تحرير الموصل والمحاولات الغربية للتقليل من حجم الانجاز
بعد ثلاث سنوات من القتال المرير على جبهات الحرب العراقية للإرهاب الداعشي تمكن العراق من تحرير آخر معقل استراتيجي للتنظيم الإرهابي وهو مدينة الموصل…
ومع رفع العلم العراقي على ضفاف نهر دجلة يكون العراق قد أزاح الستار كليا عن مرحلة كانت تهدد النسيج الاجتماعي والوطني العراقي وتخطى الخطر الذي شكله التنظيم على النظام الذي لم يعرف الراحة منذ سقوط صدام حسين إلى اليوم. الأهم أن هذه الخطوة هي إعلان رسمي عن بداية سقوط مشروع تمزيق المنطقة الذي يقف خلفه دول ومنظمات تتخطى تنظيم داعش الإرهابي.
من الملاحظات المهمة التي ترافقت مع إعلان تحرير الموصل من قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي هي قلة التبريكات التي هنأت الشعب العراقي بهذا الانجاز، خاصة من المجتمع الدولي، هذا الأمر ليس مستغربا وإن دل على شيئ فهو يدل على النفاق الذي يطغى على هذه الدول. وهنا من الجيد الإشارة إلى موقف وزير الدفاع البريطاني الذي قال إن هذا الانتصار غير كاف ولا يزال هناك الكثير لانجازه، مشيرا إلى عدد المشاركات والطلعات البريطانية التي قصفت مواقع في الموصل في حركة يُراد منها تسليط الضوء على انجازات التحالف الدولي والتغطية على الانجاز العراقي.
طبعا ليست وحدها الدول الغربية لم تهتم كما يجب لهذا الحدث، بل حتى الإعلام الأجنبي والكثير من الإعلام العربي قلل من أهمية الحدث ولم يسلط الضوء عليه كما يجب، على الرغم من أن العالم يعلم مدى أهمية الآلة الإعلامية في صناعة النصر وبلورة الأحداث والتأثير على مستقبل ومجريات الأمور.
أما الأسباب التي أدت لذلك فهي كثيرة. نبدأ منذ بداية دخول داعش للعراق في صيف 2014م، كان تجاوب الدول الكبرى ودول المنطقة ضعيفا مع النداء العراقي للوقوف إلى جانبه قبل سقوط بغداد. وهذا يؤكد على وجود تقاطع مصالح لهذه الدول مع الحدث العراقي المفاجئ، أي أن هذه الدول وعلى رأسها أمريكا أرادت إضعاف النظام العراقي والاستفادة من هذا الحدث على طريقتهم، حتى أن البعض يذهب أبعد من ذلك حيث يشكك بأن الأمريكيين كانوا يعلمون بخطة داعش وأخفوا هذا الأمر عن الحكومة العراقية وهذا الأمر بحاجة للتأمل.
وحدها إيران في حينها سارعت إلى تقديم الدعم للعراقيين، ومع وصول قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني تم استنهاض الهمم والبدأ بدفع الهجوم الداعشي المباغت الذي وصل لكيلومترات من العاصمة العراقية بغداد.
بعد أن تمكن العراقيين من إيقاف المد الداعشي وتشكيل الحشد الشعبي بفتوى من المرجعية بدأت أمريكا والمجتمع الدولي وأعراب المنطقة بالحديث عن تشكيل ائتلاف ضد داعش، وبالفعل شكلوا هذا الائتلاف الذي يعلم الجميع أنه عبارة عن صفقة أمريكية رابحة بكافة المعايير، حيث أن كل طلعة جوية أمريكية مقبوضة الثمن سلفا ناهيك عن أن هذا الائتلاف كان له في بعض المراحل التأثير السلبي على مجريات المعارك من خلال استهداف قوات الحشد الشعبي وقوات عراقية إضافة إلى مساعدة التنظيم في الانتقال من منطقة إلى أخرى عبر الحماية الجوية التي أمنها له. إضافة إلى ذلك أمن هذا التحالف شريان الحياة للتنظيم عبر شراء النفط العراقي الذي سيطر عليه التنظيم من خلال تركيا ونقله كان يتم في صهاريج على مرأى طيران التحالف ومسمعه.
إذا المصلحة من وجود داعش في العراق كانت كبيرة للأمريكيين والمجتمع الدولي فمن الطبيعي ألا يكون فرحا بهزيمة التنظيم وهو الذي دفع أكثر من مرة في تأخير بداية العمليات في أكثر من منطقة بالعراق. أما اليوم وعلى وقع انجازات الميدان السوري فقد بات هناك أسباب إضافية تجعل الأمريكيين قلقين من هذا الانجاز.
من هذه الأسباب، الخوف من سيطرة قوات المحور الروسي الإيراني على المناطق التي تتحرر في سوريا، خاصة أن هذه القوات تتقدم بشكل كبير في البادية والشرق السوري وقد تمكنت مؤخرا من وصل الحدود العراقية السورية مجددا. يخاف الأمريكيين من تضعضع تنظيم داعش داخل سوريا بسبب أخبار مقتل البغدادي ونصر الموصل. ولذلك أجبروا على التدخل المباشر في الجنوب السوري للحفاظ على مصالحهم ومصالح الكيان الإسرائيلي هناك وأتباعهم من الجماعات المسلحة السورية. وهم يضغطون بشكل كبير سياسيا وعسكريا لتثبيت ما عرف بمناطق وقف النار مع الروس.
إذا وكما يقول المثل العربي إذا عُرف السبب بطُل العجب، فالعجب العجب أن يفرح الأمريكيين وحلفائهم بنصر العراق وهزيمة داعش في الموصل وهم يعلمون أن هذه الخطوة هي المقدمة الحتمية لإنهاء وجود التنظيم على كامل الأراضي السورية والعراقية. انطلاقا من هذا يجب على محور المقاومة البقاء على حذر شديد ورصد أي حركة أمريكية للالتفاف على هذا النصر واجهاض مفعول الصدمة التي تعرض لها داعش. والنصر لهذا المحور بات قريبا جدا نصر سيكون مقدمة للنصر على الكيان الإسرائيلي والأمريكيين وحلفائهم في المستقبل.