“تخريب” آخر مساجد “السنة” في طهران!
نعم.. في ايران معابد لليهود والنصارى، وأزيد على ذلك لمن لا يعرف، للزرادشتيين (المجوس).. لكن فيها ايضاً آلاف المساجد التي يديرها ابناء المذاهب الاسلامية من غير اتباع أهل البيت (ع) وفيها عشرات المدارس الدينية للأحناف والشوافع، تمتد من شرق البلاد الى غربها ومن شمالها الى جنوبها.. فهذه هي الصورة الكاملة للوضع الديني في ايران لمن لا يعرفها.. تعددية واحترام للخصوصية، وهو أمر متجذر في عمق النسيج الاجتماعي.
دعوني انقل لكم مشاهدة حصلت لي في عطلة عيد الفطر المبارك الأخير، سافرنا الى محافظة كيلان على ساحل بحر الخزر ( قزوين) وفي أحد الايام كنا خرجنا من بلدة تسمى “اسالم” بأتجاه أخرى تدعى “خلخال” والطريق بينهما سياحي جميل للغاية ادعو كل من يزور ايران ان يقضي يوماً فيه.. على بعد بضعة كيلومترات من بلدة اسالم حل موعد اذان الظهر، فتوقفنا للصلاة عند مسجد قريب من الطريق العامة بانت مأذنته الذهبية اللون والمرتفعة نسبيا من بعيد، وكانت الكثير من السيارات متوقفة للغرض ذاته.. عشرات الناس (وجميعهم من الشيعة حسب التقسيم الطائفي والمذهبي لأمة الاسلام، لأنهم كانوا يبحثون عن ترب واحجار للصلاة عليها) صلّوا في ذلك المسجد الذي كان اسمه “مسجد جامع حضرت ابوبكر صدّيق رضي الله عنه “، حسب ما كتب على واجهة المسجد.
علماً انني لم اسمع في يوم من الايام بوجود ولو أقلية من الاخوة السنة في تلك المناطق.. ولم اسمع أيضاً ان أحداً رفض الصلاة في مسجد ابوبكر أو احتجّ على أسمه، رغم وجود مسجدين آخرين على بعد بضعة كيلومترات، أحدهما يحمل اسم الامام علي (ع) والآخر السيدة فاطمة الزهراء (س).
أما “مسجد” بونك في شمال غرب طهران والذي أثار ضجة الاعلام الوهابي حتى وصل الأمر الى مريم رجوي زعيمة المنافقين الملطخة ايديهم بدماء الشعبين الايراني والعراقي، التي وصفت الأمر بأنه مناف للقيم الأسلامية! ولم يسأل أحد مريم رجوي، هل لها أن تحدثنا كيف تزوجت من رجوي بعد ان أهداها زوجها السابق ابريشمجي الى زعيم عصابته.. هل صبرت على عدّة الطلاق أم أن العدة ليست من القيم الأسلامية؟!
ومع ان الموضوع لا يخلو من شبهة قانونية فقد ادانه مجمع التقريب بين المذاهب وهي أقرب مؤسسة لمكتب قائد الثورة الاسلامية في ايران وطالب المجمع في بيان له بالتروّي في مثل هذه الامور والأخذ بنظر الاعتبار للمصالح العامة.. الّا ان جهاز البلدية لا يسمع لمثل هذه الدعوات وحجته.. لولا الانضباط القانوني لما حافظت طهران التي يزيد سكانها على عشرة ملايين نسمة، على جماليتها ولأصبحت غير ما هي عليه.
والى جانب هذا الخلاف المستمر منذ خمس سنوات بين البلدية والمسؤولين عن مصلى بونك (هو مصلى وليس مسجداً )، لابد من التأكيد على بعض الحقائق:
1. المكان الذي قامت بلدية طهران بتخريبه، هو مصلى وليس مسجداً.. اي مجرد مكان تم تغير شروطه القانونية من طرف واحد لأجل تحويله الى محل عبادة!
2. هناك في محافظة طهران ما بين 25-30 مصلى لأهل السنة وليس هذا الوحيد او الاخير.. كما يدعي متزقة الاعلام الوهابي.
