تحريم مقاومة «إسرائيل»
صيفة الديار اللبنانية ـ
ثريا عاصي:
كتبت في مقال سابق، ان «حزب الله قريبي وجاري». وهذا صحيح وواقع. علما أن القرابة والجيرة لا تؤسسان لموقف سياسي او لفكر أو لعقيدة. مثلما ان الطائفة أو المذهب او الطريقة، ليست أحزابا سياسية. أن مرد إعترافي بالجميل لحزب الله، ليس إلى كون جاري وقريبي مقاومين في صفوفه؟ أنا لست من أتباع شعار العصبية: «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما». ولكن لأن مقاتلي حزب الله تصدروا مقاومة الإسرائيليين عندما كان الأخيرون يحتلون نصف لبنان. انا لا أعرف فصيلا لبنانيا يضاهي هذا الحزب بأسا في مواجهة المعتدين الإسرائيليين. ولكن أعرف أن أطرافا في لبنان أعانتهم. يقولون في بلاد الأرز أن وجود حزب الله، كحركة مقاومة مسلحة، هو إنتهاك لسيادة الدولة ويشككون في شرعيتها. الإشكالية في هذا الرأي هي أن أصحابه يغفلون مسألة في غاية الأهمية، مفادها ان الدولة لو حافظت على سيادتها ودفعت الأعداء عنها، واستمدت شرعيتها من اللبنانيين، بما هم جمع وطني أفراده متساوون في الحقوق والواجبات، لا يتميز أحدهم من الآخر بحسب طائفته او مذهبه أو نسبه، لما كان لوجود حزب الله مبرر، ولما كان تسليحه جائزا. بتعبير آخر أن الدولة في لبنان هي التي ألغت نفسها وليس حزب الله هو الذي ألغاها.
لم يستول حزب الله على الدولة، لانها لم تكن موجودة عندما ظهر مقاتلوه في سنة 1982، وراحوا يناوشون الى جانب جبهة المقاومة الوطنية عساكر المحتلين الإسرائيليين، حتى أجبروهم على الإنسحاب في أيار 2000. ما تزال أمور كثيرة وقعت أثناء الإحتلال، عالقة في الذاكرة. لا مجال هنا للغوص في تفاصيلها والكشف عن دلالاتها. ولكن لا حرج في القول أن الدولة بجميع أجهزتها الأمنية والإدارية، سلـّمت الإسرائيليين مفاتيح المناطق التي إحتلوها وأدارت ظهرها. اعتقل الإسرائيليون في بادىء الأمر الأقرباء والجيران وزجوا بهم إلى معسكر التجميع في خراج بلدة أنصار، التي تقع في جنوب لبنان. من الطبيعي أن يتأثر المرء إذا أصاب قريبه أو جاره مكروه. فكيف إذا كان المستعمرون المحتلون الإسرائيليون هم السبب.
إن ما يهمني صراحة في هذه المسألة، ليس إلى اية طائفة أو مذهب ينتمي هؤلاء وأولئك، ولكن ما يهمني هي الغاية التي يريدون بلوغها. وبكلام اكثر وضوحا، ماهي الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها حزب الله من جهة وخصومه، في لبنان وفي المشيخات النفطية ومملكة آل سعود من جهة ثانية؟
لا بد من التسليم بأن الحزب أو الجماعة او الجيش، في هذا الجانب أو ذاك، الذي يستطيع دخول حرب كالتي تدور رحاها في سوريا، أو كالتي شنها العدو الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، وأن يتحمل التضحيات الكبيرة، أن يكون صاحب عقيدة قتالية إختمرت في نفوس عناصره. هذا بصرف النظر عن طبيعة هذه العقيدة وعما إذا كانت تنويرية أو ظلامية.
انا لست هنا في معرض تقييم الأفكار والنظريات، ولا أدعي إمتلاك رؤية تسهل إختيار نهج كفيل بايصال الجهة التي تسير عليه الى الهدف المنشود، أي إلى الوطن والدولة التي تحافظ عليه وتصد المستعمر عنه وتتبع سياسة عادلة يرسمها ويقرها المواطنون. فما أنا بصدده يقتصر على قراءة ميدانية، إذا جاز التعبير، والتبصر في تحركات وأنشطة الأفرقاء على الساحتين السورية واللبنانية.
