تباشير الحرب ـ الفيصل
صحيفة البناء اللبنانية ـ
حسن شقير:
«من غير المسموح أن ينتصر محور الشرّ الممتدّ من طهران إلى دمشق وبيروت في الحرب الدائرة في سورية».
بهذه الكلمات المختصرة التي عبّر فيها موشيه يعلون بُعيْد لقائه رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي عن حقيقة ما يجري في الميدان السوري أو ما قد يتمخّض عن ذلك لاحقاً من تداعيات غير متصوّرة على الكيان الصهيوني وأمنه القومي بشكل رئيسي.
ما الذي يمكن أن نفهمه من هذا الكلام الخطير للوزير الصهيوني معطوفاً على جملةٍ من الاستحقاقات الكبيرة التي جرت وتجري في هذا الكيان؟
لم تكد تمضي أيامٌ قلائل حتى أطلّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في مهرجان الانتصار ـ وفي معرض تعليقه على المجزرة الإرهابية في الرويس ـ معلناً أنّ حزب الله من أمينه العام حتى آخر عنصر فيه سينتقل إلى سورية لحسم المعركة هناك.
المعادلة المستحيلة
منذ اللحظات الأولى للإعلان عن إلغاء اللقاء الأميركي الروسي في أيلول المقبل والذي كان يهدف في ما يهدف لوضع اللبنات الأولى للأسس التي سيُعقد على أساسها مؤتمر جنيف 2 وذلك لإطلاق صفّارة الحلّ السياسي في سورية في ظلّ شبه التوازن القائم اليوم على الأرض السورية والتي يبدو أنّ المغريات السعودية للعرّاب الأميركي كانت من الأسباب الوجيهة لذلك الإلغاء.. حتى ذلك الحين لم يكن الحديث عن حرب صهيونية تُشنّ على المقاومة اللبنانية يُعبّر عن واقعية وازنة والسبب في ذلك أنّ هذه الأخيرة يعمل تحالف العدوان على سورية لإشغالها وإنهاكها في أكثر من بقعة كما يظنون من دون أي تكلفة عليهم وخصوصاً عند قطب الرحى في هذا التحالف وهو الكيان الصهيوني.
إذن وانطلاقاً من كلّ ذلك الحرب في سورية مستمرة الدفع بالعتاد والعدد والعدة فيها مفتوح على مصراعيه محور الممانعة والمقاومة لا خيار أمامه سوى استكمال الحرب إلى حدود النصر فيها بحده الأدنى أو إلى النصر الكامل بحده الأقصى تحالف العدوان ـ وكما عبّر يعلون ـ لن يقبل بهذه المعادلة على الأرض السورية ومؤشرات تقدم هذا التحالف إلى حدود فرض الشروط على المحور الممانع غير متوقعة بفعل موازين القوى لصالح هذا الأخير والذي يتقدم ميدانياً يوماً بعد يوم.. في ظلّ هذا وذاك تصبح الحرب الصهيونية على لبنان مسألة مطروحة بقوة وخصوصاً أنه منذ أن صمت المدفع في صبيحة الرابع عشر من آب في العام 2006 يسكن في الجنبات الصهيو ـ أمريكية وبعض العربية وحتى اللبنانية منطق الثأر لتلك الهزيمة القاسية في حرب لبنان الثانية.
إضافة إلى المنطق الثأري هذا يظن الكيان الصهيوني أنّ المقاومة تنهَك وتُستنزَف اليوم في سورية ولبنان وأنّ البيئة الحاضنة الأوسع للمقاومة قد فُقِدت بفعل الحرب السورية وتدخلها فيها وأنّ الحرب الناعمة لاستراتيجياتهم الخلفية قد فعلت فعلها في الجسد المقاوم والتي خاضوها منذ العام 2006.. فضلاً أنهم قد شارفوا على الانتهاء من التجهيز الصهيوني الداخلي لهذه الحرب على مستويات متعددة.. الأمر الذي يسمح لهم بالعودة مجدداً إلى ما أسموه «عقيدة الضاحية» والقائمة على التدمير والهلاك لكلّ من وجّه إليهم اللكمات فضلاً عن الصفعات المؤلمة جداً.
الدرع الاستيطاني
في 16 شباط من العام 2010 شرح السيد نصرالله في معرض حديثه عن منطقة «غوش دان» أنها المنطقة الديموغرافية الأساسية في الكيان الصهيوني.. حيث يقطنها نحو 75 في المئة من مجموع السكان في كيان العدو محذراً إياهم بأنّ المعادلة أضحت اليوم: تدمير في الضاحية يقابله تدمير أشمل في «غوش دان».. ماذا يعني ذلك عملياً؟
يعني ذلك أنه وفي ظلّ أي معركة قادمة بين الكيان الصهيوني وبين حزب الله لن يكون هناك مكان آمن للصهاينة 75 في المئة منهم في هذه البقعة الجغرافية بحيث أنّ بقاءهم سيؤدي بلا شك إلى إلحاق خسائر فادحة في أرواحهم فضلاً عن الممتلكات.. وخصوصاً في ظلّ وجود الصواريخ النوعية لدى المقاومة كما أشار السيد بنفسه يومها.. فهل تتحمّل الجبهة الداخلية هذه الخسائر الفادحة؟ بالتأكيد لا.. نظراً إلى أهمية هذه الجبهة في أي حرب قد يخوضها هذا العدو.
