بين “الرغبات” السعوديّة و”النصائح” الأميركيّة خيارات 14 آذار “أحلاها مر”
صحيفة الديار اللبنانية ـ
ابراهيم ناصر الدين:
الحديث عن فرصة أخيرة يجري التداول بها لتشكيل حكومة جديدة وفق صيغة ستوزع الحصص فيها على ثلاث ثمانيات، سواء كانت على قاعدة سياسية غير حزبية ومن دون ثلث معطل ومن دون ودائع، أو عكس ذلك، لن يغير الكثير من الوقائع ولن يؤثر في التبعات المرتقبة «لعاصفة الجنون»التي تضرب المنطقة، ولكن نجاح هذه الخطوة قد تؤدي الى التقليل من الاضرار ولن يمنع من وقوعها.
وفي هذا السياق تشير اوساط سياسية مطلعة على المفاوضات الدائرة حاليا، بان ولادة حكومة توافقية جديدة، اذا ما حصل، لن تكون لها أي تاثيرات مباشرة على الوضع الامني الذي يبدو منعزلا عما يدور اليوم من اتصالات لايجاد صيغة توافقية مقبولة لحكومة «مرحلية» تدير شؤون البلد وتجنبه «الانفجار الشامل» دون ايجاد حلول للمواجهات الجانبية المرشحة للتصعيد على وقع استمرار الخلاف السعودي الايراني على أدارة ملفات المنطقة. هذا الهدف «المصلحي» والآني هو الذي فتح «نافذة» للتفاوض بين «المتخاصمين» المختلفين على كل شيء، الا على «رهبة» الدخول في مواجهة مباشرة. وفيما حسم حزب الله خياراته لمنع «انهيار» لا يرغب به، فان حالة الانتظار لدى قوى 14 آذار سببها استمرار النقاش بين رعاتها الاقليميين والدوليين حول الاسلوب الامثل لضرب حزب الله واضعافه دون التسبب بأضرار مباشرة لهذا الفريق في لبنان. فهل تنتصر النظرية السعودية التي تتمسك بمعادلة «المواجهة الشاملة» والمفتوحة مع الحزب، او يستطيع الاميركيون اقناع هذا الفريق بتاجيل المواجهة «الخاسرة» وترك حزب الله «يغرق»في مواجهته مع «التكفيريين؟
جزء من الاتصالات والنصائح الاميركية تقول الاوساط لقوى 14 آذار وللمسؤولين السعوديين في شأن التسوية الحكومية التي يعمل على تسويقها، وهي كانت مدار بحث قبل ايام خلال زيارة وزير الخارجية الاميركية جون كيري الى المملكة، انه لا داعي في هذه المرحلة من الدخول في «صدام» مباشر مع حزب الله على الساحة اللبنانية، في ظل الخلل الكبير في موازين القوى بين الطرفين، وهذا يتطلب من قوى 14 آذار عدم اتخاذ اي خطوات استفزازية تبرر للحزب اتخاذ خطوات ميدانية لا يريدها، ولكنه سيقول ان الطرف الآخر دفعه اليها رغم كل التحذيرات العلنية والسرية التي اطلقها قادة الحزب في الآونة الاخيرة. ووجه الاميركيون عبر سفيرهم في لبنان، ومن خلال كيري اسئلة جوهرية الى قوى 14 آذار وقيادة المملكة العربية السعودية عن المصلحة في تقديم ذريعة للحزب لمواجهة «خصوم» مرئيين فيما «يغرق» اليوم في حرب مع «اشباح»؟ وما هي الحكمة في الدخول في مواجهة غير متكافئة معه في هذه الفترة الحرجة؟
وبحسب المطلعين على فحوى «الرسالة» الاميركية فان المسؤولين الاميركيين كانوا واضحين لجهة التأكيد على عدم وجود قرار في واشنطن للتدخل لحماية احد في لبنان في هذه الفترة، خصوصا ان الادارة الاميركية لا ترغب في اي تعقيدات قد تؤثر على مسار «تطبيع» العلاقة مع ايران التي لن تتسامح ازاء اي تحرك مغطى اميركيا لاضعاف حزب الله، ولذلك جاءت النصيحة الاميركية بضرورة الحفاظ على وتيرة التصعيد الراهنة دون التسبب بانفجار كبير لا احد قادر على التحكم في نتائجه.
وبحسب المعطيات المتوافرة نصح الاميركيون من التقوهم بان يستمر العمل على «الاستثمار» الراهن على التنظيمات المتطرفة» كي تستكمل مواجهتها مع حزب الله، وهذا ما سيؤدي حكما الى انهاك الطرفين، وهذا يتطلب من جهة تامين «البيئة الحاضنة» لهم في المناطق المحسوبة على تيار المستقبل وحلفاؤه، وفي الموازاة يمكن الاستمرار في الخطاب السياسي والإعلامي ، لتعزيز فرضية ان «داعش» ومن يدور من تنظيمات في فلك القاعدة هي صناعة إيرانية- سورية، أسهم حزب الله وبقية أطراف هذا المحور، في تصنيعها وإطلاقها إلى حيز الوجود، وهذا سيساهم في «شيطنة» هؤلاء، خصوصا ان استمرار «المتركاج» الاعلامي على مسؤولية هذا المحور عن تهميش المكون السنّي سيؤدي الى اشغال هذه القوى في معركة لن تستطيع ان تربحها.
