بوتين في دونباس.. هل اقترب الحسم في إدلب وشرقي الفرات؟
موقع قناة الميادين-
حسني محلي:
ستجعل كل هذه المعطيات، في تفاصيلها السرية والعلنية، أنقرة الطرفَ الأكثر أهمية في حسابات واشنطن وحليفاتها، وخصوصاً إذا تحقَّق التحالف التركي – الإسرائيلي.
في مقالي بعنوان “بوتين يحشد في أوكرانيا.. والرسالة إلى إردوغان أيضاً”، والذي نُشر بتاريخ الـ14 من الشهر الجاري، حاولتُ إلقاء الضوء على مشاريع روسيا ومخطَّطاتها في أوكرانيا وانعكاساتها المحتملة على تركيا. والآن، بعد انطلاق العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، يمكن القول إن الخاسر الأكبر في هذه الحرب سيكون الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، نتيجة الأسباب التالية:
1- بهزيمة الرئيس الأوكراني زيلينسكي واحتمالات هروبه واستلام حلفاء روسيا (المعلومات تطرح اسم اوليغ تسارييف بديلاً عن زيلينسكي) السلطةَ في كييف، سيخسر إردوغان حليفاً استراتيجياً، ليس فقط في أوكرانيا، بل في منطقة البلطيق والبحر الأسود بصورة عامة.
2- بخسارة أوكرانيا سيخسر إردوغان سوقاً مهمة لطائراته المسيَّرة، التي باعها لأوكرانيا، وعبرها لبعض دول البلطيق، كما سيخسر ساحة للتعاون التكنولوجي في عدد من المجالات العسكرية، وأهمها المدفعية الثقيلة ومحرِّكات الطائرات النفاثة، بل ربما التكنولوجيا النووية والتكنولوجيا الفضائية.
3- بخسارة أوكرانيا سسيخسر إردوغان حليفاً مهماً في البحر الأسود، حيث المنافسة مع روسيا التي سبق لها أن سيطرت على معظم الساحل الجورجي على البحر المذكور خلال أحداث 2008، عندما توغَّل الجيش الروسي ودعم الانفصاليين في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، كما هو يدعم الآن الانفصاليين في لوغانسك ودونيتسك شرقيَّ أوكرانيا، بعد أن سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014.
4- بهزيمة اليهودي ذي الجنسية الإسرائيلية زيلينسكي (حرسه الخاص من الموساد)، صديق “تل أبيب”، سيخسر إردوغان صديقاً وحليفاً مهماً أدّى دوراً مهماً في المصالحة التركية – الإسرائيلية، وعبر اللوبيات اليهودية في أميركا.
خسارات إردوغان هذه في أوكرانيا ستتفاقم بعد أن فقدَ الرئيس إردوغان أمله في أيّ تحرك أميركي أو أطلسي ضد روسيا، بحيث قال “إن الجميع يكتفي حتى الآن بالإدلاء بتصريحات من دون أيّ إجراء فعلي”، من دون أن تمنعه تصريحاته هذه من الحديث هاتفيا إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي شدّد بدوره “على الضرورة الموضوعية للقرار الذي تم تبنّيه في ظل عدوان السلطات الأوكرانية في منطقة دونباس، ورفضها القاطع تنفيذ اتفاقات مينسك”، وذلك وفق بيان الكرملين، الذي اكتفى بالقول إن “رجب طيب إردوغان طرح، في المقابل، آراءه المعروفة في هذا الموضوع “؛ أي رفضه الاعترافَ الروسي باستقلال المقاطعتين، والعمليات العسكرية الأخيرة.
الرئيس إردوغان، الذي ناشد دول الحلف الأطلسي اتخاذَ مواقف عملية، يعرف جيداً أن حساباته مع موسكو لا ولن تكون لمصلحة أنقرة، إلاّ في حالة واحدة، هي التنسيق والتعاون الشاملان مع واشنطن، مع ضمانات مطلقة وأكيدة بدعم أميركي له شخصياً، ولتركيا، في السرّاء والضرّاء، بما في ذلك تحدي روسيا عبر مضيقَي البوسفور والدردنيل.
ويتوقّع البعض لخيبة الأمل التركية أن تشجّع الرئيس بوتين على اتخاذ مواقف عملية أكثر ضد الرئيس إردوغان، ليس فقط في أوكرانيا، بل أيضاً في سوريا، حيث حدود تركيا الجنوبية، وفيها الجيش الروسي، كما تشكّل “حدود الكيان الإسرائيلي الشمالية”. ويفسّر ذلك الزيارة المهمة والمفاجئة، والتي قام بها وزير الدفاع الروسي شويغو لدمشق، ولقاءَه الرئيسَ الأسد، في الـ 15 من الشهر الجاري.
