تعزيزات أميركا العسكرية في المنطقة ومحاولة إعاقة مسار التطورات الحاصلة في غير مصلحتها
جريدة البناء اللبنانية-
حسن حردان:
لفت أنظار المراقبين والمحللين، في الآونة الأخيرة إقدام الولايات المتحدة الأميركية على تعزيز وجودها العسكري في غرب آسيا، ولا سيما في الخليج وشمال شرق سورية، بإرسال عدة آلاف من الجنود إلى جانب قطع حربية وطائرات اف 35 المتطورة…
على انّ هذه الحشود الجديدة، طرحت الأسئلة بشأن الغاية والأهداف المبتغاة من ورائها؟
انّ المتابع للتطورات في المنطقة يلاحظ جيداً أنّ الولايات المتحدة، بدأت منذ فترة تطلق تصريحات ومواقف تعبّر عن انزعاجها وقلقها من التطورات الحاصلة في المنطقة اثر توقيع الاتفاق الإيراني ـ السعودي برعاية صينية، ومن ثم عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية، وبداية تنامي الدور الصيني في المنطقة، وتزايد قوة محور المقاومة، والذي جاءت هذه التطورات المذكورة آنفا لتصبّ في مصلحته، الأمر الذي دلل على تراجع نفوذ وهيمنة أميركا في منطقة الشرق الأوسط، التي تعتبر من المناطق الأكثر أهمية وحيوية في العالم، لما تحتوي عليه من احتياطات هامة من النفط والغاز في العالم، إلى جانب موقعها الجغرافي على خط طرق المواصلات بين ثلاث قارات، هي آسيا وأفريقيا واوروبا.
من هنا فانّ التعزيزات العسكرية الأميركية إنما تستهدف منها واشنطن السعي إلى تحقيق عدة أهداف:
الهدف الاول، إعادة خلط الأوراق في المنطقة، وإحياء مناخات التوتر، وتصعيد الموقف في محاولة لاستعادة زمام المبادرة، وإعاقة التطورات الحاصلة في غير مصلحة الهيمنة الأميركية، ومشاريع الكيان الصهيوني، وذلك عبر العمل على منع تقدّم العلاقات السعودية الإيرانية، بعد أن فشلت إدارة الرئيس جو بايدن في دفع الرياض الى التوقف عن تطبيع العلاقات مع طهران..
الهدف الثاني، الحدّ من تنامي دور ونفوذ الصين في المنطقة، والعمل على ممارسة ضغط متزايد على الحكومة السعودية لعدم مواصلة سياسة تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع الصين..
الهدف الثالث، منع الدول العربية من إعادة علاقاتها الاقتصادية مع سورية، بعد اتخاذ قرار إعادتها إلى مقعدها في الجامعة العربية، وعودة العلاقات الدبلوماسية معها، وبالتالي إبقاء سورية تحت الحصار الاقتصادي، والعمل إلى جانب ذلك على دفع تنظيم داعش الإرهابي لاستئناف تنشيط عملياته ضدّ الجيش العربي السوري، واستكمال بناء جماعات مسلحة عميلة للقوات الأميركية في شرق الفرات إلى جانب قوات قسد تكون قادرة على لعب توفير الغطاء للاحتلال الأميركي.
الهدف الرابع، إعادة تأكيد حضور أميركا القوي في المنطقة بإشهار قوّتها الصلبة، والقول إنّ يدها الطولى لا زالت موجودة، ولم تتراخَ، وبالتالي طمأنة الكيان الصهيوني الذي يعاني من أزمة بنيوية عميقة نتيجة تفاقم ازمته الداخلية العاصفة به، والتي باتت تهدّد بتفسخ وتمزق مجتمعه وجيشه، وتفجّر حرب داخلية، في حين نشهد تزايد قوة وفعالية المقاومة في فلسطين المحتلة، والمدعومة من محور المقاومة الذي تتعاظم قوته.. عدا عن أنّ المسؤولين الإسرائيليين أعربوا في أكثر من مناسبة عن قلقهم من أنّ تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة اثر عودة العلاقات الايرانية السعودية، وانعكاسها سلباً على مخطط “إسرائيل” التطبيعي حيث كان من الواضح أنّ “إسرائيل” من أكثر المتضرّرين ، بعد أميركا، من تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران، التي أنهت حالة التوتر في المنطقة، ووجهت ضربة قاصمة لمشروع الفتنة المذهبية، الأميركي الاسرائيلي، مما عطل احلام “إسرائيل” في مواصلة مدّ جسور التطبيع في الخليج، وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب الدول العربية والقضية الفلسطينية، وبالتالي إعادة إشاعة مناخات الاستسلام والاحباط والقول إنّ “إسرائيل” ليست في مأزق ولا هي مأزومة، وها هي تطبّع مع الدول العربية، رغم تنامي قوة محور المقاومة.. ولهذا فإنّ الإدارة الأميركية تريد من خلال تعزيز قوتها العسكرية زيادة منسوب ضغوطها على الحكومات العربية، لإعادة إنعاش مسار التطبيع، ودفع السعودية لأجل تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل”.
لهذا كله استنفرت إدارة بايدن قوتها العسكرية واستعرضت عضلاتها في المنطقة، لتعزيز دبلوماسيتها التي نشطت بصورة استثنائية، اثر توقيع الاتفاق الإيراني السعودي، والانفتاح العربي على سورية، حيث لوحظ أنّ الوفود الأميركية لم تتوقف عن زيارة السعودية، فما أن يغادر وفد حتى يحط آخر في محاولة واضحة لإبقاء الرياض تحت تأثير الضغط الأميركي لدفعها إلى التوقف عن الاستمرار في خطواتها لتحسين وتطوير العلاقات في شتى المجالات مع كل من إيران وسورية.
فهل ستنجح إدارة بايدن في تحقيق اهدافها المذكورة انفا؟
هذا ما ستجيب عليه الأيام المقبلة.. على ضوء القرار السعودي، وكيفية ردّ محور المقاومة على التصعيد الأميركي، والذي ظهرت مؤشراته الأولية من خلال ردّ المقاومة الشعبية المسلحة على هجمات داعش الإرهابية ضدّ قوات الجيش السوري، بقصف قواعد قوات الاحتلال الأميركي في شرق الفرات لا سيما في الشدادي، وحقل العمر في ريف دير الزور…