تأثير اللوبي اليهودي في الانتخابات الرئاسية الأميركية
موقع البديع الإخباري ـ
بقلم : د. هيثم مزاحم:
تعود قوة “اللوبي اليهودي” إلى ثلاثة عوامل أساسية هي: الصوت اليهودي، والتمويل اليهودي للحملات الانتخابية، والتنظيم الفاعل للوبي.
“هل تعلم سبب شهرة القضية الفلسطينية؟ لأنكم أنتم أعداؤنا. يعود أصل الاهتمام بالفلسطينيين إلى الاهتمام بالمسألة اليهودية. الاهتمام كله لكم أنتم، وليس لي أنا. مصيبتنا هي أن عدونا هو إسرائيل التي تستفيد من دعم لا حدود له، من ناحية، ومن حظنا أن تكون إسرائيل عدونا، لأن اليهود بؤرة الاهتمام، من ناحية أخرى. أنتم تسببتم لنا بالهزيمة والشهرة معاً”. هكذا خاطب الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش المخرج الفرنسي اليهودي جان لوك غودار خلال لقاء مصوّر معه عام 2004.
يقودنا كلام محمود درويش إلى انتخابات الرئاسة الأميركية التي اقترب موعدها الشهر المقبل (نوفمبر/تشرين الثاني 2012)، حيث يتسابق المرشحان الجمهوري ميت رومني والديموقراطي باراك أوباما على خطب ود إسرائيل لكسب أصوات اليهود الأميركيين الذين يصل عددهم إلى 6.5 ملايين يهودي، لأن للكيان الإسرائيلي حظوة كبيرة لدى اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية.
عوامل قوة اللوبي اليهودي
ثمة سؤال يطرح نفسه هنا هو كيف نفسّر نفوذ اللوبي اليهودي في دوائر القرار الأساسية الأميركية وتأثيره في السياسة الخارجية الأميركية حيال الشرق الأوسط بينما لا يتجاوز عدد اليهود الأميركيين الإثنين بالمئة من مجموع الشعب الأميركي (6.5 مليون نسمة)؟
تعود قوة “اللوبي اليهودي” إلى ثلاثة عوامل أساسية هي: الصوت اليهودي، والتمويل اليهودي للحملات الانتخابية، والتنظيم الفاعل للوبي.
1 – الصوت اليهودي: تكمن فاعلية الصوت اليهودي في كون السكان اليهود الأميركيين غير موزعين بالتساوي بين الولايات، ففي نيويورك وكاليفورنيا ونيوجرسي – على سبيل المثال – تزيد نسبتهم على النسبة الوسطية (3 في المئة)، حيث يتكثف وجودهم في المراكز المدنية من الولايات، هذه المراكز التي تعتبر أكثر المناطق أهمية من الناحية السياسية. فعلى سبيل المثال: مدينة نيويورك هي موطن أكثر من (90 في المئة) من سكان الولاية اليهود لذلك نجد أن (12 في المئة) من السكان المؤهلين للاقتراع في نيويورك هم من اليهود. كما أن نسبة الناخبين اليهود في كاليفورنيا تبلغ (3 في المئة)، وترتفع إلى (6 في المئة) في نيوجرسي.
وهذه الولايات تتميز بوزن انتخابي يفوق الوزن الذي يتميز به الكثير من الولايات الأخرى، نظراً لضخامة عدد ممثليها الذين يشاركون في الانتخابات الرئاسية. ويتميز اليهود الأميركيون في كون (90 في المئة) منهم يدلون بأصواتهم في الانتخابات، في حين أن نحو (50 في المئة) من الناخبين الأميركيين لا يكلّفون أنفسهم عناء الاقتراع، الأمر الذي يرفع نسبة أصوات اليهود بمعدل (واحد في المئة) على الأقل، علماً بأن هكذا زيادة ترتفع نسبتها أكثر من الولايات التي تشهد وجوداً يهودياً أكثر كثافة حيث تبلغ بين 2 و6 في المئة في نيويورك.