وتتوقَّع المعلومات للتحرك الروسي – السوري المشترك أن يحمل معه مفاجآت مثيرة في إدلب بعد حسم الحسابات الأولية في كييف، في أسرع ما يمكن. وسيزيد ذلك في أهمية الزيارة التي سيقوم بها الرئيس هرتسوغ لأنقرة في الـ 9 من الشهر المقبل، مع المعلومات الصحافية التي بدأت تتحدث عن تحالف تركي – إسرائيلي جديد لمواجهة السيناريوهات الروسية المحتملة في سوريا، والمنطقة بصورة عامة. وسيحظى هذا التحالف بمباركة أبو ظبي، التي زارها إردوغان في الـ 14 من الشهر الجاري، ويقال إنها، ومعها واشنطن، على الخط لتحقيق المصالحة التركية مع “قسد” وكرد سوريا، قبل مصالحتهم مع دمشق. الهدف من كل ذلك هو سدّ الطريق على أي تحرك روسي – سوري مشترك، مدعوم إيرانياً، ضد الوجود الأميركي شرقي الفرات وفي إدلب، الأمر الذي سيختار بوتين من أجله توقيتاً ملائماً يحدّد المصير والمستقبل لعلاقاته بإردوغان شخصياً، وبأنقرة التي لها علاقات متشابكة بموسكو.
فتركيا تستورد نحو 45 في المئة من استهلاكها من الغاز سنوياً من روسيا، بينما يقوم الروس ببناء مفاعل نووي جنوبي تركيا بقيمة 35 مليار دولار. ويزور أكثر من 6 ملايين روسي سنوياً تركيا، التي تنفّذ شركاتها ما قيمته مليارات الدولارات في مشاريع البناء في روسيا، التي اشترت أنقرة منها ما قيمته 2.5 مليار دولار من صواريخ “أس 400″، ومن دون تفعيلها، بسبب رد الفعل الأميركي.
كل ذلك بالإضافة إلى خفايا العلاقة الشخصية بين بوتين وإردوغان، الذي سيُضطرّ، بعد انتكاسته في أوكرانيا، إلى التفكير أكثر من مرة قبل اتخاذ أي قرار ضد روسيا، حتى لو كان يفكر في التحالف مع “تل أبيب”، على قاعدة “أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب”، وهو في هذه الحالة الرئيس بوتين.
ويعرف الجميع أن بوتين لا ولن يرتاح إلى الموقف الإسرائيلي في أوكرانيا، التي لا يهمّ “تل أبيب” فيها سوى تهجير200 ألف يهودي منها إلى “إسرائيل”، وهو ما فشلت فيه حتى الآن.
ويصادف كل ذلك المعلومات التي تتحدّث عن مزيد من التحالف الروسي – السوري، في مضامينه العسكرية المتطورة، وهو ما أثبته بوتين في المناورات الروسية الأخيرة، شرقيَّ البحر الأبيض المتوسط، ليشجّع ذلك السيد حسن نصر الله كي يتحدى “تل أبيب”، قولاً وقالباً، عندما أرسل المُسيّرة “حسان” إلى داخل العمق الفلسطيني بعد أن توعّد “إسرائيل” بالصواريخ الدقيقة.
كل ذلك لن يمنع “إسرائيل” من الاستمرار في استفزازاتها العسكرية في سوريا ولبنان، وهي التي تعتقد أنها ما زالت مدعومة، بصورة مباشِرة وغير مباشِرة، من واشنطن وحليفاتها في الغرب والمنطقة، والتي تعلم بأن أميركا ستتخلى عنها، كما تخلّت عن زيلينسكي، ومن قبله آخرون كثر.
ومع انتظار آخر المعلومات الراشحة من مباحثات الملف النووي الإيراني، والذي بات مصيره غامضاً مع تطورات أوكرانيا، ستسعى أنقرة لمزيد من التنسيق والتعاون مع “تل أبيب”، ليس فقط ضد موسكو، بل أيضاً ضد دمشق، من أجل منع أي تقارب عربي أو أوروبي معها، وكي تبقى سوريا مصدراً لاستنزاف الإمكانات الروسية.
كما يهدف التآمر الإقليمي – الإسرائيلي ضد حزب الله في لبنان إلى منعه من تحقيق أي انتصار خلال الانتخابات المقبلة، التي تسعى دول المنطقة لاستخدامها من أجل تشديد الحصار على حزب الله وحلفائه، ومنعهم من أداء أي دور عسكري فعّال ضد “إسرائيل” خلال أي مواجهات محتملة في المنطقة، وهي مواجهات قد تكون مرتبطة بالقرارات الأميركية – الأطلسية المحتملة ضد روسيا. ويعرف الجميع أن روسيا لا ولن تقف مكتوفة اليدَين حيال هذه المخططات والمشاريع، التي ستستنفر واشنطن كل إمكاناتها الإقليمية من أجل مواجهتها. كما ستجعل كل هذه المعطيات، في تفاصيلها السرية والعلنية، أنقرة الطرفَ الأكثر أهمية في حسابات واشنطن وحليفاتها، وخصوصاً بعد التحالف التركي – الإسرائيلي، الذي إنْ تَحَقَّق فالمنطقة مقبلة قريباً على مرحلة مثيرة وساخنة، يريد لها إردوغان أن تساعده على مواجهة حسابات بوتين في إدلب والشمال السوري بصورة عامة. وهو يعي جيداً أن المرحلة المقبلة ستحمل معها عدداً من المفاجآت، التي ستكون سوريا، ومعها لبنان، في الدرجة الأولى، ساحتَيها الرئيستين، والفضلُ في ذلك لتركيا و”إسرائيل”، ومَن معهما في المنطقة، بمباركة “إبراهيمية”!