بوتين يعتبر الإصلاح الدستوري أهم شروط التسوية السورية
أعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإصلاح الدستوري الذي تتبعه انتخابات برلمانية ورئاسية أهم شروط التسوية السياسية للأزمة السورية.
وقال بوتين في حديث لصحيفة “بيلد” الألمانية وأورده موقع قناة “روسيا اليوم” الإلكتروني “أما القضية السورية فأعتقد أنه يجب المضي قدما بإتجاه الإصلاح الدستوري، وهذه العملية تعد بالطبع معقدة، وبعد إتمامها يجب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة على أساس الدستور الجديد”.
وأشار الرئيس الروسي إلى أن تحقيق الاستقرار والأمن في سوريا وإعداد الظروف الملائمة لتنمية الاقتصاد ورفاه الناس ليفضلوا العيش في بيوتهم بوطنهم بدلا من الهرب إلى أوروبا، لن يكون واردا إلا في حال حدد الشعب السوري وحده من سيحكم البلاد وكيف سيفعل ذلك.
وقال الرئيس الروسي “لا نريد أن تتطور الأوضاع في سوريا على غرار مجريات الأحداث في ليبيا أو العراق”.
وأكد بوتين ضرورة بذل قصارى الجهد من أجل تعزيز السلطة الشرعية في دول المنطقة، بما فيها سوريا، وضرورة إحياء وتعزيز المؤسسات النامية للسلطة في دول مثل العراق وليبيا وتحقيق الاستقرار في الصومال والدول الأخرى، وتعزيز السلطة في أفغانستان.
وأكد بوتين دعم روسيا العمليات العسكرية التي تنفذها المعارضة المسلحة ضد “داعش” وقال “ننسق معهم أعمالنا المشتركة وندعم عملياتهم الهجومية في مختلف مناطق الجبهة من خلال الضربات التي يشنها سلاحنا الجوي، ويدور الحديث عن مئات بل آلاف المسلحين الذين يحاربون “داعش”. ندعم كلا من جيش الأسد والمعارضة المسلحة، وأكد بعضهم هذا الأمر علنا فيما يفضل الآخرون الصمت، لكن العمل يجري على قدم وساق”.
ووصف الرئيس الروسي بالكاذبة الاتهامات التي توجه من الغرب إلى روسيا بأنها تضرب المعارضة السورية بدلا من “داعش”، وقال بوتين “يكذبون كلهم، أنظروا بأنفسكم، الشرائط المصورة التي تستخدم للتأكيد على هذا القول ظهرت قبل بدء طيارينا بتوجيه الضربات على مواقع الإرهابيين، هناك أدلة تثبت هذا الأمر، لكن منتقدينا يسعون إلى تجاهلها”.
وأشار الرئيس الروسي إلى تجنب الصحافة الغربية الإشارة إلى حادث قصف الطيارين الأمريكيين لمستشفى تابع لمنظمة “أطباء بلا حدود” في مدينة قندوز بأفغانستان، والذي يعتقد أنه حصل بالخطأ، لكنه أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بما في ذلك بين الأطباء “تطرقوا مرة أو مرتين إلى ما حدث، بسبب وجود أجانب من “أطباء بلا حدود” بين الضحايا، ووضعوا كل شيء على الرف. ومن يذكر الآن حادثة قصف حفلة الزواج (بأفغانستان)، التي أسفرت عن مقتل أكثر من مائة شخص؟”.
وتابع الرئيس أن الصحافة الغربية خلافا لما سبق تنشر دائما معلومات مزيفة حول شن الطيارين الروس ضربات على مواقع مدنية، وقال “يمكن أن نعترف بأن طائراتنا توجه ضربات لمثل هذه المواقع إذا اعتبرنا (أنابيب النفط الحية)، التي تتكون من آلاف شاحنات الوقود والنفط، مواقع مدنية، لكنها تتعرض لضربات من قبل الجميع بمن فيهم الأمريكيون والفرنسيون والآخرون”.
وأشار الرئيس الروسي إلى وجود علاقات جيدة لروسيا مع إيران وعلاقات تعاون دائم مع السعودية، منوها بأن اختلاف وجهات النظر بين السعودية وإيران يجعل العمل على تسوية الأزمة السورية وحل قضيتي مكافحة الإرهاب ووقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا أكثر صعوبة.
وقال بوتين “لا أعرف إذا كان هذا سيؤدي إلى اندلاع نزاع إقليمي واسع النطاق ولا أريد أن أتحدث عن هذا الاحتمال أو حتى التفكير فيه”.
وعبّر عن الأسف لما حدث بين البلدين، منوها بأن روسيا تخلت عن الإعدام رغم مرورها بفترة مكافحة الإرهاب الصعبة جدا في التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الجاري، ومشيرا إلى بقاء أحكام الإعدام في دول مثل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى.
