ترامب في حملته الانتخابية.. عينٌ على “إسرائيل” والأخرى على نتنياهو
موقع قناة الميادين-
محمد هلسة:
ترامب سيستمر بتوظيف “إسرائيل” في حملته مع احتدام الانتخابات الأميركية، وسيحاول إحياء الدعم الهائل الذي تلقاه من المسيحيين الإنجيليين، وتجنيد بعض كبار المتبرعين اليهود الأميركيين إلى جانبه.
على الرغم من أنَّ الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة تطول، فإنَّ إعلان ترامب في 15 تشرين ثاني/نوفمبر الحالي نيته الترشح للرئاسة قبل عامين على موعد التصويت هو أمرٌ غير مسبوق.
أحد أسباب هذا الإعلان المبكر هو أنه يخشى أن يُنظَر إلى تأخير الإعلان على أنه علامة ضعفٍ من جانبه، وبالتالي فهو ينوي القفز إلى الأمام وإدارة حملته الانتخابية من الآن على الرغم من وضعه غير المستقر، إذ أظهرت 3 استطلاعات للرأي صدرت منذ بدء ظهور نتائج الانتخابات النصفية انخفاضاً حاداً في شعبيته لدى الحزب الجمهوري.
وربما يكون السبب الثاني أنه أراد أن يدّعي لنفسه مكانة الزعيم الطبيعي في حزبه، لأن ذلك سيسمح له باحتكار جمع التبرعات. أما السبب الثالث، وربما الأهم، فهو مخاوفه المتزايدة من أن تقاضيه الحكومة الفيدرالية لمحاولته عرقلة العدالة. دعوى كهذه تتضمّن عقوبة السجن، لكن فرصه في تلافيها تزداد عندما يكون مرشحاً لمنصبٍ سياسي.
وصل ترامب قبل أسبوع من إعلانه المذكور إلى مؤتمر “المنظمة الصهيونية الأميركية” في نيويورك، وأوضح للجميع أن “إسرائيل” ستكون جزءاً من حملته الانتخابية، شاءت ذلك أم لا. وكما ذكرت مراسلة صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أليسون كابلان سومر، فقد قدّم ترامب نفسه في المنصة أفضل صديقٍ لـ”إسرائيل” في البيت الأبيض، ووبّخ اليهود الأميركيين الّذين صوّت 75% منهم لمصلحة الحزب الديمقراطي، ولم يخلُ التوبيخ من لهجة التهديد التي اعتدناها من ترامب.
وانتقد اليهود الأميركيين، وكتب: “يجب أن يبدأوا العمل، وأن يكونوا أكثر شبهاً بالإسرائيليين، وأن يقدّروه”. وأضاف بغروره المعتاد: “كنت مشهوراً إلى درجة أنه كان بالإمكان انتخابي رئيساً لوزراء إسرائيل”. وبالمثل، تفاخر ترامب أيضاً بالأفعال التي قام بها من أجل “إسرائيل” عندما كان رئيساً للولايات المتحدة، وكتب: “لم يفعل رئيس للولايات المتحدة أكثر مما فعلت لإسرائيل”.
وفي لقاءٍ جمعه لاحقاً مع “التحالف اليهودي الجمهوري” المنعقد في لاس فيغاس، قال ترامب: “لن أسمح أبداً بتهديد دولة إسرائيل بالإبادة النووية، كما يحدث الآن. لا يمكننا أن ندع الصفقة النووية تحدث. هذه الصفقة كارثة. إنها شهادة وفاة لإسرائيل”. وهاجم خليفته جو بايدن بكلمات شديدة القسوة، وادعى أنه “أغمد سكيناً في ظهر إسرائيل وخانها وباع أمنها”.
وبحسب ترامب، فإنَّ “تحالف أميركا مع إسرائيل ليس قوياً الآن بما يكفي، وسنبعث فيه الحياة من جديد”. وأضاف: “بشكل مأساوي، خان الرئيس بايدن إسرائيل والجالية اليهودية، وبدَّد نجاحنا المذهل”، واختتم حديثه قائلاً: “عندما نفوز عام 2024، سينتهي عصر الخيانة والدمار والطعن في الظهر”.
من الواضح أنَّ ترامب سيستمر بتوظيف “إسرائيل” في حملته مع احتدام الانتخابات الأميركية، وسيحاول إحياء الدعم الهائل الذي تلقاه من المسيحيين الإنجيليين، وتجنيد بعض كبار المتبرعين اليهود الأميركيين إلى جانبه.
وقد ربطت شبكة “CNN” الأميركية بين طموح ترامب في العودة إلى السلطة ونتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي أفرزت فوز نتنياهو واليمين الصهيوني، قائلةً إنَّ فيها درساً للولايات المتحدة، فقد يعود ترامب إلى الرئاسة، وأضافت: “لا تعتقدوا أنه لا يراقب هذه الانتخابات”.
