تسليح الجيش بين الخطط.. والممكن
صحيفة السفير اللبنانية –
الياس فرحات:
زفّ الرئيس ميشال سليمان خبراً سعيد الى اللبنانيين وهو أن الملك السعودي قررّ «تقديم مساعدة سخية مشكورة للبنان بمقدار ثلاثة مليارات دولار، مخصصة للجيش اللبناني، لتقوية قدراته وهي ستسمح له بالاستحصال على أسلحة حديثة وجديدة، تتناسب وحاجاته وتطلعاته».
لا ريب في أن ما أعلنه رئيس الجمهورية يعطي بارقة امل حقيقية في بناء جيش لبناني قوي ومجهز وقادر على مواجهة التحديات كافة. يلتقي سليمان في معظم خطابه مع السيد حسن نصرالله الذي دعا مراراً إلى تسليح الجيش اللبناني ودعمه للقيام بواجباته الوطنية.
لا شك في أن سليمان يدرك ان ما اعلنه هو بداية لمرحلة جديدة من العمل والنضال لتسليح الجيش، وما جرى ليس نهاية المطاف بل بدايته.
السؤال المطروح مَن يستدرك حاجة الجيش اللبناني للعتاد والسلاح والإنشاءات؟ هل هو لبنان أم أن المموّل السعودي والمصدر الفرنسي هما من يستدركان الحاجة ويحددان نوع السلاح وكميته؟
مهما تضمن استدراك الحاجة من اسلحة ومعدات فهو سوف يتضمن حتماً تجهيزات في مجالات يحتاج الجيش اليها، واهمها:
– شبكة دفاع جوي عن لبنان تتألف من اجهزة رادار وصواريخ مضادة للطائرات ومدفعية مضادة للطائرات، علماً أن الجيش اللبناني لا يمتلك أياً من هذه الوسائل، حتى الإنذار فإنه يعتمد على الوسائل المدنية المتوافرة والرصد البصري.
– قوات جوية مؤلفة من طائرات حربية ذوات أجنحة ثابتة وأخرى طوافات حربية. وتبرز هنا الطوافة «غازيل» الحربية الفرنسية، وهي مرشحة لطلب العديد منها نظراً لمميزاتها التكتيكية وقوتها النارية وللحاجة الى استكمال الطوافات الموجودة حالياً في القوات الجوية اللبنانية. في حال توافرت طائرات من نوع «ميراج» او «سوبر ايتندار»، فسيكون ذلك مكسباً كبيراً للجيش اللبناني. والجدير بالذكر أن الطائرات الحربية بحاجة الى إعادة تأهيل مطاري القليعات ورياق للتمكن من استيعابها، وعملية التأهيل ليست بسيطة، لكن مع توافر الأموال يمكن القيام بها بسرعة في ظل عدم وجود مساحات اخرى لبناء قواعد جوية جديدة على الاراضي اللبنانية.
– دبابات قتال ثقيلة وعربات نقل جنود مصفحة ومدافع ميدان محمولة ذاتياً تمكن من المناورة بالنار بسرعة بالإضافة الى صواريخ ارض – ارض.
– مراكب بحرية قادرة على حمل وإطلاق الصواريخ وحماية المياه الإقليمية اللبنانية والدفاع عن الساحل اللبناني.
– أجهزة اتصال متطورة وقادرة على العمل في ظروف التشويش ومحصنة من احتمالات خرقها.
– قاعدة لوجستية ثابتة ومتحركة لتأمين قطعات الجيش بالوقود والقطع التبديلية والاسلحة والذخائر والتغذية والمياه ووسائل الإطفاء والأقنعة الواقية ومعدات التطهير من التلوث المحتمل.
– خدمات طبية متطورة وسريعة من جهاز طبي واسع ومتخصص وطوافات نقل الجرحى وسيارات إسعاف ومستشفى عسكري مركزي ومستشفيات اقليمية وميدانية.
– تطوير المعاهد العسكرية القائمة حالياً وتوفير احدث وسائل التدريب والإيضاح وخصوصاً الكلية الحربية والكلية الجوية والكلية البحرية.
من المؤكد أن وزارة الدفاع وقيادة الجيش تمتلكان تصوراً واضحاً وخطط تجهيز بالسلاح واستيعابه بالتدريب. في الجانب الآخر، يطرح سؤال حول مدى استعداد الحكومة الفرنسية لتلبية طلبات الجيش وهل تصطدم فرنسا بعقبات سياسية دولية بعدما جرى تذليل العقبات المالية؟
المقصود بهذا السؤال أن تقف فرنسا بوجه حليفتها الولايات المتحدة التي تتحدث كثيراً عن دعم الجيش وتفعل القليل، بل أنها تمنع تجهيزه بأسلحة قاتلة وتكتفي بما تسميه «أسلحة غير قاتلة»، علما أن الولايات المتحدة زودت مؤخرا الجيش بطائرة من نوع «سيسنا كارافان» للرصد والمراقبة واستعملت مؤخرا في مراقبة وادي بقسطة اثر الهجمات التي تعرضت لها مواقع الجيش في الأولي وشرق صيدا، كما توفر الولايات المتحدة التدريب لأعداد كبيرة من ضباط الجيش.
شدد مسؤولون عسكريون اميركيون كثر على وجوب تسليح الجيش اللبناني لكن معظمهم كان يلمح الى مسؤولية الكونغرس عن عدم السماح بتسليح الجيش، فمن يضمن الكونغرس اليوم؟ وهل يسمح المتطرفون من أنصار اسرائيل في الكونغرس بتقوية الجيش وتمكينه من مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية او الخروق الجوية على الاقل؟
سبق أن تقدمت الحكومة البلجيكية بعرض للبنان بتقديم هبة مؤلفة من 30 دبابة قتال من نوع «ليوبارد»، لكن وزارة الخارجية الاميركية تدخلت لدى بلجيكا وألغت العرض، فهل تتدخل الولايات المتحدة لدى فرنسا لوقف تزويد لبنان بوسائل دفاع جوي؟ وهل ستذعن فرنسا ام تكرر موقفها في العام 1972 عندما الغت صفقة «الكروتال» وهي صواريخ مضادة للطائرات كانت ممولة من الدول العربية؟ الامر ذاته ينطبق على القوة النارية من صواريخ ارض – ارض ومدفعية ذاتية الحركة ودبابات والتي اذا لم تعقد صفقاتها او اذا عقدت والغيت، ماذا يبقى من تسليح الجيش اللبناني؟
الخشية بأن تتكرر تجربة الوزير السابق الياس المر عندما عقد صفقة طائرات «ميغ 29» مع الروس ولم تبصر النور لانعدام إمكانية استقبالها واستعمالها في المنشآت العسكرية اللبنانية. والخشية ايضا ان يتورط لبنان بعتاد يحتاج الى صيانة بكلفة عالية لن تقل عن مئات ملايين الدولارات، واذا بخلت الحكومة في توفيرها يخشى ان تتكرر، لا سمح الله، سابقة طائرات «الميراج» التي بقيت متوقفة عن العمل لأكثر من عشر سنوات بسبب عدم التمويل الى ان بيعت أخيراً لباكستان.
لا شك في انها فرصة تاريخية للجيش وللبنان بأن يكون لنا جيش قوي والامر منوط بمدى قدرة فرنسا على مواجهة الضغط الاميركي ـ الاسرائيلي وقدرة الحكومة اللبنانية على ادارة هذا الشأن الكبير.