وقال بوتين “نشعر بالأسف إزاء ما حدث، لا سيما أن هذا الداعية لم يحارب ضد السعودية حاملا السلاح، وفي الوقت نفسه نعتقد أن الهجوم على السفارة أمر غير مقبول على الإطلاق في العالم المعاصر”.
وأشار الرئيس إلى اعتقال السلطات الإيرانية عددا من المحرضين على الاضطرابات، كما عبّر عن استعداد روسيا للقيام بكل ما بوسعها من أجل وضع نهاية للنزاع في أقرب وقت ممكن.
واعتبر الرئيس بوتين أن أنقرة أهانت نفسها عندما توجهت إلى الناتو وطلبت الحماية منه بعد أن أسقطت قاذفة “سو-24” الروسية في أجواء سوريا.
وكانت حادثة إسقاط القاذفة من قبل مقاتلة تركية يوم الـ24 من نوفمبر فوق ريف اللاذقية الشمالي، قد تسببت بأزمة غير مسبوقة في العلاقات الثنائية بين موسكو وأنقرة، إذ مازال الجانب التركي يرفض الاعتذار عن إسقاط الطائرة الحربية ويزعم أنها اخترقت أجواءه.
وأردف بوتين تعليقا على التطورات ما بعد إسقاط القاذفة: “إن القيادة التركية بدلا من أن تحاول تقديم إيضاحات لنا بشأن الجريمة الحربية المتمثلة في إسقاط قاذفتنا التي كانت توجه ضربات للإرهابيين، توجهت إلى مقر حلف الناتو بحثا عن الحماية. ويبدو ذلك أمرا غريبا جدا ومهينا لكرامة تركيا نفسها”.
وأكد الرئيس الروسي أن المشاكل في العلاقات الثنائية بين موسكو وأنقرة غير مرتبطة بعضوية تركيا في الحلف.
وأضاف بوتين: “لا أحد يعتدي على تركيا. وإذا كانت لأنقرة مصالح ما في العالم وفي الدول المجاورة، فهل يعني ذلك أن الناتو ملزم بحماية وضمان جميع هذه المصالح؟”.
وفي الوقت نفسه أعرب بوتين عن أمله في أن “مثل هذه الحوادث لن تؤدي إلى أي مواجهات واسعة النطاق”. لكنه أكد أن روسيا، في حال واجهت مخاطر ما، ستدافع عن مصالحها الأمنية بجميع الوسائل المتاحة والمتوفرة لها.
من جانب آخر نفى بوتين أن تكون لروسيا أي طموحات في أن تقوم بدور أعظم دولة في العالم، قائلا: “إن (مثل هذه الطموحات) أمر باهظ الثمن ولا داعي له”.
وتابع بوتين: “كنا في المركز الخامس أو السادس في العالم من حيث حجم الاقتصاد. وربما نكون قد تراجعنا في هذا المجال قليلا بسبب الصعوبات الاقتصادية الراهنة، لكننا نعرف أن لدينا آفاقا جيدة للتنمية وقدرات هائلة”.
وشدد بوتين على أنه لا يتفق مع ما قاله باراك أوباما حول كون روسيا “دولة إقليمية”، كما أنه لا يتفق مع رأي نظيره الأمريكي حول ” تفرد الأمة الأمريكية”.
واستطرد قائلا: “إذا كان أحد يتحدث عن روسيا كـ”دولة إقليمية” فعليه أن يحدد أولا “الإقليم” الذي يدور الحديث عنه. .. هل يدور الحديث عن الجزء الأوروبي من روسيا؟ أو عن الجزء الشرقي من أراضينا والذي يحد اليابان وألاسكا الأمريكية والصين؟ أو الجزء الجنوبي؟ أو الشمال، حيث تحد الأراضي الروسية كندا عبر المحيط المتجمد الشمالي؟”.
وتابع تعليقا على تصريحات أوباما: “أظن أن محاولاته الحديث عن دول أخرى بصورة مهينة ليست إلا الجانب المعاكس لمحاولته إثبات فردية أمريكا وإنني أظن أنه موقف خاطئ”.
وبشأن صيغة “الثماني الكبار” التي علقت من قبل الدول الغربية في أعقاب نشوب الأزمة الأوكرانية في عام 2014، اعتبر بوتين أنها كانت مفيدة. لكنه أكد أن نفس المسائل التي كانت “الثماني الكبار” تبحثها، تُطرح في إطار منظمات ومنتديات أخرى، بما في ذلك مجموعة العشرين ومنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ ومجموعة “بريكس”.
وأكد استعداد موسكو لاستئناف الاتصالات بما في ذلك صيغة “الثماني الكبار” أو مجلس “روسيا-الناتو”.