تعيش العلاقات المِصريّة – الإسرائيليّة مرحلةً من التوتّر
صحيفة الوفاق الإيرانية-
عبد الباري عطوان:
تتوالى الأنباء هذه الأيّام عن حُدوث توتّر في العلاقات المِصريّة الإسرائيليّة بسبب رفض يائير لابيد رئيس وزراء كيان الاحتلال الالتزام بتعهّداته بعدم شنّ العُدوان الأخير على قِطاع غزّة بعد التوصّل إلى تفاهماتٍ مع حركة “الجهاد الإسلامي” عبر مِصر بوقف التّصعيد، ورفضه الإفراج عن الشيخ بسام السعدي زعيم الحركة في الضفّة، وزميله خليل العواودة المُضرب عن الطّعام، وذلك تنفيذاً لشُروط وقف إطلاق النّار.
الأمر الطّبيعي أن تكون هذه العلاقات مُتوتّرة بصُورةٍ دائمة، والتنسيق والهُدوء هو الاستثناء، فكيان الاحتلال يظل عدوّ في الذّاكرة الوجدانيّة المِصريّة، شعباً وجيشاً وحُكومةً، ومصدر تهديد وعُدوان دائم للأمنين المِصري، والقومي العربي، ولكن مُوقّعي اتّفاقات كامب ديفيد ومُؤيّديها أرادوا ويُريدون غير ذلك للأسف.
إعلام الكيان الصهيوني الذي يعتمد في مُعظم تقاريره الإخباريّة على تسريباتٍ من قوّاته المسلّحة التي تتحكّم رقابتها العسكريّة بكُل شيء يُنشَر فيه ويتعلّق بالأمن والجيش، يرجع التوتّر الرّاهن بين الحُكومتين المِصريّة والإسرائيليّة إلى عدّة أسبابٍ رئيسيّة:
الأوّل: إسقاط منظومات الدّفاع الجوّي للكيان الموقت لطائرةٍ مُسيّرة مِصريّة في أجواء صحراء سيناء، في ظُروفٍ غامضة، دون إعطاء أيّ تفاصيل عن الدّوافع التي تكمن وراء هذه الخطوة العُدوانيّة.
الثاني: عدم الإفراج عن الأسير العواودة، وإقدام القيادة الصهيونية على افتِعال مسألة اعتِقال الأوّل (السعدي) للتّحضير للهُجوم الأخير على قِطاع غزّة، واغتيال القياديين في الجهاد الإسلامي تيسير الجعبري، وخالد منصور، الأمر الذي أضعف مِصداقيّة الوِساطة المِصريّة، ووجّه لها، وللقائمين عليها طعنةً غادرةً في الظّهر.
الثالث: تجاهل لابيد لطلبٍ شخصيّ من الرئيس عبد الفتاح السيسي بوقف التوتّر في الضفّة الغربيّة لتجنّب صِدامٍ آخَر مع حركة الجهاد الإسلامي، والأدهى من ذلك مُصادقته على اغتيال الشهيد إبراهيم النابلسي قائد كتائب الأقصى الفتحاويّة في المدينة، بعد المُكالمة الهاتفيّة مع الرئيس المِصري مُباشرةً في استفزازٍ مُتعمّد، وما هو أكثر استِفزاز وإهانة، تصريح منسوب لرئيس وزراء الكيان الصهيوني، ردّاً على عدم الالتِزام بالتعهّدات قال فيه “نحن نُقدّر مشاعر مِصر والمسؤولين فيها، ولكنّ الأولويّة المُطلقة لنا هو أمن الكيان الذي يتقدّم على جميع الاعتِبارات الأخرى”، مُؤكّداً “نحن لم نتعهّد بالإفراج عن أيّ مُعتقل في المُفاوضات التي تمخّض عنها اتّفاق وقف إطلاق النّار، فإذا تعهّدت مِصر بذلك لحركة الجهاد فعليها أن تفي بتعهّداتها”.