واستطردت قائلة: “لا يمكن لقادة العالم السابقين التخلي ببساطة عن الطموح في طريق عودتهم إلى السلطة. على الرغم من فضائح الماضي، فلن يوقفهم شيء في طريقهم لإعادة تحقيق حلم عظمة الماضي. وبالتأكيد، سيكون ترامب سعيداً باتباع مسارٍ مماثل”.
يلتقي دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو معاً مرة أخرى في مرحلة تاريخية مهمّة حولتهما إلى شبيهين، وإلى شريكين في “الورطة ذاتها” أيضاً، فلم تكن حملتهما تهدف إلى إعادة انتخابهما فحسب، بل كانت تهدف أيضاً، وقبل كل شيء، إلى “إنقاذهما” وتحويلهما من مرشحين للسجن إلى مرشحين للرئاسة ورئاسة الوزراء.
يبدو أنَّ القاسم “النفسي” المشترك بين ترامب ونتنياهو هو القبضة المتشنّجة على السلطة، والإدمان المشترك لـ”الأنا”، إضافة إلى قدرة لامتناهية على توظيف سموم التحريض القائم على الأكاذيب واستخدامه، فكلاهما يفهمان أنهما خرقا ويخرقان القانون، وكلاهما تمكّنا من تفادي الشبهات السابقة التي لاحقتهما، وهما يعتقدان بشكلٍ هستري بأنَّ العالم “سيغرق” من دونهما.
لكنَّ المشكلة ليست فيما يربط هذين الرجلين فحسب، بل أيضاً في أن القواسم الشخصية المشتركة بينهما لا تهم مؤيديهما. والنتيجة هي أنَّ هناك قاسماً مشتركاً بين ترامب ونتنياهو، وبين الليكوديين واليمينيين في “إسرائيل”، وبين الجمهوريين واليمينيين في الولايات المتحدة.
ومع أنَّ من المفترض أن يفصل محيطٌ من الماء والسماء والفجوات الثقافية والذهنية بين المجتمعين، ولكن يبدو أن “البنية التحتية النفسية”، إن جاز التعبير، والطبقات الاجتماعية التي تحرك اليمين في “إسرائيل” والولايات المتحدة متشابهة بشكلٍ ما.
لا يختلف الإنجيليون عن المستوطنين والكاهانيين في مستوى التعصب الديني والانفصال عن الواقع، حتى إن العناصر الرئيسية المكونة لوعيهم الجمعي متشابهة: القبلية، والقيم العائلية، والعنصرية والقومية المغلفة بستار الوطنية. تتحرك هذه الآلة بمساعدة شبكة من رجال الأعمال وذوي الشأن في كل المستويات، تغذيها البنية اليمينية للمجتمع ونظام إعلامي فعّال مكرّس لخدمة هذه البينة.
الرسالة الأميركية المخفية هي تفوّق البيض والمخاوف من جشع اليسار (أي العالم الليبرالي). أما الرسالة في “إسرائيل”، فهي التفوق الديني اليهودي الذي يتماشى مع الشعور بدونية المحيط غير اليهودي. ولدى أتباع اليمين في “إسرائيل” احتياطيات متفجرة من مشاعر الفوقية والعدوانية العمياء التي تملأ المشهد في كيان الكيان. شباب البؤر الاستيطانية ومنظمات مثل “لافاميليا” والجماعات الكاهنية هم ما يوازي عملياً ميليشيات التفوق الأبيض في الولايات المتحدة.
ربما يفوز ترامب بفضل الإنجيليين الموالين لـ”إسرائيل” الذين سيوصلونه إلى رئاسة البيت الأبيض، إذ يشكّل هؤلاء قاعدة عريضة داعمة له، ومعظمهم يعتبرون صهاينةً وأنصاراً لـ”إسرائيل”.
إنهم يرون عودة اليهود إلى “أرض إسرائيل” و”أورشليم” خطوةً من الخطوات على طريق عودة يسوع والفداء المنشود. وقد عبّر عن هذا الرابط الدكتور مايك إيفانز؛ إحدى الشخصيات البارزة في العالم الإنجيلي، قائلاً: “إننا نصلّي من أجل فوز ترامب، ولكن ما لم يحدث ذلك، فإنَّ إسرائيل بحاجة إلى أن تكون قوية ومستعدة”.
أما في “إسرائيل”، فمن المتوقع أن تكون الحكومة القادمة الأكثر تطرفاً ويمينيةً في تاريخ كيان الاحتلال، وهي تحالف مصالح اليمين المتطرف والأحزاب الدينية ورئيس وزراء متهم بالفساد والرشوة.
من الآن وحتى يذهب الناخب الأميركي إلى صناديق الاقتراع، من المتوقع أن تعمّق هذه الحكومة الشرخ بين “إسرائيل” من جهة، والحزب الديمقراطي بشكلٍ عام وجناحه اليهودي بشكلٍ خاص من جهة أخرى، إذ يرى بعض الإسرائيليين أنَّ حضور ترامب المستمر في العناوين الرئيسية في الولايات المتحدة، وخطاباته الحماسية حول دعمه “إسرائيل”، ووعظه الأخلاقي تجاه اليهود الأميركيين، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع بين الطرفين.