بين حرب تموز 2006 وحرب تشرين 2012 .. اسرائيل مهزومة وستضطر لوقف مغامراتها في المنطقة
صحيفة المنـــار الصادرة في فلسطين المحتلة عام 1948:
هذا التقرير هو محصلة للقاءات مع محللين سياسيين واعلاميين اسرائيليين، يتناول حرب لبنان الثانية في العام 2006 وحرب غزة الثانية في العام 2012، من حيث ابعادهما وأهدافهما وتأثيراتهما وحدتهما، وفي هذا التقرير تعترف هذه القيادات السياسية والاعلامية، بهزيمة اسرائيل وقوة المقاومة وقدراتها الكبيرة المتطورة.
يجمع هؤلاء على أن حرب غزة الاولى “الرصاص المصبوب” كانت حربا بكل ما في الكلمة من معنى، ومن شارك في تلك الحرب يدرك ذلك جيدا، وينقل هؤلاء عن مشاركين في الحرب المذكورة أنهم خاضوا مواجهة شرسة مخيفة، وشعروا برعب رهيب من أي جسم يتحرك، غير أن ما جرى في المناطق الجنوبية على حدود اسرائيل هذه المرة أمر صعب وأخطر بعشرات المرات مما كانت عليه حملة الرصاص المصبوب. ويقول المحللون والاعلاميون الاسرائيليون أن جزءا كبيرا من الضباط الذين قادوا المعارك في المواجهة الاخيرة مع المقاومة في غزة كانوا قد خاضوا على فترات حرب لبنان الثانية، هؤلاء يرون في هذه الحرب انها لم تكن موفقة منذ البداية، فعملية استهداف أحمد الجعبري بنيت على تقديرات مستقبلية خاطئة وغير صحيحة، وما شهدناه يثبت عدم صحتها، فالمقاومة الفلسطينية قصفت مدنا في وسط اسرائيل، وهي ما زالت محتفظة بقدرتها وقوتها، وخاصة في مجال الاطلاق الصاروخي، على عكس ما كان عليه الحال في حملة الرصاص المصبوب، آنذاك كان هناك تراجع في عدد الصواريخ كلما طالت مدة الحملة، ومن خلال حرب غزة الثانية نشتم رائحة حزب الله من حيث القدرة على ضرب الاهداف وبصورة مكثفة، فالاسلوب شبيه الى حد كبير بأسلوب حزب الله، وهنا، يجب عدم تجاهل أن البنية التحتية الصاروخية في غزة بنيت بأيدي خبراء من ايران وحزب الله.
ويرى هؤلاء أن اسرائيل لم تكن ترغب رغم تصريحات قادتها النارية الذهاب الى حرب برية في غزة حيث برزت اشارات تمنع ذلك ومن بينها شدة القصف الصاروخي للمقاومة ونصائح بعض أصدقاء اسرائيل، كما أن اسرائيل تخشى من جبهات اخرى، حيث أن العقول في المؤسسة العسكرية منشغلة بما يحدث على الجبهة الشمالية..
ويعترف المحللون والاعلاميون الاسرائيليون بأن اسرائيل هزمت في حرب لبنان الثانية، واليوم تخسر الجولة مع المقاومة الفلسطينية في غزة، وما يحدث اليوم من تحرك هو شبيه الى حد كبير عشية المعركة ضد حزب الله وخلالها وبعد هذه المعركة، فجولة وزيرة الخارجية الامريكية في المنطقة يعيد الى الذاكرة زيارات كوندليزا رايس في حرب لبنان الثانية.
كما أن حجم المعلومات التي حصلت عليها اسرائيل وجعلتها واثقة من قدرتها على سحق قدرة حماس والجهاد العسكرية، هو نفس حجم المعلومات التي حصلت عليها اسرائيل قبل ساعات أو أيام قليلة من اعلان الحرب على حزب الله، وفي الحالتين كانت التقديرات والمعلومات ناقصة وغير مكتملة وليست دقيقة، والادوات التي نشطت سرا وعلانية في الحربين ثبت عجزها وعدم كفاءتها، وما يؤكد حقيقة أن اسرائيل حصدت الفشل في قطاع غزة، هو زيادة الضربات التي توجهها اسرائيل ضد المباني والرموز السيادية للمقاومة، وهذا العمل يقوم به عادة الفاشل والعاجز.
