أنه لم يُقتل أثناء الخطف. ولا يعلم اين وكيف ومن قتل فتوح. كلّ ما يرويه أنه شاهد فتوح من خلال مرآة السيارة بعدما رمى به المسلّح أرضاً، يقف ويلوذ بالفرار مبتعداً.
ويتابع إيليا: “بقيت ممدّداً على الأرض ربع ساعة مذهولاً، لعلّني أسمع طلقات نارية معيّنة، إلّا أنني لم أسمع شيئاً. كلّ ما رأيته، سيارتنا يقتادها مسلّحان يجلسان في المقعدين الاماميين والمطرانان في الجهة الخلفية ويتجهان بهما عكس الطريق التي كنّا نسير فيها أي عكس حلب. وعادا من الطريق التي أتيا منها يرافقهما مسلّحون آخرون كانوا يقودون السيارة الداكنة الأخرى”.
يتابع إيليا: “إنّ المنطقة التي حصلت فيها حادثة الاختطاف هي طريق فرعية وتمرّ فيها الكثير من السيارات، ولكن عند ظهور المسلّحين أقفِلت الطريق بسبب توقّف السيارتين”.
وهل علم أنّ فتوح قتل نتيجة رصاصة أطلِقت في رأسه من الخلف؟ نفى إيليا علمه بالموضوع، مشيراً إلى أنه عرف لاحقاً من أقارب السائق، إلّا أنه متأكّد من أنّ الجهة الخاطفة ليست مَن أطلق النار عليه لأنّه رآه بأمّ عينه يغادرهم، فيما بقي هو في داخل السيارة يجادل الخاطفين.
وروى إيليا أيضاً أنّ القوات النظامية السورية استدعته وحقّقت معه مدة نصف ساعة فقط أدلى فيها بأقواله وبالرواية التي ذكرها، علماً أنه متّهم بأنّه معارض، إلّا أنّ السلطات المعنية أخلت سبيله فور انتهائه من الإدلاء بشهادته.
هنا يطرح السؤال: لماذا لم يتوجّه فؤاد ايليا، الرجل اللغز في قضية المطرانين، حتى الساعة الى مطرانية السريان في حلب ليخبر ما جرى معه أو على الأقل للتعبير عن وقفة تضامنية مع المطرانين المخطوفين. كذلك لم يتوجّه الى أيّ من المطرانيتين في دمشق وفي حلب، لإطلاعهما على الرواية بحذافيرها؟ الأمر الذي يدعو الى الغرابة والتساؤل. وحين سئل عن الامر، أجاب بأنّه كان خائفاً ومرتبكاً.
إيليا يغادر سوريا، فهل يعود؟
يشاع في منطقة “السريان الجديدة” أنّ إيليا باع منزله وكلّ ما يملك، لأنّه ينوي الهجرة إلى أميركا أو الإمارات. وبعد التقصّي، علمت “الجمهورية” من مصادر مقرّبة، أنّه “سيغادر لأمر مُلحّ بهدف تجديد إقامته في الإمارات وسوف يعود”. إلّا أنّ الإشاعات ما زالت تقول إنّه سيذهب الى اميركا أو دبي ولن يعود.
بدورها استغربت مطرانية السريان في دمشق كيف لم يتّصل بها إيليا حتى اللحظة. وأبدت استياءها من الإشاعات والأقاويل والاتهامات الملفّقة في حادثة الخطف، كما أنّ المطران متى الخوري وهو السكرتير الاوّل لبطريرك السريان الأرثوذكس زكا الاوّل عيواص وهو مطران باب توما في دمشق، وهو كان اوّل من كشف لـ”الجمهورية” عن وجود الشخص الرابع الذي أخبر عن الحادثة وكشف أنه حتى الساعة لم يعلم من هو إيليا ولم يقابله، ويستغرب كيف اختفى ولماذا لم يتواصل حتى الساعة مع البطريركية لإخبارها عن حقيقة ما جرى.
كذلك أبدى المطران خوري استياءه من الاتصالات العديدة التي تتلقّاها المطرانية والتي تحاول الاصطياد في أحلك أزمتها وأشدّها، وبخاصة هؤلاء الذين يدّعون انّهم يعلمون مكان المطرانين ويحاولون الابتزاز، راوياً على سبيل المثال حادثة عن سجين خرج من أحد السجون وجاء يخبرهم أنّه سمع صوت المطرانين وهما مسجونان في غرفة قربه محاولاً ابتزاز الكنيسة، وأعاد خوري التأكيد أنّهم لن يصدّقوا ولن يتجاوبوا مع أيّ ابتزاز في القضية من أية جهة أتى، مشيراً إلى أنّ الصمت في قضية خطف المطرانين هو صمت قاتل ومريب، داعياً الجهات المعنية التي تعهّدت أن تفي بوعدها في سبيل إيجاد نهاية مشرّفة لجريمة الخطف المستنكرة إلى التحرّك.
لغز اختفاء الأب «باولو»
بموازاة ذلك، أشارت أوساط دينية مُطّلعة ومقرّبة من الكنيستين السريانية والأرثوذكسية في حلب ودمشق إلى أنّ المعركة الكبرى لم تعُد بين الجيش الحر والجيش النظامي، بل بين الجيش الحر والمجموعات الإسلامية المتطرّفة كجبهة النصرة وإرهابيّي الدولة الاسلامية في العراق والشام. مشيرةً إلى أنّ خطف الأب باولو اليسوعي مؤخّراً على يد تلك المجموعات هو أكبر دليل على سيطرتهم ونفوذهم.
وعن الأب “باولو” وقصّة اختفائه، وعن السبب الحقيقي لذهابه بكامل إرادته لمفاوضة خاطفيه، رواية أخرى تنشرها “الجمهورية” قريباً.