بين طريقين
صحيفة الوطن السورية-
منذر عيد:
في القراءة العامة والواقعية البسيطة لشن تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي هجوماً على مواقع تنظيم «جنود الشام الإرهابي» في جبل التركمان في ريف اللاذقية، واستسلام متزعمه مسلم الشيشاني، مع 70 من مسلحيه، ليس سوى اقتتال «إخوة أعداء» فيما بينهم، وإرهاب يأكل إرهاباً، وخاصة أن كلا التنظيمين يشكلان أفرع لـ«القاعدة» في سورية.
إلا أن لسيطرة «النصرة» مدفوعة بأمر من سيدها النظام التركي على مواقع «جنود الشام» وطردهم من خريطة الجغرافيا لمحافظة إدلب وريف اللاذقية الشمالي، أهدافاً وغايات أخرى تتجاوز الحسابات الميدانية والعسكرية، بالنسبة للأولى وسيدها التركي، فهي بمنزلة إعادة تقديم أوراق للحصول على تأشيرة أميركية تستطيع «النصرة» من خلالها سلوك الطريق إلى واشنطن، لذلك كان الذهاب إلى جبل التركمان بالنسبة لـ«الجولاني» هو الذهاب إلى واشنطن، على حين تعتبر بالنسبة للسيد التركي وثيقة على التزامه بتفاهمات «سوتشي» مع الجانب الروسي بما يخص إدلب، لجهة فرز التنظيمات الموجودة على أرض إدلب والقضاء على التنظيمات الإرهابية فيها، وتساعده للقيام بالخطوة التالية لاحقا وهي وضع طريق عام حلب اللاذقية «M4»، بالخدمة وفقاً لـ«سوتشي» 2020 ، مقابل ظن النظام التركي إمكانية شراء مناطق أخرى في ريف حلب «تل رفعت» بثمن تلك الخطوة في إدلب. مثالاً، أو بما يشكل مقايضة بين هذا وذاك.
يبدو جلياً استثمار «النصرة» ومتزعمها أبو محمد الجولاني في عمليات إقصاء ما يتم تصنيفه «التنظيمات المتشددة»، من خلال إظهار نفسه على أنه قادر على السيطرة على تلك التنظيمات، وتفكيكها، للظهور أمام المجتمع الدولي بـ«المعتدل» وتقديم نفسه خاصة للجانب الروسي والأميركي على أن تنظيمه تيار سياسي محلي بعيد كل البعد عن المسلحين الأجانب، وهو قابل للتفاوض مع الجميع، وهو ما أكده «الجولاني» خلال لقائه مع الصحفي الأميركي مارتن سميث في شهر شباط الماضي بأن «هيئة تحرير الشام» الذي تتخذ منها «النصرة» غطاء لها، لا تحمل تهديداً لأمن أوروبا وأميركا، وهي ليست نقطة انطلاق لتنفيذ ما أسماه «الجهاد الأجنبي».
فعل «الجولاني» بالهجوم على معاقل «الشيشاني» جاء بلا أدنى شك بدافع وأمر من النظام التركي، الذي يسعى جاهدا لتبرئة «الهيئة» من الإرهاب، ونزع ثوب «الجهاد» عنها، وإلباسها لباس المعارضة العلمانية، الأمر الذي انشغل عليه في مظهر «الجولاني» خلال ظهوره على شاشات التلفزة الأميركية ببرنامج الصحفي سميث، وهو ما كشفت عنه قناة «وارغونزو» الروسية في تموز الماضي في تقرير لم يستبعد أن يصبح القضاء على أتباع «الشيشاني» وخلايا صغيرة من تنظيم داعش الإرهابي، وتنظيم «حراس الدين» التي ترفض الانصياع للقواعد التركية الجديدة، نوعاً من بطاقة دخول لـ«الهيئة» ومتزعمها الجولاني للمجتمع الدولي.
وفي إعراب فعل «الجولاني» بالقضاء على «جنود الشام»، إنما هو نتيجة استعاره بحرارة نيران الحرب التي باتت على تخوم معاقله، ولسماعه صوت أقدام المجتمع الدولي وهي تسلك أول الطريق إلى دمشق، طريق بدأت العديد من الدول بإعادة ترميم وبناء ما دمرته من جسور عليه، مسترشدين بالضوء الأخضر الأميركي الذي أضاءته واشنطن لإيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر سورية، وتلاه لاحقا العديد من اللقاءات الدبلوماسية التي أجراها وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد مع ساسة ودبلوماسيين عرب وأجانب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، ولتتواتر الأخبار عن أحدث الخطوات العربية تجاه دمشق، ولتنقل وسائل إعلام تأكيد مصادر مطلعة على أن المسار العربي وتحديدا الخليجي تجاه سورية مختلف كليا، وتكشف المصادر أن شخصياتٍ لبنانية ومن الدائرين في الفلك السعودي سمعوا من أحد المسؤولين السعوديين كلاماً واضحاً بأن محمد بن سلمان أخبرهم أن السعودية أخطأت بحق سورية والرئيس بشار الأسد، موجها اللوم إلى السياسات السعودية السابقة في هذا المجال.
بعد الطريقين، لا يعني عدم ارتباط بعضهما بالبعض الآخر بشكل أو بآخر، خاصة لجهة إدراك النظام التركي أن تغير المزاج الدولي تجاه دمشق يؤدي وبشكل طبيعي لحالة من الضغط على وجوده غير الشرعي كمحتل في سورية، ويسقط من يده ورقة السمسرة بورقة المعارضة أيا كان شكلها وتسميتها، مع اعتراف جميع من حشد ودعم ومول الحرب الإرهابية على سورية بخطأ ما ارتكبوه، وبأن الواقع يقتضي حل الأزمة في سورية، ووجوب القضاء على الإرهاب وجميع الأشكال المسلحة الخارجة عن سيادة الدولة السورية.