تركيا هراوة أميركيّة في العالم الإسلاميّ
جريدة البناء اللبنانية-
د.وفيق إبراهيم:
تعمل إدارة الرئيس الجديد بايدن على محورين: روسي تقليدي يريد تهدئة المناخات الدولية كما كانت العلاقات الروسية – الأميركية في عهد أسلافه، لكنه يطرح محوراً جديداً يتعلق بإيجاد كاسحة ألغام إسلامية تستطيع التنقل في دول العالم الإسلامي وتأمين أدوار تخدم الهيمنة الأميركية في العالم.
يبدو أن الدولة المنتقاة أميركياً لهذا الغرض هي تركيا وإيران، أما الأسباب فتجمع بين أهمية هذه الدولة وقدرتها السياسية والعسكرية على تنفيذ حركة سريعة تربط بين بلدان إسلامية كثيرة وتستطيع من جهة أخرى الوقوف في وجه الروس في البحر الأسود.
بذلك ينجح الأميركيّون من حيث لا يعلم الأتراك أن الأميركيين نجحوا في إبعاد الأتراك عنهم وأعادوهم مرة جديدة الى الدور التاريخي الذي كانوا يؤدونه تاريخياً وهو دور الدولة المتصدّية للسوفيات في العصور المنصرمة.
إنما ما هو الدور التركي الجديد؟
دولة السوفيات سقطت وبديلها هو الدولة المدنيّة الرأسمالية التي تطمح لنسج علاقات مع أوسع كمية ممكنة من الدول. وهذه الدولة تعتبر أنها تتصارع مع الحلف الأميركي – الأوروبي انما ليس على اساس اشتراكي شيوعي، بل على أبعاد اقتصادية مادية هو العالم الثالث بأسره ودول أميركا الجنوبية والغاضب في أوروبا وجنوب شرق آسيا من السياسات الأميركية او المتضرر منها.
اما الجزء الذكيّ من السياسات الأميركية فهو التقرب من إيران بما يؤدي كما يعتقد الأميركيون الى إبعادها عن المحور الروسي – الصيني.
هنا تعتقد إدارة بايدن أن تلبية المطالب الإيرانية من الملف النووي في المفاوضات الدائرة في فيينا، يؤدي حكماً إلى انهيار محورها مع الصين – روسيا وانفجار أقوى حلف عالمي يمكن له ان يجابه هذا التكتل. فإيران تشكل الطريق الأساسية التي يمر منها هذا التكتل من خطين بريين اثنين: الصين – روسيا – إيران – الشرق الأوسط، والثاني روسيا – إيران ومباشرة الشرق الأوسط، وهذا خط كان بإمكانه مصارعة الأميركيين وحلفائهم سياسياً واقتصادياً. لكن السؤال المطروح هنا هو هل يؤدي اتفاق فيينا الإيراني – الأميركي إلى إقفال طريق الصين – روسيا؟ وتعثر علاقاتهما مع إيران؟
وقد يسأل الخبراء اذا كانت إيران مستعدة لقطع علاقاتها بالمحور الصيني الروسي وفتحها مع الأميركيين؟ ألا يؤدي هذا الوضع الى غضب سعودي من الأميركيين تقف معه مصر وكثير من الدول، وذلك لأن المحور الإيراني متعاطف سياسياً مع سورية وحزب الله ومذهبياً مع الشيعة العرب؟
لذلك يبقى التقارب الأميركي الإيراني محدوداً ومرتبطاً بمصالح أميركية ضيقة لا تتجاوز تجريد العدائية الإيرانية من سمومها الروسية – الصينية في حدها الأقصى او نزع العلاقات السيئة بين إيران والشرق الأوسط والسياسة الأميركيّة، لذلك يظهر بوضوح أن تركيا هي الدولة المفضّلة عند الأميركيين لاختراق العالم الإسلامي، فهي اولاً دولة قوية شديدة التمكن تنتصب على الحدود السورية – العراقية بما يجعلها طموحة لأداء أدوار فيهما وفي البحر المتوسط على طول سواحل دوله في ليبيا وفلسطين وتونس وحيث يوجد اخوان مسلمون وسورية والعراق واليمن وحماس غزة وفلسطين.
بذلك تستطيع تركيا بالعالمين الجغرافي والديني تنظيم علاقات جيدة مع دول العالم الإسلامي تلعب فيها دورين، المستفيد المباشر والمسهل الحركة الأميركية فيها أما الأهداف البعيدة فهي منع التوغل الصيني الاقتصادي الكبير فيها والروسي بائع السلاح المنافس للسلاح الأميركي ونظيره الأوروبي.
إن هذا الدور التركي بات واضحاً في حركة الأتراك نحو القرن الأفريقي وشمال أفريقيا والدول العربية وبعض الدول الإسلامية ودول شمال الشرق الآسيوي، بما يؤكد أنه دور أميركي منوط به اقتحام الأبعاد الدينية لهذه الدول بواسطة الإسلام التركي الذي يحمل معه تنظيم الاخوان المسلمين وتراث دولة عثمانيّة كانت تحتل العالم كما كان متعارفاً عليه قبل اكتشاف أميركا.
فهل تستطيع روسيا والصين المجابهة وكيف؟
المحور السوري – العراقي قادر على تنظيم حركة مجابهة محوريّة بوسعها عرقلة الأدوار التركيّة – الأميركية، خصوصاً أن الأتراك ليسوا على علاقات جيدة مع المحور المصري – السعودي – السني الذي لا يقبل بأي دور تركيّ على أراضيه أو في سياساته وهذا واضح في المحاولات الأميركية لعقد مصالحات بين تركيا من جهة والسعودية ومصر من جهة أخرى. وهذا يحتاج الى كثير من الوقت المتقاطع مع سياسات وتقارب لم يتعوّد الأتراك طيلة تاريخهم الدموي على أداء أمور مشابهة.