تسخين الجبهة الجنوبية السورية بدأ فعلا ولكن في اتجاه معاكس..
بعد فشل مؤتمر “جنيف 2″ التقى جون كيري وزير الخارجية الامريكي وفدا من المعارضة السورية بادر الى سؤاله، اي الوزير كيري، عن خطة امريكا كرد على هذا الفشل، فأجاب بان هناك عدة خيارات من بينها “تسخين” الجبهة الجنوبية.
لم يخطر في بال المستر كيري ان هناك من كان يخطط لتسخين هذه الجبهة، ولكن في الاتجاه المعاكس اي ضد اسرائيل، ها نحن نشاهد هذا التسخين، او بداياته، بأم اعيننا في هضبة الجولان السورية المحتلة حاليا.
في غضون اسبوع جرى تنفيذ اربع هجمات بالعبوات الناسفة ضد اهداف اسرائيلية، ثلاث منها في جبل الشيخ، وواحدة داخل مزارع شبعا اللبنانية المحتلين، وجاءت الحصيلة اصابة سبعة جنود اسرائيليين احدهم اصابته خطيرة جدا، الامر الذي اربك حسابات الاسرائيليين والامريكيين معا.
اصابع الاتهام الاسرائيلية توجهت الى حزب الله اللبناني، وجماعات مدعومة من النظام السوري لم تحدد هويتها، ولهذا بادر الجيش الاسرائيلي بقصف موقع عسكري سوري في محيط مدينة القنيطرة مما ادى الى استشهاد جندي واصابة سبعة آخرين.
***
هذا الرد “الانتقامي” الاسرائيلي قد يكون محدود التأثير على الجيش السوري الذي يخوض معارك دامية بصفة يومية، وعلى مدى اربعة وعشرين ساعة طوال السنوات الثلاث الماضية، ويخسر فيها عشرات الآلاف من جنوده، ولهذا فان الخسارة الاسرائيلية في المقابل هي الاضخم ماديا ومعنويا.
اسرائيل ارتكبت حماقة كبرى عندما هاجمت قافلة للاسلحة في منطقة البقاع اللبناني كانت في طريقها الى حزب الله يوم 25 شباط (فبراير) الماضي، ففتحت على نفسها احد ابواب جهنم، وورطت نفسها في حرب استنزاف ربما تستمر لسنوات، فقد توعد الحزب بالرد الانتقامي، وجاء هذا الرد اسرع مما توقعه الاسرائيليون وحلفاؤهم.
في الماضي القريب كانت الطائرات الاسرائيلية تضرب في العمق السوري وهي مطمئنة الى عدم الرد، الآن تتغير قواعد اللعبة تدريجيا او هكذا يأمل المثيرون الذين يتألمون لعدم الرد على هذه العربدة، وبات الرد فوريا، ودون انتظار الزمان والمكان المناسبين، وهي العبارة التي كانت دائما موضع سخرية الشامتين.
اسرائيل نعمت بحالة من الهدوء على الحدود مع لبنان استمرت منذ حرب تموز (يوليو) عام 2006، ولكنها لم تقدر هذه “النعمة”، وقادها غرورها وغطرستها الى اثارة “عش الدبابير” في لبنان وسورية مها، عندما هاجمت قافلة السلاح في البقاع وستدفع حتما ثمنا غاليا فيما يبدو في الاشهر والاعوام المقبلة، وهذا ما يفسر استجداءاتهاغير المباشرة للتهدئة.
الرعب الاسرائيلي بدأ واضحا من حجم الضربة الانتقامية ضد الموقع العسكري السوري في القنيطرة، فقد كان ردا حذرا مترددا حسب وصف المعلقين في الصحف ومحطات التلفزة الاسرائيلية، تماما مثل نظيره في قطاع غزة الذي جاء ردا على 130 صاروخا اطلقتها وحدات من “سرايا القدس″ التابعة لحركة الجهاد الاسلامي على مستوكنات ومدن اسرائيلية شمال القطاع، فقد سقطت هذه الصواريخ الاسرائيلية في ارض خالية، ولم تصب اي مواطن، ولم تدمر اي بيت، وهذا امر نادر بالمقارنة الى الغارات الاسرائيلية السابقة.
اسرائيل لا تستطيع تحمل نتائج التورط في حرب استنزاف في محيط هضبة الجولان ومزارع شبعا، لانها جربت مثل هذا الحرب لسنوات قبل انسحابها الذليل من طرف واحد عام 2000 ودون اي اتفاق، وهذا في حد ذاته اعتراف صريح بالهزيمة، ولا نعتقدانها تريد ان تلدغ من الجحر نفسه مره اخرى، ولكن كل شيء جائز لان القرار لم يعد في يدها وحدها.
نتنياهو ووزير دفاعه موشيه يعلون لم يتوقفا عن التهديد بانتقام كبير طوال امس واليوم، ولكنها تهديدات المذعورين اللذين يريدان ان يرفعا معنويات مستوطنيهم المنهارة، فقد قالا الشيء نفسه، بل ما هو اخطر منه، عندما كانت صواريخ الجهاد الاسلامي تضرب اسدود وعسقلان وسدروت، فماذا كان ردها؟ الهرولة الى مصر طلبا للتوسط من اجل هدنة، سريعة لتطويق الازمة قبل اتساع نطاقها.
***
النظام السوري وحليفه حزب الله، اتفق البعض معهما او اختلف، باتا اكثر ثقة بالنفس، واكثر خبرة قتالية، بعد التقدم الكبير الذي حققاه سويا في يبرود واقليم القلمون، وانفجار حالة الاقتتال الداخلي في صفوف خصومهما في المعارضة السورية، والجماعات الاسلامية المتشددة على وجه الخصوص، وان كنا نشعر بالالم لان هذه الخبرة جاءت من خلال حرب مع عرب ومسلمين ادت الى سقوط ما لا يقل عن مئتي الف انسان من الجانبين.
نتنياهو، وللتذكير فقد، خسر الانتخابات الاسرائيلية عام 1999 اما خصمه ايهود باراك بسبب هزائمه وخسائره الباهظة في جنوب لبنان، وتردده في رفع الراية البيضاء استسلاما مثلما فعل الثاني، اي باراك، دون شروط، ويبدو انه سيكرر الخطأ نفسه في الايام والاشهر المقبلة، وسيخرج من السلطة ذليلا مهزوما معتزلا العمل السياسي الى الابد وليس بصفة مؤقتة بعد هزيمته تلك.
الزمن الذي كانت تملي فيه اسرائيل حربها على جيرانها العرب آخذ في الانقراض، ويبدو ان الزمن الذي بات فيه “شرفاء العرب” هم الذين يفرضون عليها حروبهم الموسعة او الاستفزازية، قد بات وشيكا فعلا.
التاريخ يعيد نفسه، وشهر العسل الاسرائيلي مع الاستقرار والامان في الجبهتين الشمالية (لبنان وسورية) والجنوبية (قطاع غزة) يقترب من نهايته، او هكذا نعتقد.
عبد الباري عطوان – راي اليوم