تشومسكي يناهض إسرائيل في مقابلة مع «معاريف»
صحيفة السفير اللبنانية ـ
حلمي موسى :
يمثل اليهود في العالم احدى أهم ركائز القوة الناعمة الإسرائيلية التي إلى جانب الدعم الأميركي والقوة العسكرية تشكل أعمدة استراتيجية أمنها القومي. وكثيرا ما خاضت إسرائيل معارك داخل الجاليات اليهودية في العالم لضمان السيطرة عليها والتحكم بها لتحقيق أغراضها. وعلى الدوام كان الصراع داخل المنظمات اليهودية في أميركا عنوانا لمدى سيطرة إسرائيل أو على الأقل الأحزاب الحاكمة فيها على السجال العام هناك.
ومن الجائز أن ذلك كله يتجلى اليوم بما يعرف باللوبي الصهيوني «ايباك» الذي يتصرف في الغالب كأداة من أدوات الحكم الإسرائيلي في أميركا في تعامله مع الإدارة الأميركية ومجلسي الكونغرس كما في تعامله مع الرأي العام والمجتمع الأهلي. وكثيرا ما كانت توجهات الحكم في إسرائيل مناقضة لمصالح وتوجهات عموم اليهود في أميركا وهو ما قاد في السنوات الأخيرة إلى نشوء منظمة «جي ستريت» كوزن مضاد لـ«إيباك». ورغم اعتراض الحكومة الإسرائيلية اليمينية على دور «جي ستريت»، بل ووجودها، فإن هذه المنظمة لم تخرج عن السياق العام لتأييد إسرائيل وإن قامت أصلا بالفصل بين تأييد إسرائيل وتأييد الحكومة الإسرائيلية.
لكن أشد ما يزعج إسرائيل في أميركا هم اليهود المعادون للصهيونية عموما أو المعادون حتى للسياسة الإسرائيلية. ويزداد هذا الإزعاج بقدر ما يحتل هؤلاء مراكز مرموقة في الفكر أو العلم أو السياسة.
فمثل هؤلاء يحرمون إسرائيل والمنظمات التابعة والمناصرة لها من استخدام السلاح الفتاك في مواجهة الخصوم وهو اتهامهم باللاسامية. إذ يصعب اتهام اليهودي باللاسامية التي باتت في الغرب عنوانا للعنصرية البغيضة ولكراهية الآخر. ولذلك تم اختراع مفهوم جديد للتصدي لليهود المعادين لإسرائيل أو للصهيونية وهو «كارهي الذات». ومن المؤكد أن نطاق صلاحية هذا التعبير لا تتجاوز كثيرا حدود الجاليات اليهودية مما يجعله ضيقا وغير مؤثر في أغلب الحالات.
ومن بين الشخصيات اليهودية الأشد استفزازا لإسرائيل عالم اللغويات الأميركي نعوم تشومسكي. فهو في ميدانه بين الأشهر في العالم ولكن لا يقل عن ذلك كونه صاحب مدرسة انتقادية في علم السياسة تركت أثرا بالغا في أميركا والعالم. ويصح فيه على الأقل ما سبق للأستاذ محمد حسنين هيكل أن وصف به الصحافي اليهودي الأميركي سيمور هيرش بأنه وقف إلى جانب الحق ضد القوة. وإلى جانب ذلك يحظى باحترام شخصي هائل جعل حتى أشد معارضيه، مثل «نيويورك تايمز»، التي كان أنصاره قد أنشأوا مجلة «أكاذيب نيويورك تايمز» لتفنيد محتوياتها يعتبرونه أهم مفكر على قيد الحياة راهنا.
وتتراوح أسباب استفزاز تشومسكي لإسرائيل بين اعتراضه أصلا على مبدأ «الوطن الثاني» لليهود وبين رفضه للسياسات الإسرائيلية. وقد سبق لتشومسكي أن قال ان «اليهود لا يستحقون «وطنا ثانيا» لأن نيويورك مدينتهم، فيها تعداد سكاني يهودي هائل، ووسائل إعلام يسيطرون عليها، ورئيس بلدية يهودي، وسيطرة على الحياة الثقافية والاقتصادية. وإذا تعاظمت اللاسامية، فهذا لأن «شعب الله المختار» يريد ضمان سيطرة مطلقة، وليس فقط سيطرة بنسبة 98 في المئة».
كما سعى لإزالة القدسية التي تحيط بها إسرائيل مناقشة قضايا المحرقة النازية وهو القائل «إنني لا أرى عواقب لاسامية لإنكار وجود غرف الغاز، أو حتى إنكار المحرقة. كما ليست هناك عواقب لاسامية للزعم بأنه يساء استخدام المحرقة، بشكل وحشي، على أيدي المدافعين بشكل تلقائي عن الأعمال القمعية والعنيفة لإسرائيل».
ويعتبر تشومسكي أنهم «في إسرائيل طوروا منظومة معقدة للدعاية. وهم لا يسمونها دعاية وإنما «توضيح» (هسبراه). والفكرة الكامنة خلفها ترى أن موقفنا تجاه كل شيء هو الموقف الصحيح وبشكل بديهي، بحيث أننا لا نحتاج إلا لتوضيح ذلك للناس. حينها يرون أننا على حق».
ولا يقصر تشومسكي موقفه على مناهضة إسرائيل بل أن هذا الموقف جزء يسير من موقفه تجاه السياسات الأميركية عموما. وهو يقول ان «الناس ذوي القوة لا يفهمون سوى أمر واحد: استخدام العنف». وهو من يعتبر «الرئيس أوباما مديرا لأكبر عمليات الإرهاب الدولي في عصرنا: عمليات القصف بطائرات من دون طيار وعمليات القوات الخاصة. هذه العمليات إرهاب، وهي تنتج الإرهاب». ويرفض تشومسكي إدعاءات السلام حيث يقول أن «الجميع يتحدث عن الرغبة في السلام. هتلر كان يتحدث عن السلام. السؤال: أي صنف من السلام؟»
والواقع أن الكثير من الكتاب والساسة في إسرائيل، حتى ممن لا يصنفون أنفسهم كأبواق أو كأنصار للحكومة اليمينية يتعاملون مع تشومسكي بوصفه عار على اليهود. بل ان أحدهم، محرر صفحة الرأي في «معاريف» بن درور يميني اعتبر في مقال أخير له «عار على العالم الحر» بأسره. وبعد أن يعدد ما يعتبره أكاذيب وترهات تشومسكي يشير يميني إلى أن «المشكلة ليست تشومسكي. المشكلة جمهور أنصاره الهائل. فهو المنتج الأكبر للحماقات الدارجة في الجيل الأخير. ووصفه الغرب وإسرائيل بالنازية، عبر توفيره مبررات الدفاع عن إيران وحماس وحزب الله، صارت الشيفرة السياسية للقوات المتقدمة. لقد فقدوا البوصلة والضمير. لقد فقدوا التناسب. إنهم يأخذون شظايا مزاعم صحيحة ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل، ويضخمونها لأحجام وحشية». ويخلص يميني إلى أن تشومسكي ليس مدافعا عن المضطهدين في العالم في وجه مضطهديهم وإنما «مدافع عن القيادات العليا لصناعة الدمار والكراهية» ويقصد الإسلاميين.
في كل الأحوال يبقى تشومسكي منارة للحرية والفهم العميق للتيارات التحت أرضية في السياسة الدولية ولذلك تكن إسرائيل له عميق العداء وتعتبره عارا على اليهودية.