إنّها قمّة الوقاحة والغطرسة والتّعالي وتعمّد الإساءة، ونُكران الجميل لمِصر وشعبها وقيادتها، فلولا الوِساطات المِصريّة التي جاءت دائماً بعد استِجداءات الكيان، لدَكّت صواريخ المُقاومة جميع المُدُن الكُبرى مِثل تل أبيب وحيفا والقدس المُحتلّة والسّبع وإيلات.
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الأسبق لجأ إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن مُستَجْدِياً تدخّله لدى القيادة المِصريّة لوقف الصّواريخ أثناء معركة سيف القدس في رمضان قبل الماضي (أيّار 2021) منعاً للانهِيار وفكّاً لعُزلة الكيان عن العالم نتيجةً لإغلاق المطارات، وذهاب 6 ملايين مُستوطن إلى الملاجئ طِوال الأحد عشر يوماً من عُمُرِ هذه المعركة.
المأمول أن تُتَرجِم القيادة المِصريّة هذا الغضب من كيان الاحتلال النّاجم عن خُذلانه، والتنصّل من تعهّداته، وإحراجها أمام الشعب الفِلسطيني وفصائل مُقاومته والأمّة العربيّة بأسْرها، إلى خطواتِ رَدٍّ عمليّة على الأرض، أوّلها دعم المُقاومة، ورفع الحصار كُلِّيّاً عن قِطاع غزّة وفتْح جميع المعابر والأنفاق، وعدم الإقدام على أيّ مُبادرة للتوسّط في أيّ صِدامٍ قادم بين فصائل المُقاومة وكيان الاحتِلال، وأن تأتي هذه التّرجمة علنيّة وعلى رؤوس الأشهاد، وبِما يرتقي إلى حجم الدولة المِصريّة ومكانتها.
خطر الإرهاب الذي أزهق أرواح آلاف الجُنود المِصريين في سيناء وقف ويقف خلفه الكيان الموقت لاستِنزاف مِصر وجيشها، واقتصادها، وتجويع شعبها، وبالتّنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكيّة، وفي إطار مُخطّط يشمل المِنطقة العربيّة بأسْرها اعتِباراً من العِراق، ومُروراً بسورية، وانتهاءً بليبيا، ونعي جيّداً أنّ القِيادة المِصريّة، بشقّيها السياسي والعسكري تُدرك جيّداً ما نقول، مثلما تُدرك أيضاً أن الكيان هو الذي يقف خلف سدّ النهضة الذي يُهَدِّد الأمن المائي المِصري، ويَعرِض أكثر من 20 مِليون مِصري للعطشِ والجُوع.
تستطيع مِصر العظيمة أن تقول لا كبيرة لهذه الغطرسة الصهيونية وقبل أن تتضاعف، لسُوء تقدير أصحابها لمكانة مِصر، ولصبْرها، وطُول نفسّها، ونعتقد أن هذا هو الوقت المُناسب للإقدام على هذه الخطوة الشُّجاعة والحتميّة في ظِل الحربين الأوكرانيّة المُشتَعلة، والتايوانيّة التي على وَشَكِ الاشتِعال، وغرَق أمريكا وأوروبا فيهما.
لا نعرف ما هي الدّوافع الحقيقيّة التي تكمن وراء القمّة الخُماسيّة المُفاجئة التي تستضيفها مِصر بحُضور قادة الأردن والعِراق والإمارات والبحرين، ومُعظم المُشاركين فيها مُطبّع مع كيان الاحتِلال، والمأمول أن تأتي هذه القمّة، ونتائجها، دعماً للموقف المِصري في وجْه هذه الطّعنات الصهيونية المسمومة، ووضع حَدٍّ لهذا التّطاول لكيان هشّ مُتغطرس، يُؤدّي صاروخ واحِد ذكي من الجنوب أو الشّمال لعزْله عن العالم، ويُرسِل الملايين من مُستوطنيه، إلى الملاجئ.
حرب غزّة القادمة باتت وشيكةً، ونقول ذلك اعتماداً على تهديد المُجاهد زياد النخالة زعيم حركة الجهاد الإسلامي، الذي أكّد فيه أنّ الرّد على عدم الالتِزام بشُروط وقف إطلاق النّار كاملةً بالإفراج عن المُعتقلين سيكون بالصّواريخ، والكثير منها.