أوصلني هذا كله إلى خلاصة مفادها أن المهمة الرئيسية لحزب الله هي تحرير الأراضي اللبنانية من المحتلين الإسرائيليين، والتصدي لهم إذا عاودوا محاولة إحتلالها. وأغلب الظن أن هذا يعني ضمنا بحسب مفهومه ، أن يعتبر نفسه شريكا في كل معركة ضدهم. لقد كان الحزب مع حركة حماس الفلسطينية، قبل أن يستغوي أمراء قطر قيادتها. ومن نافل القول أن يقف إلى جانب الدولة السورية، لان هذه الأخيرة لم تتخل عن أراضيها المحتلة وعن حقوق الفلسطينيين، ولم تطبع علاقتها بدولة المستعمرين الإسرائيليين، فضلا عن أنها تمثل القاعدة الخلفية له. هذا من ناحية، اما من ناحية ثانية فمن المحتمل جدا أن هذا الحزب لن يقف مكتوف الأيدي إذا وقعت الواقعة بين إسرائيل وبين إيران، التي تبنته كما أعتقد منذ تأسيسه، ووفرت له إمكانيات القتال وقدمت له جميع الوسائل اللازمة لتقوية لحمة حاضنته الجماهيرية.
في المقابل يسعي خصوم حزب الله، ليس في لبنان وحسب، ولكن في سوريا أيضا، وعلى إمتداد العالم العربي، على الدوام، الى إعتراضه والحيلولة دون تمكينه من إحراز نجاحات في أداء المهمة التي يدعي أنها علة وجوده. ففي لبنان على سبيل المثال، يـُظهر الذين تعاونوا مع اسرائيل واستقووا بها، من أجل طرد فصائل المقاومة الفلسطينية، إلى جانب الذين اتخذوا من أمراء السعودية أولياء لهم، حماسة شديدة للسيادة الوطنية اللبنانية. فيتهمون حزب الله بانتهاكها. رغم أن تاريخ لبنان، في حقبة الإنتداب الفرنسي وما بعدها إلى أن أفتضح امر الوطن الاكذوبة في لبنان، يشهد على أنهم كانوا شديدي الحرص، ولا يزالون، على نظام المحاصصة الطائفية اللاوطني.
من غرائب منطق «الوطنيين» في لبنان، أن حزب الله يمثل أقلية مذهبية، وبالتالي لا يحق له الدفاع عن لبنان ضد العدوان الإسرائيلي. فالدفاع والعلاقات الخارجية هي من صلاحيات الأكثرية المذهبية حصرا. وهو المنطق نفسه الذي يعتمد عليه الأمراء السعوديون والخليجيون في انكارهم على الحكومة الايرانية موقفها المعادي لاسرائيل، بحجة ان الإيرانيين يتبعون في غالبيتهم، كمثل حزب الله، مذهبا اسلاميا مختلفا عن مذهب الأكثرية. يستتبع ذلك أن موقفهم (حسب أمراء الخليج) يعتبر تجاوزا لولي أمر المسلمين، ومطية لبسط نفوذهم والإنقلاب على «الشرعية الإسلامية». وبحسب المنطق نفسه فالخروج عن طاعة ولي الأمر هو نوع من الإرتداد.
ليس مستبعدا أن تكون هذه الشروحات والخلاصات من بنات أفكار إختصاصيي الإسلام في معاهد الدراسات الأميركية والإسرائيلية، أصحاب نظرية «صراع الحضارات». جملة القول أن المستعمرين استلبوا العقول وأوهموا الناس بان صون الشرعية الاسلامية منوطة بشخص ولي الامر، من خطورة «المرتدين». وله الفتوى بتبرير الصلح مع اسرائيل والتظلـّل بالقواعد العسكرية الأميركية وكل أساليب الإرهاب، بما فيها قطع الرؤوس ونبش القبور واقتلاع القلوب و«عضها»!. «أن الأعراب لكيـّادون»..
فإذا كانت «الثورة» ستفضي الى نتائج وحكومات هذه أساليبها وعقيدتها فبئس الثورة.