تعليمنا العالي
الخليج الإماراتية ـ ثقافة ـ منّي بونعامة:
يطرح التعليم في بلداننا العربية العديد من الإشكالات التي تدور حول السياسات والاستراتيجيات التي تتبناها الدول العربية من أجل النهوض بالتعليم، وفي ما إذا كانت تلك السياسات كفيلة بتحقيق الهدف المنشود .
وتتعدد الطروحات التي تحاول وضع اليد على مكمن الداء في التعليم العربي الذي يعاني أزمة خانقة تكاد تعصف بجوهره، لكنها لا تجدي نفعاً، في نهاية المطاف، إزاء الواقع المهيمن، وتبقى مجرد مقاربات وتوصيات سيقت لمناسبات آنية، في ندوات ومؤتمرات، ثم ما تلبث أن تذهب في مهب الريح وكأنّ شيئاً لم يكن . ما يعني أن الداء يبقى ملازماً لواقع التعليم وإن تم تشخيصه على نحو مقبول . ومما لاشك فيه أن نظرة عجلى على ذلك الواقع تبعث على الإحباط والتشاؤم، لأنه واقع يرثى له في حقيقة الأمر، وبخاصة إذا حاولنا مقارنة تعليمنا بالعالم، وإن كانت هناك استثناءات في بعض البلدان العربية، فهي قليلة جداً، ومحصورة في نطاقات معينة، ويعتورها بعض القصور، وقلة الحضور على المستوى العالمي .
إشكالية التعليم في بلداننا لا تعود، في أغلبها، إلى قصور في الوسائل والآليات، والتجهيزات اللوجستية، بقدر ما تتأسس على غياب الرؤية الشاملة للتعليم ودوره في التنمية، وتضمين هذه الرؤية بشكل عملي للبرامج التعليمية حتى تؤتي أكلها وتعمل على النهوض بهذا القطاع الأساسي والحيوي لتحقيق البناء والتنمية المستدامة، وبناء جيل ناضج ومثقف .
وإذا قصرنا زاوية النظر على التعليم العالي فثمة مفارقة غريبة، بل لغز محيّر، ربما، يحيلنا إلى قضايا جوهرية في تعليمنا العالي، ترتبط بالوسائل المادية الممنوحة له، والبرامج التعليمية التي يعتمدها، والخطط التي يتّبعها في تحقيق أهدافه المرسومة .
صحيح أن لدينا جامعات عريقة خرّجت عمالقة في الأدب والفكر، وأسهمت في انعاش الساحة الثقافية العربية ورفدها بكتاب ومثقفين ومبدعين من طراز متميز، وحملت على كاهلها مشروع التنمية والبناء وقتاً طويلاً، لكن سرعان ما خفّ وهجها، وتراجع دورها العلمي وعصفت بها “يد”الأيام، كما عصفت بالمشروع الثقافي العربي الذي كاد يتداعى إلى الهاوية .
المفارقة أن الجامعات العربية، في جلّها، تتوافر على إمكانات مادية هائلة، وتحظى بدعم سخي من الحكومات، وتضم نخباً علميةً وأُطُراً مهمة لا نجانب الصواب إذا قلنا إنهم “صفوة الصفوة«، ومع ذلك مازلنا إلى الآن لم نسمع عن تصدّرها في قوائم التصنيف العالمي للجامعات، بل ماتزال تلك القوائم خلواً من ذكر أية جامعة عربية، وإن ذكرت فلا تكون إلا في آخر سطر، بعد مئات، بل آلاف الجامعات العالمية .
ومن المعلوم أن التصنيف العالمي للجامعات الذي تعدّه بعض المراكز والمعاهد والهيئات المختصة يخضع لمعايير علمية دقيقة وصارمة تراعي جودة التعليم الذي تقدّمه الجامعات في العالم بعيداً من أي تحيّز أو تمييز، وهذا ما يؤكده الخبراء الأكاديميون حول العالم بمن فيهم خبراء من جنسيات عربية . ويبقى التساؤل المطروح لماذا لم تحقق جامعاتنا الجودة المطلوبة للّحاق بالركب؟