لكن أهمية الصوت اليهودي تزداد في مرحلة الانتخابات الأولية، فنجد أن الناخبين اليهود يُشكلون ربع الناخبين المشاركين في الانتخابات الأولية للحزب الديموقراطي في ولاية نيويورك، ونصف أولئك المشاركين في الانتخابات الأولية لهذا الحزب في مدينة نيويورك، مركز هذه الولاية.
وهكذا، نرى أن خيارات الناخبين اليهودي في الانتخابات الرئاسية الأولية غالباً ما تُحدد اسم المرشح الديموقراطي الذي سيدخل المنافسة ضد المرشح الجمهوري في الانتخابات النهائية.
يكتسب الصوت اليهودي قوة إضافية لكون اليهود الأميركيين يتخذون مركز الوسط في تشكيلة ذات قطبية ضعيفة يجعلهم يشكّلون “نسبة أصوات متأرجحة” لمصلحة هذا المرشح أو ذاك. ومعلوم مدى أهمية الصوت المتأرجح كعامل حاسم في المنافسات التي يتقارب فيها عدد الأصوات، إذ أن نسبة مئوية متدنية من الأصوات غالباً ما تستطيع أن تضمن فوز مرشح ما وأن تشجّع المرشحين – من هذا المنطلق – على إعطاء الوعود الضرورية لاجتذاب ناخبي الوسط الذين لا يقدرون بثمن.
2 – تمويل الحملات الانتخابية: بالنسبة إلى التمويل اليهودي للحملات الانتخابية، فإن منظمة إيباك، التي لا يحق لها قانونياً جمع التبرعات من أجل تمويل الحملات الانتخابية، تقوم بتمويل الحملات الانتخابية عبر “لجان العمل السياسي” (PACS). ويظهر اليهود الأميركيون كرماً مثالياً في تمويل الحملات الانتخابية لمرشحيهم المفضَلين. ويمكن القول أن “لجان العمل السياسي” هي أفضل أدوات الضغط والنفوذ للمجتمع اليهودي الأميركي.
وتصل قيمة مساهمات هذه اللجان في تمويل الحملات الانتخابية إلى عشرات ملايين الدولارات وما يجعل هذه المبالغ فاعلة – بغض النظر عن قيمتها – هي الطريقة التي يتم بها الإسهام إذ “يجري غالباً تمويل الحملات الانتخابية في مرحلة مبكّرة، لمصلحة مرشح غير معروف نسبياً (وهذا ما يحدث تحديداً في الحملات الرئاسية). أي في المرحلة التي يكون فيها للمبالغ القليلة الأثر الأكبر، وإذا نجح المرشح سيظل ممتناً لهذه اللجان. ومن جهة ثانية، تُخصص المبالغ – بالدرجة الأولى – للمقاعد الحساسة، أي لمقاعد لجان الموازنة والشؤون الخارجية والقوات المسلحة” في انتخابات الكونغرس.
كما يجري تخصيص بعض الأموال لمقاطعات تكاد تنعدم فيها أصوات الناخبين اليهود، وذلك بهدف إظهار أن تدخل اللوبي اليهودي عبر استخدام الأموال يمكن أن يحلّ محل تدخله عبر استخدام الأصوات سواء لدعم مرشح أو لمعاقبة مرشح آخر. من هنا يمكننا أن ندرك السبب الذي يجعل المرشحين في الانتخابات الرئاسية أو النيابية يتنافسون في إظهار حبّهم لإسرائيل وإغداق الوعود لها.
3 – طريقة عمل اللوبي: أما كيف نفسر تأثير اللوبي في رسم السياسة الخارجية الأميركية حيال منطقة الشرق الأوسط وإسرائيل؟
يمارس اللوبي نفوذه وتأثيره في رسم السياسة الخارجية عن طريق الكونغرس المخوّل التصديق على المعاهدات ومبيعات الأسلحة والحروب، والإشراف على العمليات السرية، وإقرار الموازنات (وخاصة موازنتي الدفاع والمساعدات الخارجية). كما بإمكان الكونغرس التأثير في عمل السلطة التنفيذية عبر عقد جلسات الاستماع المتعلقة بقضايا السياسة الخارجية، ومطالبته السلطة التنفيذية بتقديم تقارير حول هذه المواضيع. ويوافق الكونغرس دائماً – بأغلبية ساحقة – على أي اقتراح يتضمن إرسال المساعدات إلى إسرائيل. كما يُقرر في معظم الأحيان زيادة قيمة المبلغ الذي تطلبه الإدارة.
