تسوية الصفوف
صحيفة العرب اليوم الأردنية ـ
سعود قبيلات:
صرف الأمريكيّون بعضاً مِنْ جهودهم، مؤخَّراً، لإعادة ترتيب علاقات حلفائهم وأتباعهم في المنطقة، بهدف تنسيق الهجوم (وتشديده) على سوريَّة، وإيران، وحزب الله، والوجود الروسيّ الذي تزايد مؤخَّراً بشكلٍ غير مسبوق في البحر الأبيض المتوسِّط. وفي هذا الإطار فقط، يمكن فهم المصالحة التي جرت بين أردوغان ونتنياهو، بإشراف أوباما أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة.
أنصار حزب التنمية والعدالة التركيّ، من العرب، بذلوا جهوداً محمومة للتغطية على حقيقة ما جرى فعلاً؛ فهلَّلوا وكبَّروا لاعتذار نتنياهو لتركيّا عن المجزرة التي ارتكبتها “إسرائيل” بحقّ ركّاب السفينة التركيَّة مرمرة، وأغمضوا عيونهم، بالمقابل، عن التزام أردوغان، في إطار صفقة المصالحة تلك، بعدم تقديم أيّ شكوى، للقضاء الدوليّ، ضدّ الجريمة “الإسرائيليَّة” البشعة التي راح ضحيَّتها مواطنون أتراك؛ كما تجاهلوا، أيضاً، ما يعنيه ذلك من إزالة آخر عقبة أمام عودة العلاقات “الإسرائيليَّة” التركيَّة الحميمة إلى سابق عهدها.
لقد كان رأي الأمريكيين، منذ البداية، أنَّ مهاجمة “الإسرائيليين” لمرمرة أمر ثانويّ ولا يستحقّ أنْ يكون سبباً لتكدير صفو العلاقات بين ذينك الصديقين القديمين، بل الحليفين الفعليين. لكن، كان يصعب على أردوغان أنْ يتجاوز هذه المسألة “الثانويَّة” مِنْ دون أنْ يحصل على شيء من “الإسرائيليين” يحفظ به ماء وجهه، وكان ذلك هو الاعتذار.. تحديداً. وبالمقابل، كان يصعب على نتنياهو الاعتذار وهو قادم إلى السلطة على صهوة أشدّ الأطروحات الصهيونيَّة تطرّفاً.
ومع ذلك، لم تنقطع العلاقات التركيَّة – “الإسرائيليَّة” بعد ذلك؛ لكن، فقط، تمَّ تجميد بعض أوجه التعاون العسكريّ بينهما، مؤقّتاً، ثمَّ سرعان ما عاد كلّ شيءٍ، في هذا المجال، إلى حاله. والآن، انتهى الهزل وجاء الجدّ، فثمَّة حرب ضروس مشتعلة مع عدوّ تتَّفق مصالح حزب التنمية والعدالة، و”الإسرائيليين”، والأمريكيين والدول العربيَّة الموالية لهم، والحركات السياسيَّة الوهَّابيَّة، على مواجهته والتخلّص منه؛ الأمر الذي استوجب تصفية نفوس هؤلاء وقلوبهم، تجاه بعضهم بعضا، ليرصّوا صفوفهم في مواجهة عدوّهم ذاك؛ خصوصاً أنَّ حربهم عليه، رغم كلّ الأموال الطائلة التي أنفقوها عليها والمساندة الضخمة التي وفَّروها لها، ما زالتْ تراوح مكانها منذ سنتين.
في ألف باء السياسة، التناقضات ليست كلّها سواء؛ فثمَّة تناقضات جوهريَّة، قد تكون تناحريَّة أحياناً؛ وهذه بين الأعداء؛ وثمَّة تناقضات ثانويَّة، تُحلّ بالطرق السلميَّة أو تُترك للوقت؛ وهذه بين الأصدقاء. ومن الطبيعيّ، تماماً، أنْ ينظر أعضاء هذا الحلف، الذي ذكرناه أعلاه، إلى ما بينهم مِنْ تناقضات، على أنَّها تناقضات ثانويَّة تُمْكن تسويتها بالحوار والتفاهم، وإذا لزم الأمر، بالتعايش معها إلى ما لا نهاية؛ أمَّا تناقضهم مع سوريَّة وحزب الله وإيران، فهو، بالنسبة لهم، – كما هو واضح – تناقض جوهريّ تناحريّ لا مجال لحلِّه بالحوار أو المفاوضات.. بل فقط بالصراع الدمويّ المرير، وبمنطق: إمَّا نحن أو هم.
لذلك يغضّ “الإخوان” الحاكمون في مصر نظرهم عن “كامب ديفيد”، ويواصلون التنسيق الرسميّ، بمختلف أشكاله، مع “إسرائيل”؛ لكن حين يتعلَّق الأمر بسوريَّة، فلا هوادة. ويبدي “الإخوان” في تونس تساهلاً وتسامحاً تجاه “إسرائيل”، لكنَّهم يتشدَّدون تجاه سوريَّة إلى أبعد حدّ. ويرسل وزير، مِنْ حكومة “الإخوان” في المغرب، مستشاره، مؤخّراً، إلى “إسرائيل”، لتعزيز العلاقات معها؛ أمَّا دمشق، فليس بينهم وبينها إلا “الرمح والسيف”، كما يُقال.
وهكذا، لم يتكلَّف أوباما، لدى مجيئه إلى المنطقة مؤخَّراً، عناءً شديداً لإعادة ترتيب علاقات حلفائه وأتباعه فيها؛ كي يكونوا في أتمِّ مستويات جاهزيَّتهم وطاقتهم في الحرب على سوريَّة. احتاج منه الأمر فقط أنْ يتنحنح، ويلتفتْ وراءه قليلاً، ويقول: معشر الحلفاء.. سوّوا الصفوف، وسدّوا الفُرَج..
فإذا هم كالبنيان المرصوص.