ويضيف هؤلاء أن حالة الثوران العاطفي المؤيد للمقاومة في العالمين العربي والاسلامي، شبيهة الى حد كبير بحالة التعاطف مع حزب الله في حرب لبنان الثانية، لكن، الظروف المحيطة اليوم مختلفة، وامكانية استغلال ذلك، يمكن أن يأخذ اشكالا متعددة توجه الى ساحات لم تكن نعاني من حالة عدم الاستقرار، كما هو الحال اليوم، فحالة التعاطف الكبير مع حزب الله استغلتها بعض الاطراف انذاك، لرفع اسهمها عبر اعلان مواقف داعمة للمقاومة، كما فعلت قطر من خلال ضخ أموال في الساحة اللبنانية، والتقرب من المعسكر الرابح الفائز بمشاعر العرب، وأصبحت الدوحة قناة التواصل مع حزب الله والاطراف الداعمة له، وبعد أن كانت معشوقة في هذا المحور غادرته وهجرته بعد هبوب رياح ما يسمى بالربيع العربي لتصبح فجأة عاشقة للحرية وحقوق الانسان، وهي اليوم تعشق غزة وحماس تريد أن “تقدس قذائف الفجر”، فالدوحة تسعى لاستغلال “الفجر” لتحصل على لحظات “الشروق” التي تلي هذه الحرب، وقد توجه أشعة التأثير لحسم أمور ومسائل في ساحات اخرى مستغلة هذه “الهالة”، وهذا ما يسمى بـ “الانتقال بين المعسكرات”، ان هذه من أوجه الشبه بين الحربين، اضافة الى حقيقة الرعب في العمق الاسرائيلي.
لقد خسرت اسرائيل الحرب أمام حزب الله، النواة الحقيقية لقوة عسكرية تمكنت من الانتصار عليها، وفي غزة انتصرت المقاومة على اسرائيل وهزمت القيادة العسكرية ، رغم وقف النار، ويشير هؤلاء الى أن نتنياهو كان يتحدث عن أنه لا يخشى الذهاب بعملية برية الى قطاع غزة، لكنه، في الساعات الاخيرة بدأ يتحدث عن تفضيل الحل السياسي، وهو يرغب بالحصول على ما حصل عليه اولمرت من حضن أمريكي دافىء، ويد امريكية مساندة تساعده على النزول عن شجرة غزة العالية.
ونتنياهو “العاق” سيضطر الى دفع ثمن كبير للتوبة والعودة الى الحضن الامريكي، في حال فاز مرة أخرى في الانتخابات، وهذه مسألة أصبحت غير مضمونة، وهذا ما عكسته في الساعات الاخيرة الاتهامات داخل المستوى السياسي، وهو ما سنبدأ بسماعه بعد أن انخفضت وتلاشت اصوات الصواريخ والمدافع في قطاع غزة، واعتقد نتنياهو أنه يجيد اللعب ليس فقط اللعب السياسي واختيار الكلمات، بل اللعب العسكري واللعب بالنار واختيار الاهداف وهو ما ثبت فشله، وسوف يضطر الى دفع الاثمان، وأولها سيكون تحاوبا اسرائيليا كاملا لما سيدعو اليه حلفاء امريكا، الذين سيقومون بتفعيل آلية اعادة الاعمار في غزة من خلال عقد مؤتمر استثنائي، حيث يرون في ذلك التجفيف الحقيقي للمقاومة.
ويؤكد المحللون والاعلاميون الاسرائيليون أن اسرائيل مقبلة على مرحلة جديدة في المنطقة، وعليها أن تتعلم كيف تتفاوض مع الاعداء، وأن لا تحاول من جديد الرهان على الولايات المتحدة، وتوفير المظلات الآمنة لها، فواشنطن تؤمن بأن رسم شكل المنطقة من جديد لا يتم بالتدخل العلني والمباشر، بل عبر أدوات ثانوية ومقاولين محليين في المنطقة يساهمون في تسريع الوصول الى ما تسعى اليه دون دفع اثمان من دماء ابنائها، والأهم، أن على اسرائيل أن تنتظر، حتى تدع عاصفة الربيع العربي تنهي جولتها في المنطقة، وتتوقف عن المغامرات في منطقة مليئة بالمفاجآت.