بوتين والأسد يفتتحان المرحلة الجديدة
صحيفة الوفاق الإيرانية-
ناصر قنديل:
يقدم الاجتماع الهام الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس السوري بشار الأسد في موسكو، تأكيداً جديداً على ما أظهرته أحداث السنوات العشر الماضية من إشارات لموقع ومكانة سورية في معادلات المنطقة، بعدما أريد لهذه الأحداث ان تمحو تلك المكانة التي حجزتها سورية على مدى عقود ماضية.
– وتكمن أهمية لقاء الرئيسين بوتين والأسد أنه يأتي في لحظة تقاطع جملة أحداث دولية وإقليمية وسورية، ليشكل نقطة انطلاق لمسار جديد ترتسم معالمه بسرعة بعد جمود امتد لسنوات في ملفات المنطقة منذ إعلان الانسحاب الأميركي من التفاهم النووي مع إيران، ضمن سياق تصعيدي لكسر جبهة المواجهة التي تضم روسيا والصين وإيران وسورية ودول وقوى آسيوية أخرى، جمعها السعي لكسر مشروع الهيمنة الأميركية على أكبر قارات العالم مساحة وسكاناً، والتي تختزن أكثر من نصف ثروات العالم وأكثر من نصف قدرات العالم العسكرية، فصمدت جبهة المواجهة ونجحت باحتواء عاصفة التصعيد.
– خلال هذا العام ومع تسلم الإدارة الأميركية الجديدة، شهدت آسيا تكريساً لتفاهم القوى الصاعدة في آسيا على قطع الطريق أمام عروض الصفقات الثنائية التي توهمت إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن أنها سياسة قادرة على استعادة زمام المبادرة، وبدأت ملامح التسليم الأميركي بالفشل مع الانسحاب الأميركي من أفغانستان، الذي تزامن مع انتقال دول وقوى محور المقاومة إلى الهجوم لكسر خطط الحصار الأميركية، فخرجت فلسطين منتصرة من معركة سيف القدس، وخرجت إيران بانتخاباتها الرئاسية تحمل راية القائد الجنرال قاسم سليماني بإخراج القوات الأميركية من المنطقة، وبلغ الملف النووي الإيراني مراتب علمية تضع واشنطن بين خيارات أحلاها مر، فإما تقبل بلوغ إيران اللحظة النووية الحرجة المتمثلة بامتلاك كمية من اليورانيوم المخصب على درجة عالية تكفي لتصنيع قنبلة نووية، أو الانكفاء عن الشروط وقبول العودة بلا شروط إلى الاتفاق النووي، وتوج هذا الهجوم المعاكس مشهد السفن الإيرانية التي استقدمها حزب الله تحت شعار السفن قطعة أرض لبنانية، لتنقلب واشنطن من خط الحصار إلى البدء بفك الحصار من باب التراجع عن بعض عقوبات قانون قيصر لتتيح نقل الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سورية إلى لبنان.
– موسكو كانت على ضفة التلقي لكل هذه المتغيرات المتحركة، حتى جاءت زيارة المبعوث الأميركي الخاص بالملف الإيراني روبرت مالي إلى موسكو مدخلاً لإحداث النقلة في السياسات، فسورية هي حجر الرحى في معادلات المنطقة، وقد باءت كل محاولات تجاوزها بالفشل، بمثل ما فشلت خلال السنوات الماضية مشاريع إسقاطها وتفتيتها، فلا شام جديد فاعل بلا الشام، ولا قمة جوار العراق تنجح بلا الجار الأول، وواشنطن تعترف بفشل العقوبات في صناعة السياسة كما اعترفت بفشل القوة العسكرية بصناعتها وفقاً لتوصيف الرئيس بايدن لحاصل الحرب في أفغانستان، ويحضر العرض الروسي على طاولة المباحثات، تشجيع روسي لإيران للعودة إلى مفاوضات فيينا وإنجاز تفاهم تقني أولي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقابل التزام أميركي بالتخلي عن الأوهام التي عطلت التوصل لتفاهم في جولات فيينا يضمن العودة إلى الاتفاق الأصلي من دون تعديلات وشروط وإضافات، ودعوة روسية لواشنطن لحسم أمر الانسحاب من سورية لقوات أميركية تتواجد بصورة غير شرعية، لحساب تولي موسكو مواصلة الحرب على “داعش” وإدارة الحوار بين الجماعات الكردية التي ترعاها واشنطن والدولة السورية وتنشيط العملية السياسية، بما يفتح الباب لسقوط الذريعة التركية للبقاء في شمال غربي سورية. وجاءت المعارك التي خاضها الجيش السوري في منطقة الجنوب، والتي انتهت بدخوله إلى درعا تحت نظر قاعدة التنف لتقول لجميع الجماعات الموهومة بالإسناد الأميركي أن مرحلة جديدة قد بدأت، وأن بسط سيطرة الدولة السورية على كامل أراضيها تنطلق.
– يدرك الأميركيون معنى فقدان المشروعية الداخلية والخارجية للبقاء في سورية والعراق بعد انسحابهم من أفغانستان، بعدما فقدوا شرعية هذا البقاء في العراق بعد مطالبتهم من مجلس النواب العراقي بالانسحاب، بينما لم يملكوا شرعية وجودهم في سورية يوماً، كما يدرك الأميركيون أن فترة السماح المتاحة أمامهم لإعلان الانسحاب لن تطول قبل أن تبدأ عمليات المقاومة باستهدافهم، ويدركون أن المخرج المتاح بأقل الخسائر هو تظهير الانسحاب من سورية كحلقة من حلقات تقاسم مهام الحرب على الإرهاب مع روسيا، وإظهار نية التشارك مع موسكو في الدفع باتجاه تنشيط فرص الحل السياسي في سورية على قاعدة التراجع التدريجي عن العقوبات وفكفكتها لحساب توفيرالتمويل لإعادة النازحين وإعادة الإعمار، كما قالت دراسة الدبلوماسي الأميركي السابق الخبير بشؤون سورية جيفيري فيلتمان، ونصائح السفير الأميركي السابق لدى سورية روبرت فورد.
– مرحلة جديدة في المنطقة ستبدأ من سورية، وفرص يمكن أن يلتقطها، ويفترض أن يلاقيها بعض العرب واللبنانيين كي لا يظهروا مجرد صدى للصوت الأميركي.