والجدير ذكره أن الفترة الممتدة بين العامين 1969 و1976 قد شهدت مواقف اقتراعية مؤيدة لإسرائيل بنسبة 80 في المئة داخل مجلس الشيوخ وبنسبة 86 في المئة داخل مجلس ممثلي الشعب في ما يتعلق بموضوع المساعدات. ويعتمد الكونغرس أسلوب ابتزاز الإدارة الأميركية في حال رفضت الموافقة على اقتراحاته المؤيدة لإسرائيل بحيث يقوم بالتهديد بوضع القيود على بعض الموازنات أو معارضة بعض الصفقات التي يمكن أن تشلّ عمل الإدارة الأميركية. ولا يكتفي اللوبي اليهودي بممارسة ضغوطه على الإدارة الأميركية عبر الكونغرس، بل يمارس أيضاً نفوذه المباشر على الإدارة عبر الأوساط المقرّبة منها كالشخصيات السياسية والنخب الفكرية والأكاديمية الموالية لإسرائيل، عبر الترهيب بعقاب مسؤولي الإدارة من خلال ردّات الفعل التي قد تظهر في وسائل الإعلام وفي الكونغرس وعن طريق تعبئة الرأي العام ضدهم.
تقييم قوة “اللوبي”
لا يجب أن نعتقد أن نفوذ اللوبي يمكنه أن يشلّ الإدارة الأميركية في كل الظروف، فإذا أراد البيت الأبيض أن يتحدّى الكونغرس، فإن الضغط المباشر الذي يستطيع الأول أن يمارسه على العديد من أعضاء الكونغرس يجعل منه (أي البيت الأبيض) اللوبي الأقوى، كما أظهرت المعركة التي دارت حول صفقة بيع طائرات الأواكس إلى السعودية. إذ عندما ترى الإدارة الأميركية أن المصالح الأميركية في خطر، فبإمكانها أن تتنكر لأولويات ورغبات اللوبي بجهد يسير نسبياً.
أما إذا كان حجم الضرر الذي قد يلحقه نفوذ اللوبي بالمصالح الأميركية غير واضح، فما من شيء يستطيع ترغيب صانعي القرار (الأميركي) في تحمّل التبعات الداخلية المترتّبة على الضغط على إسرائيل، (وخاصة عندما تكون هذه التبعات على شكل تراجع في الرصيد الانتخابي أو تشويه صورة الساسة الأميركيين بنظر الجمهور). ولعل هزيمة الرئيس الأميركي جورج بوش (الأب) في الانتخابات الرئاسية عام 1992 بسبب قراره تجميد ضمانات القروض الأميركية لإسرائيل دليل على قدرة اللوبي على عقاب السياسيين الذين يعارضون إرادته. لكن هل يمكن أن نعتبر نفوذ “اللوبي” هو التفسير المناسب والصحيح للعلاقات الأميركية – الإسرائيلية وأن ننسب إليه مجمل السياسة الأميركية المتعلقة بإسرائيل؟
على الرغم من كون نفوذ اللوبي يساهم إلى حد بعيد في تفسير هذه العلاقة، إلا أن قوة نفوذ اللوبي لا يمكن تفسيرها فقط بالقوة المالية اليهودية والصوت اليهودي والتنظيم المحكم للوبي، لأن هذه العوامل الثلاثة – في رأي البعض – لا تمثّل بحد ذاتها الأساس الكافي لبناء وتكوين هذه القوة المعتبرة. ويرى بعض الباحثين أن التفسير الذي يعطي دوراً جوهرياً للوبي يمكّن القادة الأميركيين من الإيحاء للعرب بأنهم في حلّ من السلوك الموالي لإسرائيل الذي تنتهجه إدارتهم، ويتيح لهم مطالبة القادة العرب بتقديم التنازلات التي تساعدهم في نضالهم ضد اللوبي الإسرائيلي. كما يمكّن هذا التفسير القادة العرب من تبرير مواقفهم الموالية لأميركا أمام شعوبهم، وإيهامهم بأنه ينبغي تمويل حملة مضادة للوبي في واشنطن.
