بوتين ينقذ أوباما والمنطقة من كارثة محقَّقة
مجلة الثبات اللبنانية ـ
د. ليلى نقولا الرحباني:
قد يكون “المخرج الكيميائي” مدخلاً ليتنفّس العالم الصعداء، بعدما تمّ حبس الأنفاس لفترة طويلة، خشية قيام الرئيس الأميركي باراك أوباما بمغامرة غير محسوبة النتائج، تؤدي إلى إشعال منطقة الشرق الأوسط بشكل كامل.
المخرج “الكيميائي” الروسي القاضي بدخول سورية إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية يحاول “ضرب عصفوريْن بحجر واحد”؛ يخلّص أوباما وأميركا من نتائج كارثية لسياسة أميركية حمقاء قادها تهوّر خليجي – تركي، ويضمن عدم دخول المنطقة في حرب قد تؤدي إلى اشعال نار لا يستطيع أحد السيطرة عليها وإطفاءها.
بتقييم هذا المخرج الذي ابتدعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجد ما يلي:
– على الصعيد الأميركي والدولي:
أ- وجد الروسي لأوباما المربك داخلياً وخارجياً، حلاً يستطيع معه أن يتراجع عن تهديداته مع حفظ ماء وجهه، خصوصاً بعدما تبيّن أن الكونغرس بمجلسيْه سيخذل الرئيس في مغامرته المتهورة.
ب- أنقذ الروس الاقتصاد العالمي من كوارث حتمية تضاف إلى كوارثه السابقة التي سببتها القيادة الأميركية للعالم، فها هي البورصات العالمية تعود إلى الارتفاع، بعدما تراجع خيار الحرب.
ج- عرّى الروسي دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا من ورقة التوت التي تتستّر بها لتنفيذ سياسات عدوانية على سورية، وأظهر للعالم أن من يحفظ السلام العالمي والقانون الدولي هي روسيا وليست الدول الغربية، التي ظهرت وكأنها مجموعة مرتزقة في السوق الخليجية، خصوصاً بعدما أعلن كيري – في جلسة الاستماع – أنهم تلقوا عرضاً مغرياً جداً لا يمكن رفضه كثمن للضربة العسكرية التي تؤدي إلى الإطاحة بالأسد.
أما سورياً، فيمكن القول إن الخيار السوري بالذهاب إلى توقيع معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، يفيد بما يلي:
أ- بالنسبة إلى الدخول في المعاهدة والالتزام بمترتباتها، فهو أمر مقبول وعادي في ممارسات الدول، ولا يُعدّ تراجعاً أو انهزاماً، فعدد الدول المنضوية في المعاهدة كان قد بلغ مؤخراً 189 دولة من جميع أنحاء العالم، ولم يتبقّ سوى العدد القليل من الدول التي لم تدخل أطرافاً، ومنها مصر وسورية و”إسرائيل”.
ب- الحديث عن خسارة التوازن الاستراتيجي مع “إسرائيل” بسبب افتقاد سورية للسلاح الكيميائي، لا يبدو واقعياً، فالسلاح الكيميائي بات يعتبر عبئاً على صاحبه، وعلى الرغم من أن امتلاك السلاح الكيميائي لا يُعدّ جريمة بحد ذاته – كما هي حال أسلحة الدمار الشامل النووية – إلا أن استعماله، وتحت أي ظرف من الظروف، يُعدّ جريمة دولية كبرى لا يمكن الإفلات من تبعاتها الجنائية، كما أن التطور الدولي في مكافحة استعمال الأسلحة الكيميائية فرض حظر استخدام تلك الأسلحة، في أي ظرف، حتى كردّ على هجوم يشَنّ باستخدام مثل تلك الأسلحة.
ج- بناء على المعاهدة، يكون على الدولة السورية أن تتعهد بألا تقوم باستحداث أو إنتاج الأسلحة الكيميائية أو حيازتها أو تخزينها أو الاحتفاظ بها أو نقلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أيٍّ كان، كما يترتب عليها أن تدمّر مخزونها وأي مرافق لإنتاج الأسلحة الكيميائية تمتلكها.
د- بموجب الاتفاقية، يترتب على سورية تقديم تقارير دورية عن مخزونها وآليات تدميره، كما تلتزم باستقبال فرق التفتيش التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية على أراضيها، للتحقق من قيامها بتدمير الترسانات الموجودة والقيام بعمليات رقابة دورية منتظمة في المصانع الكيميائية، للتحقق من أن بعض المنتجات الكيميائية الواسعة الاستخدام في أغراض مدنية مشروعة، لا تستخدم بوجه غير قانوني لإنتاج أسلحة كيميائية.
هـ- الخطير في الأمر، وهو من الأمور التي يجب التنبه إليها في الموضوع السوري، وقد تكون الدولة السورية قد أخذت ضمانات روسية جدية، لئلا تتكرر على أرضها مشاهد المفتشين الذين أخلّوا بسيادة العراق واستباحوه للاحتلال، وهو أنه عند توقيع الاتفاقية، تتعهد الدولة الطرف بالتقيد بالمبدأ القاضي بإجراء عمليات تفتيش في أراضيها “في أي وقت وفي أي مكان”، من دون أن يكون لها الحق في أن ترفض ذلك، علماً أن الاتفاقية تتيح إمكانية إجراء “تفتيش بالتحدي”، أي تفتيش مستعجل يُجرى بناءً على شكوك (المادة التاسعة من الاتفاقية)، وهذا التفتيش يتيح لأي دولة طرف تساورها شكوك بشأن امتثال سورية لبنود الاتفاقية، أن تطلب من المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن يوفد فريق تفتيش إلى الدولة المشكوك في امتثالها. إن عدم التنبّه إلى هذا الموضوع قد يكرر السناريو العراقي بأن تقوم أي دولة طرف في الاتفاقية بالتشكيك بامتثال سورية لبنود المعاهدة، وبالتالي تطلب من المنظمة أن ترسل مفتشين للتحقق، وهو ما قد ينتهك السيادة السورية ويبقي الباب مفتوحاً للتهديدات بضربات عسكرية.