اليوم تنطلق على أرض فلسطين هجمة استيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية بحجمٍ كبير جداً هذه المرّة ـ ناهيك عن مشروع برافر ـ والتي تأتي في ظلّ اللانظام الدولي واللاربيع العربي المدمّر في دوله المركزية مصر وسورية .
يقول البعض إنّ الكيان ينوي استقدام مهاجرين جددا من الخارج وهو بحاجة إلى هذه الوحدات السكنية من أجلهم.. قد يكون هذا صحيحاً ولكن في ظلّ ظروف مغايرة تماماً لما يعيشه هذا الكيان اليوم فكل الاستبيانات الصهيونية تُدلّل على أنّ الهجرة معاكسة اليوم من فلسطين إلى الخارج وليس العكس! في الوقت الذي بدأ الحديث الجدي حول إمكانية استمرار هذا الكيان وبقائه كدولة!
التفسير الأقرب للواقع هو أنّ الصهاينة بُعيْد الخطاب المذكور للسيّد نصرالله بدأوا يعدّون العدة ليوم الفرار الكبير من «غوش دان» للتذكير فقط قام الكيان الصهيوني في الآونة الأخيرة بتدريبات مكثفة على عملية إخلاء جماعي لمنطقة «غوش دان»!!
وبقليل من المتابعة لهذه الأعداد الضخمة من الوحدات الاستيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية.. يُلاحَظ أنه ـ أيّ الاستيطان ـ في هاتين المنطقتين يرتبط بشكل وثيق بالحرب النائمة ما بين المقاومة في لبنان وبين الكيان الصهيوني.. فكيف ذلك؟ إنها استراتيجية الردع الاستيطانية التي يأمل من ورائها الصهاينة أن تصبح القدس الشرقية والضفة الغربية مناطق إيواء للصهاينة الذين يفرّون من «غوش دان» وغيرها وذلك عندما تدقّ ساعة الحرب بحيث تصبح هذه الأماكن المقدسة أماكن حرجة على المقاومة في إطلاق الصواريخ نحوها ـ كما جرى في حيفا عام 2006 ـ بحيث أنها مناطق ممتلئة بسكانها من الفلسطينيين علّ ذلك كله يشكل دروعاً حقيقية تحميهم من صليات الصواريخ المقاوِمة.. إنها استراتيجية صهيونية ردعية حقيقية.
الدرع الصاروخي
نستطيع الجزم أنه ومنذ ذاك الإعلان الشهير للسيّد نصرالله حول مفاجأة «غوش دان» وكيف أنها وباقي مناطق فلسطين المحتلة من البحر إلى النهر ومن كريات إلى إيلات أضحت جميعها في مرمى صواريخ المقاومة.. وأية صواريخ؟ إنها الصواريخ الكاسرة للتوازن والتي جُنَّ جنون الصهاينة لأنّ المقاومة حصلت عليها.. فمنذ ذلك الحين ـ وبحسب المعلومات التي ينشرها الصهاينة ـ فُعِّلت وبشكل سريع جداً جميع منظومات التصدي لتلك الصواريخ من «القبة الحديدية» و»الصولجان السحري» و»حيتس» و»مقلاع داوود» وغيرها من تلك المنظومات غير المعلن عنها.. والهدف كله الحماية من صواريخ المقاومة.
تزامنت هذه المنظومات الصاروخية مع تسريع عملية توزيع الأقنعة الواقية من الأسلحة الكيميائية وتكاد هذه العملية تنجز كما تفيد التقارير التوزيع على ما يقرب ثلثي السكان اليهود أو ما يزبد.. معطوفة هذه العملية على ما أوردناه من موجات استيطانية ضخمة فضلاً عن مشاريعهم المستمرة في تحويل أنفاق الكرمل ومواقف القطارات والمراكز التجارية في القدس إلى ملاجئ ضخمة تتسع لعشرات الآلاف من الناس! ونقل العديد من المراكز العسكرية الصهيونية الحساسة إلى جوار المدينة المقدسة!
سباق النهاية
هذا السيناريو الصهيوني في جعل المدينة المقدسة وسكانها المقدسيين دروعاً بشرية للاحتماء من صواريخ المقاومة.. ربما يكون المقدمة الحتمية لزوال هذا الكيان بشقّيه المدني والعسكري فلقد وعد السيد نصرالله في الخطاب المشار إليه إلى أنّ دخول الجيش الصهيوني ببعض فرقه أو بفرقه كلها إلى لبنان بأن لا ترجع هذه الفرق إلا نعوشاً.. ولكن ليس إلى أرض فلسطين والقدس لانّ هذه الأخيرة سيلبّي مقدسيوها نداء المقاومة بإخلائها فوراً ـ كما النداء لأهالي حيفا في العام 2006 ـ لتُدمّر وحداتها السكنية على رؤوس لاجئيها من الصهاينة في الوقت نفسه الذي يتمّ فيه تدمير الجيش على الأرض اللبنانية في يوم المنازلة الموعود.. ولن تنفعهم ساعتئذ تركيز منظوماتهم الصاروخية في القدس وضواحيها بزيادة عدد بطارياتها من حولها.. فلعلّ الصواريخ حينها ستتساقط عليهم وعلى وحداتهم الاستيطانية كحجارة السجّيل بحيث أنهم من الممكن أن يكونوا عندها مصداقاً للآية القرآنية الشريفة في سورة الإسراء الآية 104 : «وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا» أو لعل المقاومة تأتيهم ـ وكما وعدت ـ من حيث لم يحتسبوا ليجوس رجالها خلال الديار وكان وعد الله مفعولا.