أما بالنسبة للقادة الإسرائيليين، فإن “إيمانهم بقدرة اللوبي على فعل كل شيء يجعلهم يعتقدون أنهم مهما فعلوا سيجدوا، في واشنطن، دائماً أنصاراً ومدافعين قادرين على إبطال المحاولات التي تبذلها الإدارة الأميركية من أجل ممارسة الضغوط عليهم.
ويذهب بعض الباحثين إلى أن التفسير القائم على أساس قوة اللوبي يفتقر إلى الصلاحية العلمية لأن البراهين التي يستند إليها عاجزة عن تفسير التنافس “فوق العادي” بين السيناتورات (أو النواب) بهدف إظهار ودهم لإسرائيل، أو تفسير المزايدة بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري عبر البرنامج الانتخابي الموالي لإسرائيل. لذلك، تحتاج قوة اللوبي نفسها إلى التفسير. ولا يمكن تفسير هذه القوة إلا بواسطة عوامل ثلاثة تساهم بدورها في تفسير العلاقة المميّزة بين إسرائيل والولايات المتحدة. وهذه العوامل هي:
1 – المنزلة الرفيعة لدولة الکیان إلصهیوني.
2 – دور القوة العظمى الذي تلعبه الولايات المتحدة.
3 – البعد الأيديولوجي والثقافي للمجتمع الأميركي.
يستمد اللوبي “جزءاً من قوته من المكانة المرموقة التي تتمتع بها إسرائيل فهي بالنسبة إلى اليهود الأميركيين – قضية توحيد وتعبئة، ومدعاة للفخر، وموضوعاً يُحقق هويتهم وانتماءهم، فكون اللوبي يتبع توجيهات الحكومة الإسرائيلية يمثل مصدراً مهماً للنفوذ، لأن هذا العمل المنظم لمصلحة إسرائيل – من قبل جماعة ضغط مشكلة خصيصاً لهذا الغرض، بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية له تأثير كبير على صانعي القرار الأميركي، وذلك بسبب النفوذ المباشر لإسرائيل على صانعي القرار الأميركي نظراً لكونها دولة إقليمية ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
أما العامل الثاني، أي مكانة الولايات المتحدة العالمية، فيكمن في كون أي انتصار يحرزه اللوبي في المعارك الداخلية الأميركية يُضاعف مرات عديدة عندما يُترجم إلى السياسة الخارجية لأنه مدفوع بقوة الولايات المتحدة كاملة.
يبقى هناك العامل الثالث والأهم، وهو الثقافة والإيديولوجيا السائدان في الولايات المتحدة. إذ يعود نجاح اللوبي إلى كونه يلعب دور المناصر لإسرائيل والمدافع عنها بإسم الانتماء الأميركي – الإسرائيلي المشترك.
واضحٌ أن الشعب الأميركي يفضّل إسرائيل على الدول العربية حيث أن نحو ثلاثة أرباع الأميركيين يشعرون بالتزام أخلاقي حيال مسألة “منع زوال الدولة اليهودية”. ويظهر هذا الأمر في الأوساط السياسية والعمالية وفي الجامعات والكنائس. ويعود ذلك إلى طبيعة التركيبة الثقافية – الإيديولوجية الأميركية، إذ أن إسرائيل هي جزء من الثقافة الغربية والأوروبية وهي وجه من أوجه التراث الغربي “اليهودي – المسيحي”.
ويحدّد الباحث الأميركي ميتشيل بارد الاعتبارات التي تجعل الولايات المتحدة تشعر بالتزام أخلاقي تجاه إسرائيل على الشكل التالي: “عطفها على الشعب اليهودي لما عاناه في المحرقة النازية (الهولوكست)؛ الإرث الثقافي اليهودي – المسيحي المشترك: تشابه النظامين الأميركي والإسرائيلي من حيث أن إسرائيل هي الدولة الديموقراطية الوحيدة في منطقة تعج بالأنظمة الاستبدادية؛ عزلة إسرائيل (ذات المساحة الصغيرة والخمسة ملايين نسمة) بين مائتين وستين مليون عربي يفضلون استئصالها من العالم الإسلامي؛ إيمان الأميركيين بوجوب دعم حق الشعب اليهودي في العيش على أرضه التاريخية”.
