تركيا تراجع سياستها الخارجية مع بايدن وماكرون
موقع العهد الإخباري-
سركيس ابوزيد:
تواجه تركيا تحديات فعلية منها: الأزمة الاقتصادية المالية المتفاقمة، التغيير في الإدارة والسياسة الأميركية، الغضب الأوروبي المتصاعد حيال تركيا إلى حد التفكير بفرض عقوبات عليها. كلها تطورات وعوامل دفعت بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان الى تعديل ملموس في سياسته الخارجية، بدءا من المحيط العربي القريب (مصر والسعودية) وصولًا إلى الحلفاء في الأطلسي.
إردوغان الذي يقف أمام انتخابات رئاسية حاسمة، ويواجه معارضة داخلية متزايدة، ليس أمامه إلا إبرام اتفاقات وتفاهمات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتهدئة الأسواق وتخفيف الأزمة المالية القائمة في البلاد، وإعادة الدور التركي الإقليمي إلى حجمه بعد التغيير الذي طرأ بوصول بايدن الى البيت الأبيض.
أدت التحركات التركية في سوريا وليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط ثم ناغورنو كاراباخ في الفترة الأخيرة إلى تعميق الشرخ مع الاتحاد الاوروبي. ووصلت العلاقات الأوروبية التركية اليوم إلى نقطة مفصلية.
بعد فوز بايدن، تغيّر المزاج العام في أنقرة وبروكسل على ما يبدو. أعلن بايدن أن الولايات المتحدة ستتعاون مع حلفائها عن قرب، وأنها ستقوي التحالف الغربي بعد فراغ السلطة الذي حاولت جهات كثيرة أن تملأه، بما في ذلك تركيا. دافع بايدن عن العلاقات العابرة للاطلسي، ما يعني أن تركيا لن تستفيد بعد الآن من الشرخ القائم بين واشنطن وبروكسل. من المتوقع أن يبذل بايدن الجهود اللازمة لتقوية حلف الناتو وإعطائه طابعًا سياسيًا مضاعفًا.
في هذا الإطار، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يتوقع مشاركة ناشطة من الولايات المتحدة في جواره، أي في أماكن كثيرة تنشط فيها تركيا مثل سوريا وليبيا وناغورنو كاراباخ. ومن المتوقع أن تستأنف إدارة بايدن جهود التصدي لروسيا التي تؤدي دورًا محوريًا في هذه المناطق. ومن المتوقع أيضًا أن تفرض الولايات المتحدة ضغوطًا قوية على تركيا للتأثير على علاقتها مع قبرص واليونان.
مسائل خلافية بين اميركا وتركيا
من أهم الأمور التي عكرت العلاقات الثنائية، والتي يبدأ جو بايدن رئاسته في ظلها، يمكن اختصارها بما يلي:
– الدعم الأميركي للكرد في سوريا والعراق: ومعروف أن تركيا لا تقبل إطلاقًا بأي تعزيز أو دعم يُعطى للأكراد، وهي تقوم بقمعهم وعدم السماح لهم بتقوية قدراتهم العسكرية كي لا يزيدوا من مقاومتهم لتركيا ومن مساعيهم لتحقيق طموحاتهم في تأسيس دولة مستقلة.
– محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا: في منتصف شهر تموز 2016، قام فريق من القوات المسلحة التركية بمحاولة انقلاب ضد الرئيس أردوغان، الذي اتهم الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن بتدبير الانقلاب، وطالب الولايات المتحدة بتسليم غولن للسلطات التركية. الرئيس الاميركي آنذاك باراك أوباما الذي كان جو بايدن نائبه، رفض الطلب التركي، وهذا ما زاد في تعكير العلاقة الأميركية – التركية.