ويشرح الاميركيون نظريتهم الراهنة بالتأكيد على ضرورة الاستفادة الحالية من تقارب المصالح بين «القاعدة» وفريق 14 آذار، فتاريخ هذا التنظيم يشير بوضوح الى الاستفادة الدائمة من التناقضات وتوظيفها، وللتنظيم الدولي خبرة في «فقه الأولويات» أقله من منظور حساباته وأهدافه ومصالحه وظروفه، فهو كان حليف النظام السوري غير المباشر عندما كانت الحرب في اوجها في العراق، وعدوه اللدود اليوم، وهو كان حليفا لمحور دول الخليج ضد السوفيات، وانقلب عليهم فيما بعد، لتعود المصالح المشتركة لتجمعهم في سوريا ولبنان، اليوم يمكن تصنيفه بحليف «ظرفي»لقوى 14 آذار اليوم. واذا كانت الأولويات لدى هذا التنظيم تدفعه لخوض حرب مفتوحة على هذا المحور، فلماذا لا يتم الاستفادة من الظرف الراهن بدل الدخول في مغامرة غير محسوبة؟
لكن هل تخفى هذه الاهداف «الخبيثة»عن حزب الله؟ بالطبع كلا. لكن المفارقة الراهنة براي تلك الاوساط، ان مصلحة الحزب تكمن في معادلة بسيطة عنوانها «الهروب الى الامام» وتاجيل اي صدام داخلي مباشر مع قوى 14 آذار التي يرى فيها «تفصيلا» صغيرا في «لعبة» كبيرة سيتم تجاوزها لاحقا مع حصول اتفاق جدي بين ايران والسعودية. ولذلك لا يرغب الحزب في اي معارك جانبية أو هامشية تشتت تركيزه عن مواجهة الارهاب في الداخل، ومتابعة جهوده القتالية في سوريا.
وفي هذا السياق، لا يمانع الحزب في الخروج بصيغة حكومية توافقية تؤمن استمرار وتيرة التوتر السائد حاليا في البلاد، والتراجع عن صيغة 9.9.6 لصالح صيغة8.8.8. معدلة، جاء بعد التطور الجذري في مواقف النائب وليد جنبلاط الذي بات يشكل في ظل المعطيات الاقليمية والداخلية الراهنة «ضمانة» موثوقة في هذه المرحلة، وبالامكان الاعتماد على «وسطيته» الراجحة في الملفات الاساسية الى جانب قوى 8 آذار، لضمان عدم تهور فريق رئيس الجمهورية ميشال سليمان وقوى 14 آذار التي ستبقى منضبطة تحت «سقف» هذا التفاهم الحكومي اذا ما «ابصر النور» باعتباره مجرد «تقطيع» للوقت بانتظار الاستحقاقات الدولية والاقليمية الداهمة.
وتلفت تلك الاوساط الى ان «خسائر» الحزب من هذه «التركيبة» ستكون هامشية «بغض النظر» عما سينتهي اليه البيان الوزاري، فمجرد قبول قوى 14 آذار بالعودة الى حكومة «الوحدة» فهذا يعني اعتراف واضح وجلي بالفشل في التأثير بمجريات الاحداث، لان هذا الامر سيشكل انهيارا كاملا لشعاراتها بعدم الجلوس مع الحزب قبل انسحابه من سوريا، وهذا الامر كاف لاحراج هذه القوى التي تعرف انها رفعت شعارا لا تستطيع «انتزاعه» من الحزب لا قبل تشكيل الحكومة ولا بعده. وعمليا سيبقى الحال على ما هو عليه بالنسبة لاستراتيجية الحزب السورية، وهي «بيت القصيد» في الازمة الراهنة، وهذا يعني ببساطة شديدة أن قوى 14 آذار تكون قد حققت «انتصارا» وهميا عبر الدخول الى السلطة على «انقاذ» حكومة تصريف اعمال لم تكن يوما «طيعة» بيد حزب الله، فيما تقتصر مهمة الحكومة الجديدة على «ادارة» الازمة الراهنة، وهي قد «تموت» مع «ولادة» رئيس جديد للبلاد، أو قد يطول عمرها بمهمة وحيدة عنوانها «ملء الفراغ».
حسابات الربح والخسارة هي ما يؤخر رد قوى 14 آذار وتيار المستقبل ومعهما «الراعي» الاقليمي على الطروحات الحكومية الجديدة، فالخيارات «احلاها مر»، والبحث جار اليوم عن «التكلفة» بغياب «الغطاء» الاميركي وفي الانتظار تبدو الساعات المقبلة «ثقيلة» على هذا الفريق، فهو اما يرفض العرض الجديد ويختار خوض «مغامرة» غير محسوبة عبر تشكيل حكومة»امر واقع»، واما يقبل بالنصائح الاميركية ويرضى بتقليل الخسائر، في انتظار نتائج المعركة المفتوحة بين «التكفيريين» وحزب الله الذي يبذل جهودا مضنية لمنع الصدام الداخلي، لكنه في نفس الوقت انجز استعداداته لمواجهة أسوأ الاحتمالات.