تصعيدٌ مختلف ونوعي: “أيام نارية” على القواعد الأميركية في سوريا
موقع قناة الميادين-
جو غانم:
تحول يوم الجمعة الماضي، 8 كانون الأول/ديسمبر، إلى “يومٍ ناري” على القواعد الأميركية في سوريا والعراق، بكل ما تعنيه الكلمة، إذ أُمطر عدد من القواعد والنقاط في البلدين بوابلٍ من الصواريخ والقذائف لمرات متكررة على القاعدة الواحدة في بعض الأحيان.
انعكس ارتفاع حدة وشراسة المواجهة العسكرية بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وجيش الاحتلال الإسرائيلي بعد انتهاء “الهدنة الإنسانية” يوم الخميس الأخير من الشهر الفائت على مستوى المواجهة بين قوى محور المقاومة في الإقليم وقوى العدوان التي تدعم كيان الاحتلال في حربه على الفلسطينيين، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
بدا هذا الأمر جلياً في التصعيد النوعي الذي أقدمت عليه فصائل المقاومة الإسلامية في سوريا والعراق ضد قواعد الاحتلال الأميركي في البلدين، سواء لناحية تكثيف الهجمات بشكل غير مسبوق في الأسبوع الأخير أو لناحية طرائق هذه الهجمات وأنواع الأسلحة المستخدمة فيها ودخول مواقع جديدة نطاق الاستهداف، كذلك الأمر بالنسبة إلى تزايد الهجمات بالصواريخ التي تنطلق من الداخل السوري باتجاه الجولان السوري المحتل.
وقد انعكس هذا الأمر بدوره على النقاش الدائر في أروقة صنع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، لجهة كيفية الرد على هذه الهجمات التي يزداد تأثيرها يوماً بعد يوم، إذ يدفع بعض القادة العسكريين باتجاه تصعيد المواجهة مع فصائل المقاومة في العراق وسوريا واستهداف مقارّها وقادتها وكوادرها بشكل عنيف ومباشر، فيما يحاول المكتب البيضاوي ووزارة الخارجية كبح هذه الهجمات عن طريق زيادة الضغط السياسي والاقتصادي على بغداد ودمشق وطهران، مع توجيه بعض الضربات العسكرية إلى مواقع المقاومة، ومحاولة إشغال الأخيرة بمعارك جانبية مع أدوات الولايات المتحدة في العراق وسوريا، وفي طليعتها تنظيم “داعش” الإرهابي الذي ازدادت حركة خلاياه ومجموعاته في الأيام الأخيرة، خصوصاً في البادية السورية الممتدة إلى منطقة “التنف” عند الحدود السورية – العراقية، حيث أكبر القواعد العسكرية الأميركية وأهمها، كما في غربي العراق الممتد من محافظة الأنبار إلى نقطة الحدود السورية ذاتها.
وإذ تكشف هذه التطورات مدى ترابط المشروع المقاوم في المنطقة وارتباط نشاط قواه العسكري بالمعركة الكبرى في غزة داخل فلسطين المحتلة، فإنها تكشف أيضاً مدى اضطراب الولايات المتحدة الأميركية، الداعم الرئيسي لكيان الاحتلال وقائدة مشروع الهيمنة في المنطقة، وقلقها من تسعير الصراع وتوسعه وبلوغه مستوى الحرب الشاملة عليها وعلى الجبهة التي تقودها في المنطقة، وبالتالي على وجودها ونفوذها، وتداعيات ذلك على قدرتها على ضبط الأوضاع وفقاً لمصالحها، خصوصاً مع عجزها وأدواتها عن تحقيق أي نصر عسكري في غزة أولاً، ثم عن التأثير في قوى المقاومة ودفعها نحو التسويات التي اعتادت واشنطن أنْ تحقق منها انتصارات سياسية أو أهداف تُقلل من حجم الخسائر العسكرية أو تعوضها.
ولعل في دخول اليمن ساحة المواجهة من أوسع الأبواب، وتحوله إلى قوة محورية ورئيسية ضاغطة ضمن محور المقاومة، وحصاره المصالح الأميركية والإسرائيلية، كما مصالح الأدوات الإقليمية والعالمية، في أهم نقطة جغرافية في منطقة الخليج، وتزامن تصاعد حركته النوعية المقاومة مع تصعيد المواجهة في سوريا والعراق ولبنان، وإغراق المقاومة الفلسطينية جيش الاحتلال وجنوده وآلياته في مستنقع الخسائر الفادحة في غزة، ما يؤكد اكتمال عناصر المواجهة الكبرى في الإقليم، ويثبت تفوق قوى المقاومة على المستوى الاستراتيجي في عموم ساحات الميدان، وهو تحديداً ما يُقلق الولايات المتحدة الأميركية، ويؤجج النقاش السياسي والعسكري الدائر في العاصمة واشنطن.
