تجار الدواء يتكاثرون.. مُنتفعون بالحرام
موقع العهد الإخباري-
لطيفة الحسيني:
الكارتيلات تتحكّم في كلّ مفاصل الحياة في لبنان؛ غذاء، محروقات، دواء. لا شيء يردعها عن التجارة بمعاناة الناس، جشعها فقط يديرها. تكفي رحلةُ بحث واحدة لمريض سرطان على 13 صيدلية ومركزًا للعثور على علاجه المُلحّ والنجاة لتُبيّن حجم وحشية محتكري الأدوية! صورُ العذابات اليومية كلّها في البلد لا تؤثّر البتّة بهؤلاء الذين أضحوا مدمني أرباح، يحرصون فقط على مصالحهم المادية، مُجرّدين من إنسانيّتهم، إن وُجدت.
قد تكون الأدوية هي الجزئية الأقسى في الأزمة الاقتصادية الراهنة. تأمين المسكّنات ومخفضات الحرارة الضرورية للأطفال وصولًا الى علاجات الأمراض المستعصية والمزمنة بات يتطلّب جهدًا جبّارًا يبدأ أولًّا بـ”اصطياد” صيدلاني مهني بحقّ.
وزارة الصحة: لا التزام بالقوانين
المشهد إذًا كارثي وموجع. عنه يقول مستشار وزير الصحة لشؤون الدواء الدكتور رياض فضل الله “بعض الصيادلة تخلّى عن مهنيّته وأخلاقه ودينه وانتقل الى صفة التاجر، لا يراعي القوانين، تمامًا كتاجر المازوت والبنزين”.
يوضح فضل الله لـ”العهد” أن “6 صيادلة لا يزالون يقبعون في السجون بسبب جرائم الاحتكار”، غير أنه يسترسل في الحديث عن “التجارة” الحاصلة بين صيدلية وأخرى، خاصة على صعيد الكميات التي اشتُريت مدعومة وعلى السعر القديم، فيشير الى أن “الأدوية المدعومة على حساب الـ1500 للدولار بيعت بهذه الطريقة، لكن لاحقًا مع ارتفاع سعر صرف الدولار وصدور لوائح على سعر الـ12000 والـ13650 وأُدرجت على موقع وزارة الصحة، وقع الصيادلة في حيرة، على أيّة قاعدة سبيعون”، ويتابع “المادة 80 من قانون مزاولة المهنة 367/1994، تُلزم الصيدلية بالبيع بسعر موحّد وفق التسعيرة الرسمية، أمّا الحاصل فهو أن البعض باع أدوية على “الفريش دولار””.
ولأنّ المُخالفات بالجملة في هذا القطاع، يلفت فضل الله الى أن “أول خطوة على صعيد مُحاربة هؤلاء التجار، تكون من خلال تقديم شكوى رسمية من قبل الناس لتُعلم الوزارة بعمليات تخزين مشبوهة أو بيع بسعر غير ما هو مُدرج رسميًا حتى يكونوا شاهدين على تلك التجاوزات”، ويقول “لدينا شكاوى ومحاضر بحقّ عدد من الصيادلة أقدموا على بيع الأدوية بالدولار، وهؤلاء يُحالون الى النيابة العامة ما يعني أن عقوبتهم لا تقف عند حدود إقفال الصيدلية بعد التفتيش الصيدلي، ويُردف “على الناس أن تُساعد ولا تكتفي بالكلام، فالمواطن بالمرتبة الأولى يجب أن يُبلّغ عن سرقته عبر الدواء”.
ويؤكد فضل الله لـ”العهد” استمرار توفّر أدوية بالسعر المدعوم اليوم في السوق المحلي في حين أن بعضها يتحرّر شيئًا فشيئًا، وهنا يُبيّن أن “مداهمات وزير الصحة للمستودعات أدّت الى إفراج بعض الصيدليات والمستودعات في آن عن مخزونها من الأدوية المحتكرة، ما تسبّب بحلحلة في هذا القطاع”.
وعبر “العهد”، يُطمئن فضل الله المواطنين الى أن “أدوية الأمراض المستعصية التي شكّلت لبّ الأزمة بدأت تتوافر تباعًا بدءًا من هذا الأسبوع، مع دخول 12 دواءً الى السوق وتحسين أداء مصرف لبنان في هذا السياق”.
وفيما يتعلّق بمخزون الأدوية، يوضح فضل الله أن “هناك أدوية لا مخزون لها نهائيًا”، فيما هناك مخزون محدود لأمراض مستعصية لشهريْن أو ثلاثة في الحدّ الأقسى، وهذا مرتبط بشكل مباشر بالاعتمادات التي يفرج عنها البنك المركزي”.
