بين سباق النفوذ والنووي الايراني…أي خيار يبقى لاوباما؟
مجلة الثبات اللبنانية ـ
د. ليلى نقولا الرحباني:
تتجه أنظار العالم إلى ما ستؤول إليه المفاوضات الجارية بين إيران والقوى الكبرى حول برنامجها النووي، والذي من المفترض أن يكون الشق السياسي منه جاهزاً بحلول نهاية شهر آذار الحالي، بينما يكون التوقيع على الاتفاق النهائي في الثلاثين من شهر حزيران المقبل.
بالطبع، ستكون لهذا الاتفاق – في حال إتمامه – نتائج إيجابية جداً على الداخل الإيراني، حيث سيكون هناك انتعاش للاقتصاد الإيراني الذي يعاني من العقوبات الدولية المفروضة عليه، والتي أدّت إلى رفع مستويات البطالة لدى الشباب، والتي ترافقت مع تقليص في مستوى الحريات بعد اندلاع التظاهرات في ما يسمى “الثورة الخضراء”.
من ناحية الدول الكبرى، فسيكون لهذا الاتفاق نتائج إيجابية أيضاً على صعيد الاتفاقات الاقتصادية بين إيران والأوروبيين والأميركيين والصينيين، حيث سيُفتح السوق الإيراني الواعد أمام الشركات الغربية والصينية وسواها.
أما بالنسبة إلى الدول الإقليمية، فنلاحظ أن الأتراك والسعوديين يدركون جيداً أن توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى سيجعل من إيران دولة لا تُهزم في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد ازدياد نفوذها في كل من العراق واليمن وسورية ولبنان، كما يدركون أن لا بد لهما من محاولة احتواء هذا النفوذ الذي يزداد توسعاً وتجذراً، لاسيما بعد المعارك التي يقوم بها العراقيون لطرد “داعش”، والتي يعرف العالم أنها بإشراف وتوجيه إيرانييْن، لذا فإن كلاً من الدولتين تحاولان التسابق مع الوقت والقيام بما يلي:
بالنسبة إلى تركيا، تحاول أنقرة أن تثبت موطئ قدم لها في المعركة المقبلة لتحرير الموصل في العراق، أي أن تقوم الميليشيات السُّنية التابعة لها في العراق بتحرير الموصل والمناطق السنية العراقية بدون الاتكال على ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من الإيرانيين، لكن المشكلة تكمن في أن قيام تركيا بهذا الامر، وحجز موطئ قدم لها في العراق، يوجب عليها إعلان موقف واضح وصريح بمحاربة “داعش”، خصوصاً أن برنامج تدريب “المعارضة السورية المعتدلة” يبدو أنه لا يسير على ما يرام، وإلا لما حاول القطريون والأتراك دفع “جبهة النصرة” للتخلي عن “القاعدة”، ليتمّ تبنيها على أنها المعارضة “المعتدلة” المطلوبة أميركياً.
أما بالنسبة إلى السعودية، فبالرغم من محاولة الملك السعودي الانقلاب على إرث سلفه الملك عبدالله، إلا أن السعودية تعيش قلقًا وجودياً، يترافق مع الخوف من توسع النفوذ الإيراني صوب حدودها، وتطويقها في العراق واليمن، والمقلق أكثر بالنسبة للسعوديين، هذا الإصرار الأميركي على التفاهم مع إيران، وما يُسرَّب عن إمكانية قبول الأميركيين بتسوية سورية تبقي الأسد في الحكم، لذا لن يكون أمامهم سوى التهديد بتخريب أي تسوية لا تأخذ مصالحهم بعين الاعتبار.
أما بالنسبة لحجز موقع واضح في الشرق الأوسط، فتحاول السعودية من خلال طرح فكرة “القوة العربية المشتركة”، والتي تتشاطر ومصر في طرحها، أن تكون محاربة الإرهاب بطريقة جماعية مؤلفة من الدول العربية، وبهذا تقطع الطريق على كل من الإيرانيين والأتراك للقيام بهذه المهمة وقطف النتائج السياسية.
وهكذا، ومع التسابق الإقليمي الحاصل، ومع “الهمروجة الإعلامية” التي قام بها نتنياهو وأعضاء الكونغرس الجمهوريين، سيكون أمام الرئيس باراك أوباما خيارين؛ إما السير بالاتفاق وحفظ ماء وجهه والتغلب على نتنياهو في أميركا، علمًا أن نتنياهو كان قد غلبه في الداخل الأميركي عام 2010، ودعم منافسه الرئاسي ميت رومني عام 2012، أما الخيار الثاني فيكون عبر التراجع عن توقيع الاتفاق أو تأخيره، وإعطاء المجال للجمهوريين ومعهم نتنياهو بالادعاء أن ما قاله هذا الأخير كان محقاً، وواجباً قام به لتنبيه الرئيس “المتردد” الذي لا يعرف مصلحة بلاده.
أمام هذين الخيارين، لم يتبقَ لأوباما الكثير لفعله لحفظ ماء وجهه، والحفاظ على ما تبقى من هيبة إدارته سوى الدفع نحو توقيع الاتفاق مع الإيرانيين، وبهذا يكون نتنياهو خدم الاتفاق النووي مع إيران ولم يضرّه، أما في حال رضوخ الرئيس الأميركي للابتزاز “الإسرائيلي”، فهذا سيجعله يقضي مدة حكمه المتبقية وهو في أضعف حالاته، ما سينسحب على كافة الملفات الأخرى في الشرق الأوسط، وعلى قبول الدول الأخرى بالخضوع للأوامر الأميركية.