– اقتناء تركيا منظومة دفاع جوي S400 من روسيا: في شهر أيلول 2017، وقعت تركيا صفقة لشراء منظومة دفاع جوي من روسيا تعتبر الأكثر تطورًا في العالم. اعترضت الولايات المتحدة بشدة على هذه الصفقة كون تركيا عضوًا في حلف شمال الأطلسي خشية من وجود خبراء من روسيا في المطارات التركية يتجسسون على الأسرار التقنية للطائرات الأميركية المتطورة جدًا. فكان اعتبار تركيا الدولة الحليفة في منظمة ناتو في مصاف الدول العدوة للولايات المتحدة ضربة إضافية قوية للعلاقات الثنائية الاميركية – التركية.
– دعم أميركا لليونان في خلافها مع تركيا: تم اكتشاف مخزون ضخم من الغاز الطبيعي في شرق البحر الابيض المتوسط، ما شكل تزاحما بين تركيا واليونان، الحليفين في حلف شمال الأطلسي مما شكل حلقة إضافية في سلسلة التوترات القائمة في العلاقات الاميركية – التركية.
– الضربة القوية التي وجّهها بايدن لتركيا باعترافه في 24 نيسان الماضي بأن مذبحة الارمن أيام الامبراطورية العثمانية عام 1915 هي بمثابة “إبادة جماعية”. هذا الأمر أثار غضب تركيا وزاد كثيرا في تأزيم العلاقات بين البلدين.
خارطة طريق تركية فرنسية
منذ وصول بايدن الى الرئاسة، يوجّه إردوغان رسائل إيجابية الى البيت الأبيض، أدت إلى عقد القمة الثنائية، وأعرب إردوغان عن أمله في أن تفتح القمة الباب أمام علاقات جيدة.
حمل بايدن وإردوغان إلى بروكسل ملفات متعددة العناوين ولكن اللقاء الثنائي لم يخرج بنتيجة من شأنها أن تحقق إنفراجة واسعة في العلاقات المتراجعة بفعل تراكم الملفات الخلافية. ولعل الاختراق الوحيد الذي تعول أنقرة عليه لاسترضاء شركائها الغربيين، بعد قمة باهتة، هو استعادة دورها الأمني الذي اضطلعت به إبان الحرب الباردة. وهذا يعني أن إردوغان يستعد لـ”الرضوخ” في المرحلة المقبلة لاملاءات الولايات المتحدة في المناطق التي تتحرك فيها تركيا من شرق المتوسط إلى البحر الاسود، ومن أفغانستان إلى أفريقيا.
واشنطن راضية عن نتائج لقاء بايدن مع إردوغان، وباريس تبدو مرتاحة لنتائج لقاء ماكرون مع إردوغان، وقد جرى الاتفاق على مجموعة من النقاط التي يمكن أن تشكل ما يمكن تسميته “خارطة طريق” للحل في ليبيا. وفي هذا السياق، تشير مصادر أوروبية في باريس إلى أن ثلاثة استحقاقات أساسية يمكن أن توفر “كلمة السر” لفهم انعطافة إردوغان باتجاه أوروبا وفرنسا على وجه الخصوص. وأول العوامل تخوف تركيا من العقوبات الاوروبية. فالوضع الاقتصادي التركي يتدهور ـ الأمر الذي يعكسه تراجع قيمة الليرة التركية. كذلك، فإن إردوغان في حاجة إلى الأوروبيين وهو متخوف من مستقبل علاقاته مع الادارة الاميركية الجديدة وماضي تصريحات بادين بخصوص إردوغان شخصيًا وتشجيعه المعارضة على التخلص منه عبر صناديق الاقتراع. لذا، فإن القمم الثلاث (الاطلسي والاتحاد الاوروبي وقمة برلين 2)، تبدو أساسية بالنسبة لأنقرة التي تسعى لتلميع صورتها والانقطاع عن سياسة الاستفزازات التي اعتمدتها العام الماضي. وقناعة أنقرة أن تحييد باريس أساسي بالنسبة للملفات الخلافية.