أساليب المحتكرين
قطاع الأدوية إذًا ينازع، المواطنون يُقارعون التجار. الصيدلية مريم .ج تروي لـ”العهد” كيف تُكابد لتأمين أدوية لمن يقصدها ولا يجد طلبه. بالنسبة لها، المعضلة كبيرة، فالشركات المستوردة لا تزال تعتمد استراتيجية التسليم نفسها: كمياتٌ قليلة إن وجدت (علبة واحدة من كل نوع في حال وجودها).
تبدو مريم غاضبة جدًا من كلّ ما يجري في هذا القطاع. تقول: “بعد مداهمات وزارة الصحة وصلَنا دواءان من شركة “فتال” “أسبرين” و”بيكوزيم” على السعر القديم.. لا يصلنا إلّا كميات محدودة جدًا لبعض الأصناف المُصنّعة محليًا، أمّا حليب الأطفال فطلبنا كمية وحتى الآن لم نتسلمها.. وعلى سبيل المثال “البانادول” بيع في بعض الصيدليات بالسعر الجديد المُحدّد من قبل الوزارة بعد أن اشتُري على السعر القديم”، وتردف “طلبنا من شركة all new pharma أدوية ضغط فكان الردّ بأنها مقطوعة مع العلم أنه لديها ويُوزَّع بسياسة التقطير”.
الضغط كبيرٌ على الصيادلة، تشدّد مريم، وتقرّ بأنها تُرسل المرضى أحيانًا الى أماكن باتت معروفة بأنها سوق سوداء للأدوية كي تؤمّن علاجاتهم بعد عجزها عن توفيرها بالطرق الطبيعية، كما أنها تضطرّ في كثير الأحيان لبيع الدواء على شاكلة ظرف من كل علبة ليتسنّى لأكبر عدد من المرضى الحصول على الدواء.
هنا تُشير مريم الى أنها وزملاءها باتوا يسألون بعضهم بعضًا على المجموعات المشتركة في واتس أب عن أدوية لتيسير أمور المرضى بعد تحكّم التجار بسوق الدواء، ولذلك تُطالب الوزارة بالتشدّد بمتابعة موضوع الدواء، لأن الوكلاء يرفضون تسليمهم الأدوية بحجّة أنها مقطوعة، خصوصًا أدوية الأمراض المستعصية، وتقول “أصبحنا نُصوّر الوصفة الطبية مع هوية المريض ليتحنّن علينا الوكلاء بالدواء، حتى أن بعض المخزِّنين باتوا يعطوننا الأدوية لكن التي تنتهي مدة صلاحيتها قريبًا”.
مريم تُبدي ملاحظات على أداء النقابة خلال أزمة الدواء، وتتّهم بعض النقابيين بعقد صفقات بيع أدوية مخزّنة في مستودعاتهم وبالدولار.
انتهت حلول الصيادلة والأمر متروك للمبادرات
في ظلّ انعدام انسانية عدد كبير من الصيادلة، تبرز بعض المُبادرات التي من شأنها أن تُفرج همّ المواطن وتُسعفه في حاجته الطبية الضرورية. “غروب أدوية” من أنشط المجموعات التي تعمل في هذا المجال. أدوية مختلفة وخصوصًا تلك المتعلّقة بالأمراض المزمنة والمستعصية، هي خدمات المشرفين على المبادرة الفردية دون مصلحة سوى الدعاء. أبو مهدي، أحد القيّمين عليها، يشرح لـ”العهد” أن المشروع انطلق هذا الشهر وقابل للتوسّع مع الوقت طالما أن الأزمة متواصلة.
الهدف بالنسبة للمجموعة المُستحدثة، على ما يؤكد أبو مهدي، مُحاربة تجار الدواء ومساعدة الناس على الوصول الى مصدر دون اللجوء الى السوق السوداء.
الصعوبة الوحيدة التي واجهها أصحاب المبادرة، وفق أبو مهدي، هي عدم تأمين أدوية لمرضى السرطان وكهرباء المخّ أو نوبات الصرع إضافة الى حليب الأطفال، وحالات لسعات الافاعي أو عضة الكلب.
التعاون كبير بين أعضاء وإداريي المجموعة من كلّ المناطق، وأيضًا مع بعض الصيادلة الشرفاء، غير أن أبو مهدي يكشف عن أن تجار الأزمة الصحية ولا سيّما بعض المحتكرين للدواء يتسلّلون الى المجموعة بذريعة أنهم أشخاص يعانون من أمراض، ثمّ يتبيّن أنه ينوون الحصول على الدواء بسعر زهيد أو بشكل مجاني وعرضه على مجموعات أخرى لقاء بدل مادي على سعر السوق أو ما يفوقه، إلّا أن هذه الاحتيالات سرعان ما تُحبط من خلال عمليات التدقيق والتريّث.