بيان نواب الحاكم… وضعٌ للسياسيين أمام مسؤولياتهم
موقع العهد الإخباري-
علي رسلان:
من خارج المتعارف وفي سابقة بتاريخ مصرف لبنان، أصدر نواب الحاكم الأربعة وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين وألكسندر مراديان بياناً ملخصه أنه ” مع اقتراب تاريخ انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي، نرى من واجبنا التشديد على ضرورة تعيين حاكم في أقرب وقت”. وفق النواب، “لا يجوز أن ينسحب مفهوم تصريف الأعمال على السلطة النقدية الأعلى في الدولة، وإلا سنضطر لاتخاذ الاجراء الذي نراه مناسباً للمصلحة العامة”.
خلاصة القول في البيان المذكور أن نواب حاكم مصرف لبنان سيتخذون إجراء من أجل المصلحة العامة في حال عدم إقدام القوى السياسية على إنهاء الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، وتعيين حاكم جديد للمصرف المركزي. الإجراء الممكن اتخاذه اختلف المراقبون في تفسيره، لكن في قراءة متأنية يضعنا أمام حقيقة ما أراد النواب الأربعة قولها. تلك الحقيقة يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولاً: إن البيان توجه للقوى السياسية لتذليل التباينات فيما بينها والعمل على انتخاب رئيس للجمهورية، وملء الشواغر في إدارات ومؤسسات الدولة، كذلك يريد البيان أن تتحمل هذه القوى السياسية مسؤولياتها لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية، وعدم السماح بوصول مسلسل الفراغ إلى السلطة النقدية نظراً للانعكاسات الكارثية لهذا الأمر، إن حصل، على مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والمالية والنقدية في البلاد.
ثانياً: بما أن البلاد لا يمكن أن تتحمل فراغ السلطة النقدية، ولما كانت المادة 25 من قانون “النقد والتسليف” قد نصت على ما يلي: ” بحال شغور منصب الحاكم، يتولى نائب الحاكم الأول مهام الحاكم ريثما يعين حاكم جديد”، من دون التطرق بأي شكل من الأشكال لحالة حصول فراغ كلي في حاكمية مصرف لبنان، وحيث أن نائب الحاكم الأول وسيم منصوري يملك الكفاءات والمؤهلات للقيام بالمهمة، وهو بحسب مصادر وثيقة الصلة بالملف، جاهز لتحمل مسؤولياته على أكمل وجه، فإن إمكانية استقالته والنواب الآخرين تبقى قائمة للضغط على السلطة السياسية من أجل تعيين حاكم، أو بالحد الأدنى إعطاء النائب الأول أدوات كي يستطيع إدارة الملف، من دون قيود، وتلفت المصادر إلى أن منصوري لا يرضى بأن يتسلم مهام الحاكم وهو مكبل اليدين ولا يملك إمكانيات التصرف واتخاذ القرارات اللازمة، ولا يرضى بأن يتم تحميله تبعات شغور منصب الحاكم.
ثالثاً: في حال حصول الاستقالة ــ والتهديد بها جدي ــ كما تؤكد المصادر ، فإن قبولها مناط بالسلطة التنفيذية، وهي في هذه الحالة لن تسمح بتعطيل مصرف لبنان بالكامل، لذا فإن قبول الاستقالة غير وارد، وبالتالي فإن النواب الأربعة للحاكم سيمارسون مهامهم من دون تحمل النتائج السلبية لشغور مركز رأس السلطة النقدية، ومن الممكن أن تلجأ الحكومة إلى إعطاء نائب الحاكم الأول الأدوات التي يحتاجها للقيام بمهامه، لا سيما من خلال وضع قوانين لإعادة هيكلة المصارف ومصرف لبنان، وإقرار قانون الكابيتول كونترول لتحديد آليات التعامل مع أموال المودعين، لا أن يُحمّل نائب الحاكم الأول ــ بما يمثّل ــ مسؤولية أي اقتطاع منها أو ضياعها، أو أي تحرك غير مرغوب بسعر صرف الليرة مقابل الدولار.
رابعاً: يريد نواب حاكم المركزي ببيانهم “حشر” القوى السياسية من أجل الوصول إلى نتيجة، تقيهم تسلّم كرة نار حاكمية مصرف لبنان بما فيها من مخاطر في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية المتفاقمة، والتي قد تشكل تحديا كبيراً، يحتاج إلى توافق القوى السياسية في مقاربة الأزمة، والبدء بطرح الحلول عبر إصدار التشريعات الضرورية بالسرعة اللازمة.
أمام هذا الواقع، ومع التأكيد على جدية إقدام نواب الحاكم على الاستقالة فإن القوى السياسية الراعية لهم لا يمكن أن تتحمل تبعات الفراغ الكامل في المصرف المركزي، لذلك فإن مجرد التهديد بالاستقالة قد يدفعها باتجاه البحث عن حلول تبقي السلطة النقدية على قيد الحياة، مع ما يتطلبه ذلك من العمل لتسريع الخطوات الآيلة لانتخاب رئيس للجمهورية ما يفتح الطريق لتعيين حاكم للمصرف المركزي أو إعطاء ضمانات لنواب الحاكم بمنحهم الصلاحيات والأدوات المطلوبة للعمل، وفي هذا السياق تلفت المصادر إلى أن نواب الحاكم سيدرسون ما سيقدّم لهم، ليبنوا على الشيء مقتضاه.