بهلوانيات «الحاكم»… لا حسيب ولا رقيب!
جريدة البناء اللبنانية-
أحمد بهجة:
لم يعد مستغرباً ما يقوم به حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من ارتكابات تتكرّر بشكل دوري مع تسجيل سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية المزيد من القفزات صعوداً، حيث تخطى في منتصف الأسبوع الماضي عتبة التسعين ألف ليرة وكاد يبلغ الـ 100 ألف ليرة.
إزاء ذلك أصدر «الحاكم» جملة قرارات منها رفع سعر صيرفة من 45400 ل.ل. مقابل الدولار إلى 70 ألف ليرة دفعة واحدة! محاولاً إغراء المواطنين والشركات بأن يضعوا في المصارف ما لديهم من أموال بالليرة ليأخذوا بدلاً منها دولارات على السعر الجديد لصيرفة (70 ألف)، بينما وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى حدود الـ 80 ألف ليرة، لأنّ قرارات «الحاكم» جعلته ينخفض أكثر من عشرة آلاف ليرة دفعة واحدة بعدما وصل إلى حوالى 93 ألف ليرة.
أما سبب عدم الاستغراب فيعود إلى أنّ كل ما يرتكبه هذا «الحاكم» من مخالفات وتجاوزات وكلّ ما يُقدِم عليه من بهلوانيات (وهو يسمّيها هندسات مالية)، تحصل من دون أيّ رقيب أو حسيب، إذ انه متفلت من أيّ رقابة، حيث لا يأبه لأيّ جهة يمكن أن تسائله يوماً ما عما فعل، لا في السلطتين التنفيذية والتشريعية ولا في السلطة القضائية، حيث تداخلت الأمور ببعضها بعضاً، خاصة أننا نعيش اليوم زمن الفراغ ليس فقط في رئاسة الجمهورية بل نجد أيضاً أنّ الحكومة هي حكومة تصريف أعمال، وهذه حجة مَن لا يريد أن يعمل أو يعالج بعض المشاكل الضاغطة على الناس، ولولا إصرار بعض الوزراء النشيطين على القيام بواجباتهم لما كان هناك أيّ شيء يُذكر، وهنا لا بدّ من التنويه بعمل الوزراء مصطفى بيرم وعلي حمية ووليد فياض وهكتور حجار كلٌّ في مجال عمل وزارته وقطاعاتها المختلفة.
وهناك دليل فاقع جداً يؤكد ما نقوله عن عدم قيام أيّ سلطة بمحاسبة أو مساءلة «الحاكم» على ما يقوم به من مخالفات… فقد صرّح «الحاكم» لإحدى وسائل الإعلام المصرية الأسبوع الماضي بأنّ احتياطي العملات الأجنبية في المصرف المركزي يبلغ حوالى 15 مليار دولار يُضاف إليه حوالى 17 مليار دولار من الذهب.
وإذا عدنا إلى تصريحات سابقة لـ «الحاكم» نفسه قبل بضعة أشهر نجده يقول إنّ الاحتياطي يبلغ نحو 10 مليارات دولار، وهو رقم أكده وزير المال يوسف خليل أمام جلسة اللجان النيابية المشتركة في شهر تشرين الثاني الماضي.
السؤال هو كيف زاد الاحتياطي بقيمة 5 مليارات دولار خلال أشهر قليلة، بينما ينتظر لبنان منذ 3 سنوات وأكثر أن يقترض من صندوق النقد الدولي حوالى 3 مليارات دولار موزعة على أربع سنوات؟
الجواب سهل وبسيط ونجده في أرقام مصرف لبنان نفسه، حيث وصل حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية إلى نحو 90 ألف مليار ليرة، أيّ أنّ طباعة العملة «شغالة» دائماً لكي يلمّ بها «الحاكم» الدولارات من السوق بعدما كان أعلن سابقاً أنه لن يتدخل بائعاً للدولار، بل فقط كان يتدخل شارياً، بما يعني أنّ جزءاً كبيراً من عوامل ارتفاع سعر الصرف سببه أنّ «المركزي» هو شريك مضارب ضدّ الليرة طالما أنه يزيد الطلب على الدولار، ومن هنا استطاع جمع الـ 5 مليارات دولار التي جعلت الاحتياطي يزداد إلى 15 مليار دولار…
أمر جيد أن يزيد الاحتياطي، لكن بطرق قانونية وبوسائل خاضعة للرقابة من الجهات المسؤولة خاصة من السلطة القضائية، وهذا ما لا يحصل لأنّ طباعة العملة تتمّ بلا أيّ سقف ولا ضوابط رقابية أو قانونية، ولأنّ ما تتمّ طباعته يُطرح في السوق ليكون عاملاً مساعداً لنمو السوق السوداء التي قامت حملة لضبطها في الفترة الأخيرة وأُلقيَ القبض على العديد من الصرافين والمضاربين، وهذا أمر مطلوب، لكن المشكلة أنّ المشغلين لم يأتِ أحد على ذكرهم ولا يزالون يقومون بعملهم على «أكمل وجه». والدليل هذا الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار، والذي سيستأنف رحلته صعوداً في الفترة المقبلة، لنعود ونرى بهلوانيات جديدة من «الحاكم» وكله خارج القانون والضوابط المطلوبة.
واستطراداً هنا لا بدّ من لفت النظر إلى أنّ هذه البهلوانيات ألحقت الضرّر الكبير بخطة الكهرباء التي بدأ تنفيذها بعد جهود مضنية بذلها وزير الطاقة الدكتور وليد فياض، إذ انّ المتفق عليه كان أن تصدر مؤسسة كهرباء لبنان فواتيرها على أساس سعر صيرفة (43600 ل.ل. + 20 في المئة) بينما أصبح سعر صيرفة اليوم 70 ألف ليرة وإذا زدنا عليه 20 في المئة تصبح التكلفة أكثر من سعر الصرف في السوق السوداء، بما يعني تخريب خطة الكهرباء، وهذا ما لا يجوز القبول به أبداً، لأنّ الخطة واعدة وإذا تواصل تنفيذها كما هم مرسوم فإنّ الناس تستغني مع الوقت عن الاشتراك بالمولدات الخاصة، إلا إذا كانت القصة مشغولة بين مافيات السوق السوداء المفتوحة على بعضها البعض والمحمية في مكان ما من منظومة الفساد التي لا خلاص للبلد إلا باقتلاعها من جذورها…