تركيا… بلاد ما بين بحرين!
موقع قناة الميادين-
رانا أبي جمعة:
لا شك في أن تصدّر حزب العدالة والتنمية مقاعد البرلمان في تركيا من شأنه أن ينعكس على الاستحقاق الرئاسي في جولة الإعادة المقررة في 28 أيار/مايو الحالي.
بخلاف الحملة الانتخابية التي كانت أشبه بإعلان حرب سياسية بين الأطراف المتخاصمة في تركيا، كان اليوم الانتخابي هادئاً، رغم تسجيل بعض الحوادث هنا وهناك، إلا أنها لا تذكر مقارنة بالتصريحات التي أقل ما يقال عنها إنها كانت تحمل الكثير من التهديد والوعيد.
أما بالنسبة إلى الإقبال، فقد فاق التوقعات، حتى بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم، إذ وصل إلى 88.92%. ولعل حال الاستقطاب الحاد الذي ساد في الأسابيع الماضية هو ما جعل طوابير السيارات صورة مكررة في أكثر من منطقة، كما كانت حال انتظار التصويت.
على صعيد الانتخابات البرلمانية، أظهرت نتائج حزب العدالة والتنمية تراجعاً بالمقارنة مع انتخابات العام 2018 (295 مقعداً). ورغم ذلك، حصل الحزب الحاكم (266 مقعداً) وحليفه الحركة القومية (50 مقعداً) على نصف مقاعد البرلمان الذي يمكن وصفه اليوم بالفسيفساء لناحية عدد الأحزاب المنضوية تحت قبته، ومنها من وصل للمرة الأولى إليه (كحزب الرفاه الجديد)، إلا أنه يبقى إسلامياً قومياً بشكل أساسي إذا أضفنا إليه ممثلي الأحزاب الأخرى، وإن كانت في جانب المعارضة.
أما الانتخابات الرئاسية، فقد أعلنت هيئة الانتخابات التركية أن جولة الإعادة ستُجرى في 28 أيار/مايو، ما يعني أن علينا انتظار أسبوعين آخرين لمعرفة هوية رئيس جمهورية تركيا المقبل، وأغلب الظن أنُه سيعاد انتخاب رجب طيب إردوغان.
نقول ذلك لأسباب ثلاثة:
أولاً: لا شك في أن تصدّر حزب العدالة والتنمية مقاعد البرلمان من شأنه أن ينعكس على الاستحقاق الرئاسي في جولة الإعادة، وهذا ما قيل وكتب عنه الكثير.
ثانياً: إتقان الرئيس إردوغان الحاكم منذ عقدين استخدام المفاتيح السياسية، كما الاجتماعية، والاقتصاد جزء لا يتجزأ منهما، والمفاتيح نفسها ستعاد إلى الخدمة في الطريق إلى القصر الرئاسي من جديد؛ القصر نفسه الذي قالت المعارضة يوماً ما إنّه يكلف تركيا مليون دولار يومياً، واصفة إردوغان بأنه “أغلى رئيس في العالم”.
ثالثاً: هذا الأمر يتعلق بالمرشح الرئاسي الثالث للانتخابات، فقد حصل سنان أوغان عن تحالف الأجداد “أتا” – المكون من 4 أحزاب يمينية قومية متطرفة، أبرزها حزب النصر وحزب العدالة – على أكثر من 5% من الأصوات، ما يعني أن كلمته قد يكون لها الفعل الأكبر في جولة الإعادة.
الحديث اليوم يتركز على المفاوضات المرتقبة التي سيجريها مع المرشحين المتنافسين، والتي ستتمحور حول سياسة الهجرة واللجوء من جهة، والكرد من جهة ثانية. ربما من هنا نرى أن التوافق بين أوغان والرئيس إردوغان أقرب إلى التوافق مع كليجدار أوغلو، فتضحية إردوغان بـ”هدى بار”، وهو تيار كردي إسلامي متطرف لا تتعدى شعبيته 1%، أقرب من تضحية كليجدار أوغلو بتأييد “حزب اليسار الأخضر” الكردي صاحب الـ9.33% من الأصوات.
إضافةً إلى ما سبق، هناك ملاحظات لا بدّ من أن تسجل بالنسبة إلى المرشحين الرئاسيين:
أظهر إردوغان، رغم تراجعه عن انتخابات العام 2018 (52,59%)، أنه لا يزال يملك القوة والتأثير، إذ حصل على 49.95% من الأصوات، رغم الأزمة الاقتصادية والزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب شرق البلاد وتوحيد المعارضة في وجهه. كما أن خطابه السياسي والدعائي لا يزال يلقى قبولاً، بل إنه يلقى ترحيباً لدى نصف المجتمع التركي. وهنا تظهر أصواته الآتية من منطقة البحر الأسود.
أظهرت الأرقام أن جزءاً يسيراً من المجتمع يميل إلى الخطابات الدينية والحديث من قلب كنيسة آيا صوفيا كجامع وزيادة الحد الأنى للأجور ووعود إعادة الإعمار (تصدر حزب العدالة والتنمية في تلك المناطق).
بالنسبة إلى المرشح الرئاسي الآخر، وهو مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، الحاصل على 44.88%، يمكن تسجيل تقدمه في المناطق المحاذية لبحر إيجه، وبالتالي في كل من إسطنبول، وأنقرة، وإزمير، ومرسين، وأضنة، وهاتاي، وشرق الأناضول، وفي بعض مناطق غرب الأناضول (شانكاليه/ بالكيسير/ مولا ودينيزليه)، وفي 3 مقاطعات في تراقيا.
التقدم في هذه المدن بالتحديد وهذه المناطق والنسبة التي حصل عليها مرشح المعارضة تقول إن الناس يودون تغيير النظام وحكم الرجل الواحد الممثل بإردوغان، كما تقول المعارضة، ولكن!
من الواضح عدم حصول كليجدار أوغلو “الكردي – العلوي” على دعم مطلق من القاعدة الشعبية لحزب الجيد بسبب خلفية الحزب القومية، فيما كانت أصوات الكرد تصبّ بأغلبيتها العظمى لمصلحته.
ومن الواضح أيضاً أنَّ التحالف مع كلّ من حزب المستقبل برئاسة أحمد داوود أوغلو الذي حصل على 10 مقاعد (للمرة الأولى يصل إلى البرلمان منذ تأسيسه عام 2019) وحزب الديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان الذي حصل على 13 مقعداً، انعكس إيجابياً لمصلحتهما، وليس بالقدر نفسه على كليجدار أوغلو، إذ إن أصوات الاثنين لم تساهم في أكثر من 1% لمصلحته.
بصرف النظر عمن سيفوز في جولة الإعادة، لا شكّ في هذه الانتخابات، بشقيها البرلماني والرئاسي، عبّرت عن إرادة الناس، وبالتالي يجب احترامها، ولكن ما لا شك فيه أيضاً أن نصف المجتمع سيدخل في حال اكتئاب سياسي بعد انتهائها، والسؤال هنا: هل يمكن اختصار الديمقراطية بصناديق الاقتراع؟!