تعثّر التأليف: تصويبٌ على #عون أم على #الحريري ؟
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
نقولا ناصيف:
تعثر تأليف اولى حكومات عهد جديد بعد قرابة عشرين يوماً من تكليف الرئيس سعد الحريري، يطرح اكثر من علامة استفهام حيال الهدف الذي يُصوّب اليه هذا الاخفاق: رئيس الجمهورية أم رئيس الحكومة؟
يقلل البعض من اهمية انقضاء 20 يوماً على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، عندما يقيس المدة التي استغرقها تأليف الحكومات الثلاث الاخيرة في عهد الرئيس ميشال سليمان: الحكومة الاولى للحريري 135 يوماً (2009)، الحكومة الثانية للرئيس نجيب ميقاتي 139 يوماً (2011)، الحكومة الاولى للرئيس تمام سلام عشرة اشهر وتسعة ايام (2014). وهي مدد قياسية في تاريخ تأليف الحكومات اللبنانية، باستثناء حكومة الاشهر الستة للرئيس رشيد كرامي (1969).
تعزز وجهة النظر هذه ما شاع، في الغالب، ان اولى حكومات العهد هي حكومة الرئيس الجديد يبصرها على صورته، فتؤلف في وقت قصير بالكاد يحتسب. هكذا حصل في حكومات ما قبل اتفاق الطائف، ثم في حكومتي ما بعد الاتفاق في مطلع عهدي رئيسين جديدين. كانت حكومة الرئيس عمر كرامي عام 1990 اولى حكومات عهد الرئيس الياس هراوي تطبق اصلاحات وثيقة الوفاق الوطني ويجري تأليفها تبعاً لها للمرة الاولى عبر الاستشارات النيابية الملزمة، فاستغرقت ما بين التكليف والتأليف اربعة ايام فقط (20 ــــ 24 كانون الاول 1990). كذلك اولى حكومات عهد الرئيس اميل لحود برئاسة الرئيس سليم الحص استغرق الوقت الفاصل ما بين التكليف والتأليف يومين فقط (2 ــــ 4 كانون الاول 1998). الا ان المدة السابقة في طولها لتأليف حكومة مذ ذاك، كانت في مطلع عهد سليمان هي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة 44 يوماً (28 ايار ــــ 11 تموز 2008). اذ ذاك درج استخدام عامل الوقت في التأليف للتأثير على رئيس الجمهورية او الرئيس المكلف بغية انتزاع مكاسب في التمثيل والحقائب. يضاف الى هذا العامل ان الحريري ربما اعتاد، هو الآخر، تمرين الحكومة المؤجلة بعد تجربة 2009 عندما كُلف تأليفها ثم اعتذر بسبب رفض معارضيه حينذاك ــــ لا رئيس الجمهورية صاحب سلطة القبول والرفض ــــ تشكيلة اقترحها، ثم اعيد تكليفه فقدّم تشكيلة اخرى وافقوا عليها فأبصرت حكومته الاولى النور من الرابية لا من قصر بعبدا، وقادها الحظ الى ان تسقط بعد 13 شهراً من المكان نفسه في الرابية ايضاً. وها هو قدره ان صاحب ذلك البيت صار اليوم رئيساً للجمهورية يتقاسم معه تأليف اولى حكومات العهد، عهد الرئيس الجديد. مع ذلك تتعثر.
بذلك، من غير الضروري ان يكون مرور 20 يوماً على فشل جهود التأليف مهماً وذا قيمة للرئيس المكلف، وقد اعتاد اسلافه على هذه الرياضة. بيد انه مهم وذو قيمة في مستهلّ عهد رئيس جديد للدولة. تالياً يعكس تعثّر التأليف في المهلة التي حددها لها رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، حتى عشية ذكرى الاستقلال، مغزى التصويب على اي منهما: عون أم الحريري؟ وهو تصويب يطاول الاثنين معاً.
