بندر .. و”دبّور زنّ على خراب عشّه”
موقع إنباء الإخباري ـ
د. شاكر شبّير:
اليوم ومع الثورة الهائلة في وسائل الاتصال، وبزوغ العالم الافتراضي من خلال الشبكة العنكبوتية، بات التعامل مع الواقع مختلفاً عما كان قبل هذه الثورة وقبل ظهور الشبكة العنكبوتية. ما كنا نخرج به من استقراءات تسمح به البيانات المتوفرة، تراه اليوم بالصوت والصورة أمام المشاهد دون الحاجة إلى تشغيل دماغه ليستنبط! بالأمس استنبطنا أن حمى الجهاد الأفغاني كانت مصلحة أمريكية أولاً وأخيراً، اليوم ترى هيلاري كلينتون وهي تشهد أمام لجنة بالكونجرس أن حمى الجهاد الأفغاني كانت بمبادرة من الرئيس ريجان حتى لا يستقر الاتحاد السوفيتي في وسط آسيا!
مسؤولون خليجيون وسعوديون، بينهم بندر بن سلطان، لا يضعون هذه الحقيقة في الاعتبار، سواء هم لا يستوعبون أم لا يريدون أن يستوعبوا، فالنتيجة واحدة، وهو بقاء الحد المسموح به للخبراء من السعودية ودول الخليج أن يتحركوا فيه مساحة ضيقة تضطر إلى لي عنق الحقائق البديهية المتوفرة لأي باحث له مدخل إلى الانترنيت ووسائل الاتصال المعاصرة. حتى لو كان الخبير السعودي يحب النظام ويريد الدفاع عن النظام، فهو مسموح له اللعب في مساحة غاية في الضيق، مما لا يمكنه من المناورة عند تناول أي موضوع استراتيجي. لذا فعند تناول أي موضوع استراتيجي ترى الخبراء القادمين من دول الخليج كأنهم خشب مسنّدة، من كثرة الحرص على البقاء داخل الدائرة الضيقة التي فرضها هذا النظام أو ذاك! وهؤلاء ليس لديهم القدرة على تناول مواضيع حساسة وإن كانت استراتيجية إن ارادوا البقاء داخل النظام وعدم الانتقال لصف المعارضة. هنا يتم حرقهم كخبراء. بل السياسيون تم حرقهم في هذا المحرقة، مثل سعد الحريري، الذي لم يتم إعطاؤه المرونة في التحرك، فتكشفت أوراقه، وانحرق أمام الجمهور اللبناني العريض!
اليوم كلنا قرأ أن نتنياهو أصبح الناطق الرسمي لدول الخليج، وشمعون بيريس يتحدث مع 29 وزيراً عربياً في مؤتمر في الخليج! ولا يمكن أن تنفع ديماجوجية أن الشيعة أسوأ من اليهود أو أن العلويين أسوأ من اليهود، فالمستمع العربي لم يعد يتقبل مثل هذه الديماجوجيات.
أن تتحالف المملكة مع إسرائيل ومع الغربان من الأمريكيين، الذين يطلق عليهم زوراً الصقور، هذا أمر لا يمكن أن تبلعه الشعوب العربية والإسلامية. يعني أصبحت المملكة ملكية أكثر من الملك! تفوق إسرائيل والغربان في اليمين الأمريكي فهل المملكة مضطرة للانخراط في مثل هذه العملية؟! هل مثل هذا التحالف ضروري للأمن القومي للمملكة؟! وأين وجه ضرورته إن وجد؟!
بندر بن سلطان ما زال لم يقتنع أن لعبة الفتنة على أرض الشام قد انتهت، وأن ما نشاهدة يأتي في عداد الهزات الارتدادية التي لن تغير المخرج النهائي الرئيس للفتنة على أرض الشام وهو انتصار سوريا المقاومة. تأثيره فقط يزيد من الخسارة وزيادة الولوغ في الدم السوري ودون طائل. وهو ما اقتنعت به الإدارة الأمريكية.
بندر يظن أن ضخ مزيد من الإرهابيين وضخ مال لهم سيؤدي إلى تغيير النتيجة الاستراتيجية للفتنة على أرض الشام. أوكرانيا البعيدة فهمت التداعيات؛ فمنذ انهيار الإتحاد السوفيتي وأوكرانيا تسعى للدخول في الاتحاد الأوروبي. اليوم، وبعد ما آلت إليه الأوضاع في الشام، أوقفت أوكرانيا محادثاتها مع الاتحاد الأوروبي وقررت الارتباط بروسيا كشريك استراتيجي. فهل حقيقة أن العالم كله بدأ يدرك ما آلت إليه الأوضاع على أرض الشام، وما زال بندر لم يستوعب، أم أنه لا يريد أن يستوعب لحاجة في نفس يعقوب والأمر مرتبط بزوجته؟!
معروف اتهام الولايات المتحدة لهيفاء الفيصل بمساعدة القاعدة، وأعتقد أنه غادر واشنطن بسبب هذه المشكلة المتعلقة بزوجته وعلاقتها بتنظيم القاعدة. فهل هذه الحادثة وهذا الأمر هو وراء تصرف بندر بن سلطان، ليثبت نقطة ما لأصدقائه من غربان اليمين الأمريكي؟ وهل هذا الأمر يستحق كل هذه التضحيات؟ طبيعي لا نستغرب إن كان هذا الأمر التافه وراء تصرفات بندر، فنيرون أحرق روما لسبب أكثر تفاهة، وهو أنه يريد أن يرى كيف يتصرف الناس في الحريق!
لا شك أن أنه بات واضحاً للمراقب المحايد أن السياسة السعودية الخارجية ما زالت مضطربة؛ أي لا تمشي بخطى ثابتة، فهي تمشي في اتجاهات تعطي إشارات متناقضة، فدعوة الملك عبدالله للرئيس روحاني للمشاركة في موسم الحج الماضي تتناقض مع استخدام بندر للانتحاريين في تفجير السفارة الإيرانية!
تفجير الرويس لايمكن أن يحقق أهدافاً استراتيجية للسعودية وأنصارها فيما يسمى جماعة 14آذار، إذ أن تحالف خط المقاومة الجمهورية الإسلامية سوريا 8 آذار، أعمق من أن يتأثر باختطاف جماعة هنا أو تفجيرهناك. لقد ثبت هذا التحالف أمام إعصار أمريكي محتمل، بل إن ثبات هذا التحالف هو الذي منع وقوع الضربة على سوريا المقاومة. إنه مجرد تنفيس نفسي أو كما يقول اللبنانيون فشة خلق! السعودية تتصرف بعنجهية ودون ربط الممارسات بالمعطيات. لذا فهي قد حرقت ورقة سعد الحريري وقد كانت ورقة هامة بيد السعودية.
تفجير الرويس ينقل المواجهة بين الرياض وطهران إلى مواجهة وجها لوجه! هذا النوع من التصادم أي المواجهه وجها لوجه لم يكن يوما من الأدوات السياسية للسعودية. فهل هذا ما تسعى له السعودية من خلال المشي في سياسات بندر؟ بندر يتصرف كـ “دبّور زنّ على عشّه”، فهل من منقذ للمملكة من هذه التصرفات؟ من معرفتي بحرصه على سلامة وأمن المملكة، كنت أتوسم أن يتحرك الأمير سلمان.