3. اصل الخلاف بين البلدية وادارة المصلى يقوم على:
أ. تغيير البناء من سكني الى عبادي واداري.
ب. تحويل المرآب الى مرافق صحية.
ج. بناء سقف كاذب في اجزاء من البيت دون رخصة بناء.
د. تمدد البناء لاجزاء اخرى من الموقع بما يخالف الشروط (60%) الهندسية التي تفرضها البلدية على البناء، أي 60% من مساحة الارض فقط للبناء.
ولمن لايعرف البلدية في ايران، فأن واحدة من هذه المخالفات تكفي لهدم اكبر عمارة حتى لو كان صاحبها سيداً علوياً!!
وأنقل لكم حادثاً من هذا القبيل طال قبل سنوات مسجداً معروفاً في مدينة قم المقدسة يعرف بمسجد (ابوالفضل العباس ـ ع ـ) في منطقة “خاك فرج” وقد جرى هدم المسجد لانه لم يشيدّ بموافقة البلدية رغم أنه كان قد مضى عليه أكثر من عشرين عاما.. كما ان الاوقاف في محافظة كيلان وحدها ازالت قبل سنوات 18 مزاراً لانها لم تسجل في دائرة الاوقاف.. ولو أردنا ان نحضي مثل هذه الامور فهناك الكثير..
اذن، القضية ليست مذهبية ولاطائفية واتصور ان الذين صالوا وجالوا في الأمر انما تحدثوا بجهل أو قصد عن المنطق الذي يعانون منه هم وعن عيوب عقولهم الفاسدة هم، على قاعدة “رمتني بدائها وانسلت” أو كما قالت أحدى الصديقات: “العاهر تبالغ في الحديث عن الشرف”!
ومثل هذه الاقلام والافواه الرخيصة لن تكف عن بذائتها.. فمرّة تتحدث عن البطيخ النووي الايراني والمحقون بمواد مسرطنة وتدعو الى مقاطعة البضائع الايرانية وهي التي تعج أسواقها ببضائع الكيان العبري، ومرة أخرى تتحدث عن ريحانة “العربية!” التي دافعت عن شرف عروبتها في مواجهة نزق “فارسي”!.. واليوم عن تدمير آخر مساجد أهل السنة في طهران.. وسيبقون على هذا المنوال مادام هناك من يرتزق من أموال البترودولار النجدي!
ومن الطبيعي ان يؤتي شراء الذمم والمرتزقة أُكله في الاعلام بعد هذه السنوات الطويلة من الدفع والارتزاق، وفقاً لما كشفته وثائق ويكيليكس مؤخراً.. والقارئ اللبيب يعرف ان هؤلاء الطبالين لايعزفون بدون ثمن.
وما أقترحه على هذا الاعلام (المرتزق) ان يهتم بقضايا اخرى تعاني منها مملكة “خادم الحرمين” وينشغل بها عن غيرها، قضايا مثل التحرش الجنسي التي اصبحت مادة لقنوات الاعلام الصديقة لحكومة آل سعود واعدائها..
ولمن يستصرخ أميركا وعملائها للوقوف بوجه “هدم” النظام في ايران لمساجد السنة!.. أقول:
ترى كم مسجد هدم عدوانكم على اليمن، الذي لم تسلم منه حتى قبور الاولياء والشهداء والآثار التاريخية؟
وكم طفل وشيخ وأمرأة قتلت قنابلكم في ذاك البلد، الذي كان سعيداً حتى قامت دويلتكم المتوحشة بجواره فسلبته أرضه وقراره؟
وكم مسجد ومزار دمر مرتزقة بندركم وبني عمومته في سوريا والعراق، حتى طال الأمر قبور الأنبياء؟!
وكم سيارة مفخخة فجر أتباع قرن الشيطان النجدي في بلاد المسلمين والعالم من اندونيسيا حتى نيويورك؟!
يكفيكم انكم اصبحتم منفورين مقززين حتى من اقرب “اشقائكم”.. فهذه هي الكويت تفرض شروطاً مشددة على دخول السعوديين بعد ان اتضح ان الارهاب الذي ضربها كان من مملكة “خادم الحرمين”!