ترحيب خليجي – أميركي بالعودة للإتفاق النووي… ماذا يجري في الإقليم؟
موقع العهد الإخباري-
شارل أبي نادر:
بعد أن رحبت الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي باستئناف مفاوضات فيينا، ودعت للعودة إلى الالتزام بالاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، وذلك في بيان للخارجية الأمريكية في أعقاب اجتماع فريق العمل الخاص بإيران للولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، الأربعاء الماضي، عادت لغة البيان الى ما تعودنا عليه تجاه طهران، من إدانة ” للسياسات العدوانية والخطيرة الإيرانية”، بما في ذلك نشر الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة واستخدامها بشكل مباشر، وكالعادة في أغلب بيانات هذه الدول فيما خص ايران، اتهمت واشنطن ودول الخليج “إيران وعملاءها” باستخدام تلك الصواريخ والطائرات المسيّرة ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية في السعودية وخليج عُمان، وكذلك باستهداف القوات الأمريكية التي تحارب “داعش”.
قد تكون النقطة التي أشار إليها بيان المجتمعين (الاميركيين والخليجيين) حول الترحيب بالعودة للاتفاق النووي مع إيران، قد تسللت خلسة الى داخل البيان المذكور، والتي لم يكن أحد ينتظر أنها قد تصدر عن اجتماع إقليمي – غربي، أطرافه الاساسية دول مجلس التعاون الخليجي، وحيث ظهرت الفقرة بكل وضوح، وبطريقة ثابتة لا تقبل التأويل، فما الذي تغيّر لتأخذ الدول الخليجية هذا الموقف؟ وهل هي جدية ومقتنعة به ام انها تناور، او كالعادة، الأميركيون يناورون عبر هذه الدول؟
في الواقع، هناك عدة نقاط تضمنها البيان، يمكن التطرق اليها، حيث من خلالها قد نستنتج عناصر استراتيجية الاميركيين مع الدول الخليجية الملحقة بهم تجاه ايران، وهذه النقاط يمكن تحديدها بالتالي:
الاشارة الى أمن الخليج، وهي نقطة لافتة وجديدة، في ما تضمنه البيان حرفيا: “لدى إيران بديل أفضل لهذا التصعيد المستمر، وبإمكانها المساهمة في أمن واستقرار المنطقة”، وهذا الامر لم يكن يحصل سابقا، بالرغم من ان ايران طالما طالبت به من ضمن تفاهمات مشتركة مع دول الخليج، لايجاد آلية تضمن أمن منطقة بحرية حيوية وهي من اكثر المناطق حساسية في العالم، خاصة بعد تكرار الحوادث الغامضة التي تعرضت لها عدة سفن تجارية بين بحر العرب وخليج عمان ومضيق هرمز.
ترحيب خليجي – اميركي بالعودة للاتفاق النووي… ماذا يجري في الإقليم؟
الاشارة الى استعداد تلك الدول للتواصل الديبلوماسي مع ايران، وايضا تعتبر هذه النقطة لافتة ومتقدمة، بعد ان كانت هذه الدول ترفض او تتحفظ على تحسين وتفعيل العلاقات الديبلوماسية مع ايران، مشترطة ان تقوم طهران مسبقا بتنفيذ عدة اجراءات قبل ذلك، ومنها انهاء علاقتها مع اطراف اساسية من محور المقاومة، وايقاف دعمها لتلك الاطراف، الى وقف مناوراتها وتجاربها الصاروخية وغيرها.
الاشارة الى دور اقتصادي واعد لايران، وايضا تشكل هذه الزاوية تغييرا مهما في موقف هذه الدول تجاه طهران، بعد ان كانت متشددة بشكل كبير تجاه الغاء العقوبات او الحصار الاقتصادي عن ايران، الاّ بعد التزام الاخيرة بمنظومة الشروط المعروفة، حول نفوذ طهران ووجوب وقف تمدده وتوسعه في المنطقة، وقطع دعم اطراف محور المقاومة في المنطقة وغيرها من معزوفة الطلبات المتكررة دائما، ومع كل هذه النقاط ، تضمن البيان ترحيبا بالجولة السابعة من المفاوضات في فيينا، ودعوة إلى “العودة السريعة والمتبادلة إلى الالتزام بالاتفاق النووي، ما سيمهد الطريق إلى الجهود الدبلوماسية الشاملة للتعامل مع كافة القضايا لضمان السلامة والأمن والازدهار في المنطقة، مع تذكير طهران بأن تتعاون بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
مبدئيا، حتى الان، كل هذه النقاط شكلت الناحية الايجابية التي يبنى عليها لالتماس نوع من حسن النوايا لدى الاميركيين والخليجيين، كخارطة طريق لتسهيل العودة الى الاتفاق النووي بكامل بنوده، مع ما يستتبع ذلك من مفاوضات امنية واقتصادية وديبلوماسية، قادرة لو سلكت بتفاهم مقبول، للوصول الى نتيجة ايجابية على صعيد ارساء الاستقرار والامن وايقاف التوتر بشكل عام في المنطقة.
ولكن، جاءت النقطة التي تضمنتها العبارة التالية: “إن دعم إيران للمليشيات المسلحة حول المنطقة وبرنامجها للصواريخ البالستية يمثلان تهديدا واضحا على الأمن والاستقرار في المنطقة”، لتضيء بشكل واضح على مسار آخر، اراد الاميركيون ومعهم الخليجيون، فتح باب التفاوض عليه، يتعلق بنفوذ ايران في المنطقة وبقدراتها النوعية، الصاروخية او المسيّرة. وهنا، تبقى هذه النقطة خلافية بالاساس، لم تكن لتقبل ايران بتاتا بأن تربطها بالعودة للاتفاق النووي، والذي اعتبرته منتهيا من ناحية القانون الدولي ومن ناحية التزام كافة الاطراف فيه، بشكل مستقل عن اي ارتباط بأي ملف آخر، بينما كان تأخير العودة للاتفاق بعد ان انسحب منه الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، بسبب اصرار الاميركيين الدائم على ربط الملفين ببعضهما بعضًا: الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات، بملف النفوذ والصواريخ الباليستية.
فهل يمكن القول اليوم ان هناك تغييرا في استراتيجية التفاوض، بحيث تم الاتفاق بين كل الاطراف وضمنا ايران، على العودة الفورية للاتفاق النووي مع الغاء كامل للعقوبات التي صدرت على طهران بعد انسحاب ترامب منه، مع السير بتفاوض حول ملف ثانٍ، مستقل ومنعزل عن الاتفاق النووي وملحقاته، يأخذ وقته في مباحثات شبه دولية، على الاقل خمسة زائد واحد، يضاف اليها بعض الدول الاقليمية المعنية، مباحثات لا احد قادر على تحديد مدتها ولا احد يلتزم بتوقيت معين لانهائها، بحيث يعني هذا الملف الثاني بالنفوذ الايراني في المنطقة وبصواريخها الباليستية، مع ضرورة توسيع هذه المباحثات لكي تشمل الامن في الخليج بشكل عام، واسلحة وقدرات كل دول المنطقة، بما فيها “اسرائيل” والسعودية، مع وجوب ان تتضمن هذه المباحثات ايضا، حدود النفوذ او التدخل السعودي السياسي او التمويلي التحريضي في اكثر من دولة في المنطقة؟