هذا الوضع الإيديولوجي – الثقافي يُشعر المرشحين بخطأ اتخاذ المواقف غير الموالية لإسرائيل. وهو الوضع الذي ينطلق منه اللوبي في تحرّكه. فقد بات “دعم إسرائيل قيمة من قيم المجتمع الأميركي الشعبي والسياسي”. وعليه، فإن الهوية الثقافية – الإيديولوجية تحتل مكاناً مركزياً وثابتاً في تفسير العلاقة الأميركية – الإسرائيلية.
الصهيونية المسيحية
لعبت “الصهيونية المسيحية” في الولايات المتحدة دوراً كبيراً في تكريس “دعم إسرائيل” كإحدى ثوابت القيم الأخلاقية في المجتمع والثقافة الأميركيتين. وقد تعزّز نفوذ “الصهيونية المسيحية” هذه بعدما استطاعت اختراق “اليمين المسيحي” في الولايات المتحدة وهو الذي يشكّل الطرف الأقوى داخل الحزب الجمهوري.
وتعود بدايات التحالف الصهيوني – الإنجيلي إلى أواخر السبعينات عندما وضع حزب الليكود خطة عام 1978 لتشجيع الكنائس الأصولية المسيحية على تأييد إسرائيل. ففي عام 1980 اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن بالقس الإنجيلي جيري فالويل خلال عشاء احتفالي في نيويورك، تبعه بعد عام إنشاء “السفارة المسيحية الدولية في القدس المحتلة. وفي عام 1985، نشأ لوبي صهيوني مسيحي رسمي عُرف بـ”تحالف الوحدة الوطني من أجل إسرائيل” وأعلن عنه في احتفال كان المتحدث الرئيسي فيه بنيامين نتنياهو، الذي أصبح لاحقاً رئيس وزراء إسرائيل. وقد عمل نتنياهو عندما أصبح رئيساً للوزراء على تعزيز تحالف حزب الليكود مع “اليمين المسيحي” في الحزب الجمهوري ذي التأثير البالغ على الأغلبية الجمهورية في الكونغرس الأميركي خلال عهد بيل كلينتون، وحاول نتنياهو الضغط على كلينتون من خلال حلفائه المسيحيين المحافظين في الكونغرس.
والمعروف تاريخياً أن معظم اليهود الأميركيين يصوّتون لمصلحة الحزب الديموقراطي ومرشحه للرئاسة ومرشحيه للكونغرس، وقد شكّلت أصوات اليهود وأموالهم “حصان طروادة” بالنسبة للمرشح الديموقراطي للرئاسة آل غور ونائبه اليهودي جوزيف ليبرمان في مواجهة المرشح الجمهوري جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني في الانتخابات الرئاسية عام 2000. وقد أعطى معظم الأميركيين العرب والمسلمين أصواتهم لجورج بوش الإبن بحيث رجحوا فوزه على آل غور بفارق 600 صوت، إذ توقع العرب والمسلمون ومن ورائهم دولهم وشعوبهم أن يكون بوش أكثر توازناً في سياسته الشرق أوسطية مقارنة بآل غور الذي جاهر بصهيونيته خلال الحملة الانتخابية. لكن بوش الإبن ومساعديه قد فاجأوا بانحيازهم لإسرائيل، ليس العرب والمسلمين الأميركيين وأنظمتهم وشعوبهم فحسب، بل حتى اليهود الأميركيين ومن ورائهم إسرائيل، بحيث بدأت أصوات في اللوبي اليهودي تدعو اليهود الأميركيين إلى التحوّل من دعم الديموقراطيين إلى دعم الجمهوريين في الانتخابات المقبلة.
وجاءت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 لتعزّز من هذا التحالف الصهيوني – “المسيحي الأصولي” والأميركي – الإسرائيلي ضد العرب والمسلمين في فلسطين والشرق الأوسط. إذ وظّفت إسرائيل وأنصارها داخل الإدارة والكونغرس ووسائل الإعلام ومؤسسات البحث والتفكير الأميركية هجمات 11 أيلول/ سبتمبر لتعزيز مفهوم دور إسرائيل كرصيد استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط من جهة، وللتأكيد على مفهوم “صدام الحضارات” بين الغرب والإسلام من جهة أخرى.
