تسويات بين السطور: هل تتحقق آمال البحرينيين قبيل الإنتخابات النيابية؟
موقع العهد الإخباري-
فاطمة قاسم شمس:
أما وقد انقضى شهر على لقاء ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة بالعلامة السيد عبد الله الغريفي، إلاّ أن مخرجات الزيارة لا تزال محط ترقب وانتظار، فهي إما تكون محدودة للغاية أو أن هناك خطة من قبل السلطة لتوسعة الإصلاحات السياسية، في خضم التطورات التي تشهدها البلاد المقبلة على استحقاق برلماني يأمل شعب البحرين أن يسهم في تحقيق تسويات سياسية حتى ولو تأخرت، تقوم على إلغاء قانون العزل السياسي وتبيض السجون من أجّل أن يتنفس الاحتقان الحاصل ويُكسر الجليد السياسي منذ إغلاق جمعيتي وعد والوفاق.
ما دار في الكواليس قبل وإبان اللقاء بقي حبيس الغرف المغلقة بسرية تامة سوى ما أفصح عنه العلامة الغريفي الذي اتخذ خطوة جريئة وفرض شروطه على الديوان الملكي لقبول الدعوة الموجّهة إليه من ملك البحرين شخصيًا، فما هي إذًا الشروط التي وضعها السيد الغريفي على السلطة للقاء الملك؟
اشترط العلامة مسبقًا على الديوان الإفصاح عن تفاصيل الزيارة وحيثياتها في خطاب عام وشفاف يلقيه أمام الجمهور وهذا ما قام به بالفعل بعد اللقاء.
بالطبع وافق حمد بن عيسى على شروط العلامة الغريفي الذي أراد أن تكون الزيارة “إنقاذية” تحمل مطالب الشعب الى بيت الحكم قولًا وكتابة، لا زيارة بروتوكولية أو لقاء صالونات ومجاملات.
وهنا لا بد من الإشارة أولًا ومن دون تفكير “بالصورة” التي التقطها القصر وهدف من ورائها الى إظهار “صورة تجميلية” فقط، وتوثيقها للتاريخ على قاعدة “أنا ملك منفتح على الأديان والطوائف”، لكن تكتيك الصورة المزخرفة بابتسامة الملك العريضة وألوانها الودية أظهرت وجهًا آخر لم يكن في حسبان الديوان الملكي.
مما لا شك فيه أن الزيارة تحمل أبعادًا عميقة ودلالات أكثر شمولية كانت كفيلة بإعادة اعتراف بيت الحكم “بالوجود الشيعي” وإقراره رسميًا بالمكوّن الأصيل للطائفة ذات الغالبية الشعبية وصاحبة الشرعية، التي يصعب إقصاؤها أو حجب مكانتها البارزة ودورها الهام كشريك وطني رئيسي في البلاد.
مؤشرات اللقاء الذي جمع العلامة الغريفي وملك البحرين برزت في عودة صلاة الجمعة المركزية إلى جامع الإمام الصادق عليه السلام في منطقة الدراز غرب العاصمة المنامة، بعد ستة أعوام من المنع الرسمي، بإمامة رجل الدين البارز العلامة الشيخ علي الصددي.
لأسبوعين متتاليين احتشد الآلاف خلف العلامة الصددي في مشهد شعبي ـ إيماني مهيب وحضور لافت اكتسح ساحتي الجامع الداخلية والخارجية في منطقة الدراز معقل آية الله قاسم، مع اختفاء مشهد القبضة الأمنية والاستنفار المعتاد، سواء خلال الصلاة المركزية أو عشرات التظاهرات الضخمة المنتصرة لقضية الأمة فلسطين والرافضة كل أشكال التطبيع الرسمي مع الكيان الإسرائيلي، وهذا على ما يبدو هو توجّه ولي العهد رئيس الوزراء الشيخ سلمان آل خليفة ورؤيته في تقليص حدة القبضة الأمنية في البلاد بما قد يسهم في فرصة تخفيف الاحتقان وتعبيد الطريق نحو تسوية سياسية محتملة خلال الفترة الفاصلة التي تسبق الاإنتخابات النيابية والبلدية المرتقب إجراؤها في شهر تشرين الاول/ أكتوبر أو تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
تسويةٌ سياسية يرتقبها شعب البحرين ويصبو اليها، مبنية على استعادة الحق السياسي، ما يتيح عودة الأحزاب السياسية الى الساحة للقيام بدورها في صنع القرار والمشاركة السياسية والترشح لانتخابات عام 2022، وحصول افراجات واسعة عن قرابة الف معتقل رأي يقبع في السجون بمقدمتهم قيادات المعارضة وعلى رأسهم زعيم المعارضة الشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية. وهنا يستحضر بيان الفصل لآية الله الشيخ عيسى قاسم الأخير والذي حسم فيه موقف المرجعية قائلاً: “إمّا انتخابات فيها حلٌّ لمشكلات الشعب، وإمّا لا مشاركة شعبيَّة”.
بالطبع هذه هي آمال شعب البحرين، ولكن هل يستطيع الملك تحقيقها واتخاذ خطوة إيجابية تعيد الأمور إلى نصابها، في ظل ما يُحكى عن رغبة ولي العهد بحصول تسوية سياسية مع قوى المعارضة من أجل ضمان دخولها في انتخابات 2022 ما يسمح له بتشكيل حكومة متعددة الأقطاب ومتنوعة التوجهات لا تشبه حكومته الحالية أو حكومات اللون الواحد خلال حكم عم أبيه الراحل خليفة بن سلمان؟
ميول ولي العهد تعتريها مطبات وعراقيل في ظل الانقسام الحاصل داخل القصر الملكي والخلافات الحادة بين أفراد العائلة الحاكمة مع رفض جناح الخوالد رفضًا قاطعًا حل الازمة السياسية والجلوس على طاولة حوار مع شركاء الوطن من القوى المعارضة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه، هل يتحقق سيناريو التسويات في المسافة الزمنية الفاصلة عن الانتخابات البرلمانية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب؟
الإجابة تختصر بكلمة نعم. بلا شك سيناريو التسويات قابل للتحقق في المملكة، وعودة قوى المعارضة إلى الساحة السياسية ليست بأضغاث أحلام أو أمرًا مستحيلًا وهي الحريصة على بذل الجهود لما فيه انقاذ للوطن وخلاص لشعبه وحرية أبنائه المعتقلين المعذبين في السجون.
أمّا ملك البحرين حمد بن عيسى فلا شيء يقف أمامه في حال عقد النية وراجع حساباته في الفترة الوجيزة وترفّع عن الخصومة لبلورة صورة الحل وإطلاق قطار التسويات عبر تحقيق تطلعات الشعب وإيجاد حل جزئي في المرحلة الراهنة يكون مقدمة لحل سياسي شامل مستقبلاً.