على ان تعثّر التأليف ينبثق من بضع ملاحظات:
1 ــــ تمسّك حزب الله بتفويض رئيس المجلس نبيه بري التفاوض باسم الثنائية الشيعية واطلاق يده في الخيارات والبدائل. تفويض كهذا، في ظل السجالات الدائرة اخيراً بين بري وعون وبينه وبين الحريري والتزام الحزب الصمت حيالها، يؤكد موافقته على ادارة رئيس المجلس مفاوضات التأليف، مع ان المساعي تكاد تقتصر على حقائب وزراء بري فيما يمتنع حليفه عن التحدث عما يريده لنفسه في الحكومة الجديدة. يرسل بذلك اشارة واضحة الدلالة هي ان تمسكه ببري مفاوضاً في الحصة الشيعية وفي حصة حلفائه الاقربين، لا يقل فاعلية عن تشبثه في ما مضى بعون مرشحاً وحيداً للرئاسة. بذلك يتجنب حزب الله دفع ثمن حليفه المسيحي رئيس الجمهورية مرتين دفعة واحدة: مرة بانتخابه، واخرى بتأليف الحكومة.
2 ــــ ثمة اكثر من تساؤل حيال موقف حزب الله من وصول الحريري الى رئاسة الحكومة، وهل يريده فعلاً في هذا المنصب بعد امتنع عن ترشيحه لتأليفها من دون ان يكون في وسعه عرقلة تكليفه او الحؤول دونه؟ مجرد الحديث عن انه يفصل تماماً ما بين استحقاقي الرئاسة والحكومة الاولى يمثل رسالة سلبية الى تكليف الحريري. بل بدا اكثر حرصاً على التشبث بحصص حلفائه الذين لم يقترعوا لعون كالنائب سليمان فرنجيه.
3 ــــ بات رئيس مجلس النواب المفاوض المحوري للحريري في التأليف، ويتصرّف على انه يفاوض من موقع المعارض الذي اختاره مذ قرر عدم الاقتراع لعون، مع انه رشح الحريري لترؤس الحكومة. يتمسك بري بالحقيبتين اياهما (المال والاشغال) في حكومة سلام ــــ وكانت المرة الاولى يتسلمهما ــــ رافضاً الخوض في مداورة لا تشمل سائر الحقائب بما فيها حقيبتا الخارجية والمغتربين والطاقة. وكحزب الله، يجد نفسه غير معني بالاتفاق الذي ابرمه التيار الوطني الحر مع القوات اللبنانية عشية انتخاب الرئيس حيال تقاسم الحقائب، خصوصاً ون هذا الاتفاق أُبرم في معزل عن الحليف الشيعي، وفي معزل عن تفهم توازن القوى في مجلس الوزراء.
4 ــــ يبدو لافتاً ان الرئيس المكلف يبدو وحده، في الظاهر على الاقل، الذي يخفض سقف شروطه، ولا يشهر فيتوات في وجه احد، ويستعجل تأليف حكومته، ما يجعله وحده تقريباً بلا خصوم: حليف جديد للتيار الوطني الحر بعدما اصبح لسنة خلت حليفاً جديداً لفرنجيه، حليف مخضرم للقوات اللبنانية وحزب الكتائب والنائب وليد جنبلاط، شريك لرئيس الجمهورية في تأليف حكومته، لا يفوّت فرصة لاسترضاء رئيس المجلس، يتفادى استفزاز حزب الله في الملف الحكومي. يجعله ذلك حجر رحى يدور على نفسه محوطاً بهؤلاء جميعاً وبشروطهم المتضاربة. لا يريد الرجل سوى ان يؤلف حكومته.
5 ــــ يتصرّف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية مع التأليف على انهما الشريكان الفعليان فيه بصفتهما معاً حزب رئيس الجمهورية. وهو فحوى امتعاض الثنائية الشيعية من الثنائية المسيحية الجديدة عندما تضع فيتو على توزير فرنجيه وتقيّده بالحقيبة التي تريدها له، وعندما تصر على تقاسم الحقائب المسيحية والاستئثار بها، وعلى انها تملك ان تحدد الحصص الاخرى المسيحية والاسلامية، ناهيك بتمسكها بحصولها على عدد متساو من الحقائب مع ان كتلتيهما ليستا متساويتين احداهما حيال الاخرى، او حيال الكتل الباقية.
لكن للفريق الآخر وجهة نظر مغايرة، مفادها ان الثنائية المسيحية الجديدة احدثت تغييراً في موازين القوى في الساحة المسيحية، من غير ان يتأثر به الشارع الاسلامي او الشارع اللبناني في مجمله.
[ad_2]