أوباما وأصوات اليهود
زار رومني الكيان الإسرائيلي قبل أشهر وحاول أن يكسب أصوات اليهود وغير اليهود من المؤيدين لها بين الناخبين الأميركيين بإعلانه أنه يجب دعم الخيار العسكري لوقف البرنامج النووي الإيراني، في وقت لا يزال فيه الرئيس أوباما يقاوم ضغوطاً إسرائيلية وصهيونية أميركية لتبنّي الخيار العسكري ضد إيران. كما أكد رومني اعترافه بمدينة القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل، وأن أمن إسرائيل مصلحة قومية أميركية مهمة. أما أوباما فقد سعى لإرضاء إسرائيل واليهود الأميركيين من خلال تقديمه قانوناً يدعم أمن الكيان الإسرائيلي، بمنحه 70 مليون دولار إضافية لتمويل مشروع منظومة “القبة الحديدية” المضادة للصواريخ؛ وبذل الجهود لتوسيع التعاون بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي في الأمن الداخلي و”مكافحة الإرهاب” والأمن البحري، والطاقة، وإتمام الإجراءات الرامية إلى إدماج إسرائيل في منظومة الدفاع عن شرق المتوسط.
وأشارت استطلاعات الرأي الأميركية – قبل زيارة رومني لإسرائيل – إلى أن نسبة 68% من الناخبين اليهود المسجلين يؤيدون أوباما، في مقابل 25% للمرشح الجمهوري رومني .
وكشفت نتائج استطلاع للرأي أجري مؤخراً أن معظم اليهود الأمريكيين سيختارون أوباما، في حين أن استطلاعات أخرى أكدت أن شعبية المرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني، آخذة في التدهور، بسبب تصريحاته المتهوّرة، والمتعلقة بقضايا داخلية، كاتهامه لنصف الأميركيين بأنهم “يعيشون عالة على الحكومة”، وأخرى خارجية تتعلق بشأن الصراع العربي – الإسرائيلي وزعمه بأن الفلسطينيين لا يريدون السلام. وأظهر استطلاع الذي أجراه المعهد العام للأبحاث الدينية، أن 62% من الناخبين اليهود يفضلون أن يعاد انتخاب أوباما فى حين يفضل 30% اختيار المرشح الجمهوري.
وكانت استطلاعات الرأي قد أظهرت أن 78% من أصوات اليهود الأميركيين كانت لمصلحة الرئيس باراك أوباما في انتخابات 2008.
يقول الباحث المشارك في معهد الشرق الأوسط في واشنطن “بول شام”: “ليس هناك أي شك إطلاقا بأن غالبية اليهود على الأرجح نحو 60% منهم سينتخبون أوباما، كما ينبغي أن أقول بأن هناك 60 مليون من المسيحيين الإنجيليين والكثيرون منهم يميلون إلى اليمين أكثر من اليهود وأن معظم هؤلاء يهتمون بـ”إسرائيل” لأسباب إنجيلية دينية وأن رومني يود أن يبيّن بأنه إلى جانبهم، وأن الكثيرين منهم يشكون به”.
إذن يبدو أن تأثير اللوبي اليهودي يتراجع في الانتخابات الرئاسية الأميركية. كما أن أصوات اليهود الأميركيين ليست قبة القبان في هذا السباق، فهناك ملفات داخلية اقتصادية واجتماعية وملفات خارجية، غير متعلقة بإسرائيل، سيكون لها التأثير في توجّه الناخبين. حتى العوامل التي تؤدي الى تصويت اليهود الى جانب هذا المرشح أو ذاك لا تتعلق بالموقف من إسرائيل فقط، بل هناك المصالح السياسية والإقتصادية لليهود في الولايات المتحدة. ولعل معرفة أوباما لإتجاهات الرأي لدى اليهود في الولايات المتحدة مكنته من الوقوف في وجه نتنياهو مؤخراً، ورفضه توجيه ضرية عسكرية ضد إيران.