هذا أيضاً ما قد يدفع باتجاه اتخاذ قرارات مصيرية بالنسبة إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، فإما اعتماد المواجهة العسكرية العنيفة مع قوى المقاومة، وهو الأمر الذي جربته الإدارات الأميركية وأمنت كل أدواته من دون جدوى، كما هو واضح في حال الميدان الآن، وإما اللعب بكل الأوراق السياسية والاقتصادية للوصول إلى هدنة أو تسوية تُقلل من الخسائر في جبهة العدوان، وهو أمر يبدو بعيد المنال هذه اللحظة، وخصوصاً أن شروط وأهداف قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة باتت واضحة وجذرية إلى درجة اعتبار الجميع أنهم يخوضون حرب تحرير حقيقة الآن، وليس جولة من جولات الصراع الطويل والمرير مع الجبهة الاستعمارية.
ميدانياً، تحول يوم الجمعة الماضي، 8 كانون الأول/ديسمبر، إلى “يومٍ ناري” على القواعد الأميركية في سوريا والعراق، بكل ما تعنيه الكلمة، إذ أُمطر عدد من القواعد والنقاط في البلدين بوابلٍ من الصواريخ والقذائف لمرات متكررة على القاعدة الواحدة في بعض الأحيان.
في الشرق السوري، وخلال ساعات قليلة فقط، تعرضت قاعدة “حقل العمر النفطي” للقصف برشقات صاروخية أصابت مركزها بشكل مباشر، كما استُهدفت قاعدة حقل الغاز “كونوكو” بالصواريخ أيضاً، كذلك الأمر بالنسبة إلى قاعدة “الشدادي” وحقول “الجبسي” المحتلة التي تتبع لها، والتي جرى استهدافها مرتين متتاليتين خلال ساعات، وهو الأمر الذي تكرر في ريف منطقة “اليعربية” عند أقصى الشرق السوري، إذ تعرضت قاعدة ومطار “خراب الجير” لهجومين متتالين برشقاتٍ من الصواريخ، وقد شوهدت ألسنة النيران تتصاعد من الموقع. كذلك لوحظت حركة سيارات الإسعاف المنطلقة من المكان باتجاه حقول “الرميلان” القريبة.
والجديد هنا أن القوات الأميركية بادرت إلى إطلاق بالونات رصدٍ ومراقبة في المنطقة، في محاولةٍ لتتبع حركة فصائل المقاومة، وهو الأمر الذي اعتمدته في ريف دير الزور أيضاً، تحديداً في منطقتي البوكمال والميادين، وفي محيط حقلي “العمر” و”كونوكو”.
وبالتزامن مع الهجمات الكثيفة على قواعد الاحتلال في الشرق السوري، استهدفت المقاومة الإسلامية قاعدة “عين الأسد” في العراق 3 مرات في اليوم نفسه (الجمعة)، كما تعرضت قاعدة مطار “إربيل” لهجومين متتاليين.
وكان محيط السفارة الأميركية في بغداد قد تعرض لهجمات صاروخية ليل الخميس – الجمعة، وهو تطور جديد من نوعه منذ اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في غزة، ويحمل دلالة كبيرة تشير إلى الانتقال إلى مستوى جديد من الصراع مع قوى جبهة العدوان، خصوصاً إذا ما رُبط بالإعلان اليمني المتزامن الذي أكَّد انتقال المقاومة اليمنية من مستوى استهداف السفن الإسرائيلية إلى قرار استهداف السفن والبواخر المتجهة إلى كيان الاحتلال، بصرف النظر عن جنسيتها، وهذا يعني أن قوى المقاومة انتقلت إلى مرحلة استهداف مصالح قوى العدوان بجميع أشكالها لا استهداف القواعد والقدرات والمصالح العسكرية فقط.
وقد استشعرت الولايات المتحدة هذا التطور في المواجهة ومدى خطره، ما دفع وزير دفاعها لويد أوستن إلى الاتصال برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وتحذيره من خطورة ما تقوم به فصائل المقاومة العراقية. وقد سمى أوستن حركتي “النجباء” و”حزب الله العراقي” تحديداً، واعتبرهما مسؤولتين عن الهجمات الأخيرة.
