تصريحات محمد بن سلمان اعتراف صريح بدعم التكفيريين وتوظيف الوهابية لأغراض سياسية
أجرى ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” مؤخراً مقابلة مع صحيفة “الغارديان” البريطانية تعهد فيها بإعادة البلاد إلى ما أسماه “الإسلام المعتدل” ومواجهة الأفكار المتطرفة، مشيراً إلى أن السعودية لم تكن طبيعية على مدى الثلاثين عاماً الماضية، بسبب التعاليم الجامدة والمتزمتة التي سيطرت على المجتمع.
وأضاف بن سلمان: بعد الثورة الإيرانية في عام 1979 أراد الناس استنساخ هذا النموذج في بلدان مختلفة، واحدة منها السعودية، ونحن لم نعرف كيفية التعامل مع ذلك.
كما تطرق ابن سلمان في المقابلة إلى الخطة الاقتصادية التي تعتمدها السعودية في الوقت الحاضر وما ينوي فعله في هذا المجال في إطار ما بات يعرف بمشروع “نيوم” لجذب الاستثمارات، طالباً في الوقت ذاته الدعم العالمي لتحويل السعودية إلى بلد منفتح.
من خلال قراءة تصريحات بن سلمان يمكن استنتاج ما يلي:
الاعتراف بالتطرف الذي تتبناه السعودية
من دون شك لم يكشف أي من المسؤولين السعوديين حتى وقت قريب عن ارتباط النظام السياسي الحاكم في البلاد بالتطرف. ويأتي اعتراف بن سلمان بهذا الأمر وبهذه الصراحة ليفصح عن هذه الحقيقة.
وتؤكد اعترافات بن سلمان بأن السعودية لعبت دوراً أساسياً في تشكيل الجماعات الإرهابية وقدمت لها الدعم المالي والعسكري بهدف زعزعة الأمن والاستقرار ونشر الفوضى في عموم المنطقة والعالم.
وتتجلى هذه الاعترافات في الجرائم التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية في العديد من الدول بينها العراق وسوريا وأفغانستان واليمن وليبيا وباكستان والتي أدت إلى إزهاق أرواح آلاف الأشخاص، وهيّأت الأرضية لتدخل القوى الأجنبية لاسيّما أمريكا في شؤون المنطقة.
مواجهة الأنظمة الديمقراطية في المنطقة
عكست اعترافات بن سلمان بأن بلاده عملت طيلة العقود الماضية على مواجهة محاولات التمسك بالديمقراطية في العديد من دول المنطقة والتي تم استلهامها من الثورة الإسلامية في إيران التي أطاحت بأحد أعتى الديكتاتوريات في العالم.
وتجلى التحرك السعودي في هذا المضمار على الصعيد الخارجي من خلال محاولة زرع الخوف في نفوس شعوب الدول الإقليمية من امتدادات الثورة الإسلامية في إيران في وقت يعلم فيه الجميع بأن هذه المحاولات كانت تهدف في الأساس إلى حماية الأنظمة الرجعية وغير الديمقراطية في المنطقة.
وعلى الصعيد الداخلي عمدت السعودية إلى قمع أي تحركات شعبية تهدف إلى المطالبة بالحريات العامة والإصلاحات السياسية وذلك من خلال محاولة اتهامها بالارتباط بالجمهورية الإسلامية في إيران.
التظاهر بالتخلي عن الوهابية كإجراء تكتيكي
بعد فشل الوهابية في إقناع العالم الإسلامي بمشروعية هذا الفكر المتطرف سعى محمد بن سلمان إلى الإيحاء بأنه سيتحرك لتبنى “الإسلام المعتدل” في محاولة منه لإيهام الرأي العام بأن مستقبل السعودية سيكون أفضل من السابق وذلك من أجل تحقيق أغراض سياسية محلية وإقليمية.
وتجدر الإشارة إلى أن السعودية كانت قد أدركت تماماً بأن الشعوب والدول الإسلامية ترفض الفكر الوهابي المتطرف. وقد تجلى ذلك بوضوح خلال مؤتمر علماء أهل السنّة الذي عقد في العاصمة الشيشانية “غروزني” في آب/أغسطس 2016 والذي أكد فيه المشاركون عدم اعترافهم بالوهابية كمذهب إسلامي.
ولم يكتفي المشاركون في المؤتمر الذي حضره شيخ الأزهر “أحمد الطيب” وأكثر من مئتي مفتي وعالم من علماء المسلمين من مختلف أنحاء العالم باستبعاد الوهابية من أهل السنة والجماعة بل حمّلوا هذا الفكر تشويه الإسلام وتقديم صورة سيئة عنه بسبب نشر التطرف في العالم ودعم التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها “داعش” و”القاعدة”.
كما تنبغي الإشارة إلى أن محور المقاومة الذي تدعمه إيران بقوة والذي حقق انتصارات مهمة واستراتيجية على الجماعات التكفيرية والإرهابية التي تدعمها السعودية قد ساهم هو الآخر في رفض الفكر الوهابي الذي يقف وراء هذه الجماعات من قبل كافة شعوب دول المنطقة والبلدان الإسلامية بشكل عام.
تراجع الاقتصاد السعودي
عكست اعترافات بن سلمان الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعاني منها السعودية منذ نحو ثلاث سنوات بسبب تراجع أسعار النفط من جهة والتكاليف الباهظة للعدوان الظالم على اليمن، إلى جانب الأموال الطائلة التي تنفقها الرياض لدعم الجماعات الإرهابية. ونتيجة هذه الأزمة أصيبت الميزانية السعودية بعجز شديد واضطرت الحكومة لاتخاذ إجراءات تقشف قاسية، ما دعا المواطنين إلى رفع أصواتهم مطالبين بتحسين الظروف المعيشية والخدمية التي تدهورت كثيراً بسبب تلك الإجراءات.
في الختام لابد من التذكير بأن معظم المراقبين يعتبرون وعود ولي العهد السعودي بإجراء إصلاحات في المملكة غير صادقة، فيما يرى آخرون بأن هذه الوعود مرتبطة فقط بمحاولة انقاذ اقتصاد المملكة، ولا علاقة لها بأية إصلاحات اجتماعية أو مدنية لا من قرب ولا من بعيد.