وشدد أوستن في البيان الذي نُشر في موقع “البنتاغون” الأميركي على “حق واشنطن بالتصرف دفاعاً عن النفس ضد أي مجموعات تشن هجمات على الأميركيين”، وأنها “تحتفظ بحق الرد الحاسم”.
واعتبر في حديثه إلى السوداني أنَّ “الهجمات التي تشنها الميليشيات المدعومة من إيران تقوض سيادة العراق واستقراره، وتُهدد سلامة المدنيين العراقيين، وتُعرقل الحملة لهزيمة تنظيم داعش”، طالباً من بغداد القيام بالتزاماتها حيال البعثات الدبلوماسية ووجوب حمايتها وحماية منشآت “التحالف” والعاملين فيها، وتلك لغة جديدة تعتمدها واشنطن، بعدما كانت ترد بشكل مباشر وسريع في الميدان بقصف عنيف يُحدث أكبر قدر من التدمير ويقتل أكبر عدد من الناس، ومن دون حتى أن تُنذر حكومات الدول المستهدفة، وهو الأسلوب الذي يحاول بعض القادة العسكريين الأميركيين العودة إلى اعتماده الآن، لكن قلق إدارة بايدن من النتائج والتداعيات في هذا الظرف العصيب من الصراع يمنع حتى اللحظة قرار المضي فيه.
الواضح من خلال التطورات الأخيرة خلال الأيام العشرة الماضية أن ما بعد الهدنة في غزة ليس كما قبلها، فتسعير كيان الاحتلال الإسرائيلي جرائمه ومجازره في غزة قوبل في عموم ساحات الإقليم بتصعيدٍ كبير ومختلف تماماً عن المرحلة السابقة للهدنة، فالهجمات على القواعد والمصالح الأميركية باتت أكثر كثافة من ذي قبل، بل بات تكرار الهجوم على تلك القواعد خلال يوم واحد أمراً ثابتاً.
ويشير تطور الصراع باتجاه دخول المصالح الأميركية برمتها، كما المصالح الدولية المرتبطة بكيان الاحتلال، نطاق الاستهداف، إلى أن قرار تصعيد المواجهة وتوسعها اتخذ لدى قوى محور المقاومة، وهذا يشير بدوره إلى الموقف العسكري والاستراتيجي المتقدم الذي ترى هذه القوى موقعها فيه حالياً، انطلاقاً من موقف المقاومة الفلسطينية في غزة، بلوغاً كل ساحات المواجهة الأخرى في الإقليم والمنطقة.
وبناءً عليه، فإن الأيام والأسابيع المقبلة سوف تشهد تكثيفاً أكبر في استهداف القواعد والمصالح الأميركية والإسرائيلية، وسوف تختبر القواعد الأميركية في سوريا “أياماً نارية” كثيرة، وسيكون من المنتظر أنْ تردّ واشنطن بهجمات وغارات جوية على مواقع فصائل المقاومة غربي الفرات، كما في الداخل العراقي.
ومن المؤكد أيضاً أن نشهد حركة أكثر كثافة لتنظيم “داعش” الإرهابي في البادية السورية، وهو ما يعمل الجيش العربي السوري وقوى المقاومة الرديفة في تلك المنطقة على منعه أو الحد منه، وذلك من خلال التمشيط اليومي الذي يقوم به الطيرانان السوري والروسي من الجو والقوات العسكرية على الأرض.
بالتوازي، تمضي دمشق نحو تعزيز علاقاتها وتنسيقها مع القوى الحليفة في محور المقاومة، خصوصاً طهران، إذ زار رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس العاصمة الإيرانية خلال الأيام الماضية.
وبعد التوقيع على المحاور المتفق عليها كمرحلة أخيرة لبدء تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية التي جرى التوقيع عليها خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق خلال شهر أيار/مايو الماضي، التقى عرنوس النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر، وأكدا في تصريحات مشتركة الوقوف مع الشعب الفلسطيني في معركته حتى التحرير وتعزيز محور المقاومة في المنطقة لكي تكون له “الكلمة الفصل” فيها، وشددا على أن السعي إلى استقلال المنطقة وتحررها من قوى الهيمنة العالمية هو قرار لا رجعة فيه لدى القيادتين ولدى قوى المقاومة في المنطقة.