بندر خارج الخدمة… نهائياً
وأخيرا تبين الخيط الأبيض من الأسود. بعد اسابيع من الشائعات والمعلومات غير المثبتة، حسم ذاك الأمر الملكي ما كان تسريبات صحافية: بندر بن سلطان خرج من الصورة، وهذه المرة على نحو نهائي. حدث مفصلي يعيد قراءة ما قبله، ويفتح المجال واسعا أمام التخمينات بشأن قادم الأيام.
«بناءً على طلبه»، عبارة كافية ليس إنهاء خدمة بندر بن سلطان كرئيس للاستخبارات العامة فحسب، بل ووضع خاتمة لمستقبله السياسي. الأمر الملكي في حدّ ذاته ليس إجراءً إدارياً روتينياً، ولكنه يرفع طرفاً من الستار المسدل على خلافات ﻻهبة حول تقاسم السلطة بين الأجنحة في البيت السعودي.
في دﻻﻻت الأمر الملكي، الذي نص على تكليف الفريق أول ركن يوسف بن علي الإدريسي بالقيام بعمل رئيس الاستخبارات العامة، أن جناح اﻻمير سلطان سوف يخرج من معادلة السلطة بصورة نهائية. وبإعفاء خالد بن سلطان من منصبه كنائب لوزير الدفاع ثم إعفاء بندر بن سلطان أمس، يكون نائب وزير الدفاع حالياً سلمان بن سلطان قد تأهب لمغادرة موقعه لمصلحة أحد أبناء اﻻمير سلمان، ولي العهد ووزير الدفاع.
بندر بن سلطان الذي اختار لنفسه دور رجل المهمات القذرة في الغالب، فرض نهجاً صارماً في طريقة التعاطي معه على مستوى العائلة المالكة وعلى مستوى العلاقة مع الحلفاء، وخصوصاً الوﻻيات المتحدة.ويجدر هنا التذكير بأن بندر غاب عن المشهد السياسي أكثر من أربع مناسبات منذ تعيينه أميناً عاماً لمجلس الأمن الوطني عام 2006، وفي كل مرة كان يغيب فيها على خلفية مشكلة داخل العائلة المالكة أو بفعل فشل مهمة تستوجب تجميد نشاطه السياسي. وكانت عودته اﻻخيرة إلى الأضواء في تموز 2012 بصحبة ديفيد بترايوس، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، بمثابة الرهان اﻻخير الذي كان سيقرر في حال نجاحه مستقبله السياسي.
كان بندر مستبسلاً في توظيف كل اﻻوراق، بما في ذلك ورقة تنظيم «القاعدة»، لجهة الفوز بصفقة العمر عبر إسقاط النظام السوري. ولكن جاء اﻻمر الملكي في 3 شباط الماضي بتجريم المقاتلين السعوديين المدنيين والعسكريين ليكون بمثابة إعلان غير مباشر بفشل مهمة بندر وما يتطلبه من إزاحته عن المشهد بصورة نهائية. ما جرى طيلة الفترة التي تلت صدور الأمر الملكي الخاص بالمقاتلين مجرد إخراج لخطوة منتظرة جاء وقتها يوم أمس.
خطوة كانت منتظرة استناداً الى مجموعة من المؤشرات، لعل أوّلها مغادرة بندر للسعودية قبل أسابيع بحجة إجراء عملية جراحية، تم التسريب وقتها أنها لم تكن سوى حجة لإبعاده عن مركز القرار في الرياض، في سياق تعديلات مرتبطة بتركيبة الحكم في السعودية وبسياسة المملكة حيال الخارج. لم يمض وقت طويل حتى جاءت خطوة تعيين مقرن بن عبد العزيز ولياً لولي العهد في السعودية، في خطوة جاءت عشية زيارة حاسمة لباراك أوباما تمت بعد تأخير لأيام.
لم تخرج معلومات مؤكدة وقتها حول سبب التأخير، وحول ما جرى في خلال المحادثات التي تمت بين الرئيس الأميركي وبين الملك عبدالله وولي العهد سلطان ومقرن في تلك الجلسة التي استغرقت ثلاث ساعات. شائعات كثيرة روّج لها وقتها، لعل أبرزها إشارات البعض إلى أن اللقاء لم يكن ودياً، بدليل عدم استقبال أوباما في المطار بما يليق برئيس الدولة العظمى في العالم، وخروجه من المملكة دون مراسم، والاكتفاء بخبر بثّته وكالة الأنباء السعودية. لم تمض أيام حتى تحدث البعض عن عودة مظفرة لبندر الى المملكة التي أفادت معلومات بأنه وصلها قبل أيام، إلى أن جاء الخبر اليقين في الأمر الملكي الذي صدر يوم أمس.
اليوم، وبعدما أصبح التسريب يقيناً، فُتح الباب أمام مجموعة من التساؤلات، تتركز حول ما ستشهده المرحلة المقبلة، على خلفية إقالة بندر، سواء على مستوى توزيع السلطة داخل العائلة المالكة أو على مستوى العلاقات البينية في المنطقة، وكذلك على مستوى شبكة تحالفات السعودية: هل ستصدق التسريبات عن تنحّ وشيك للملك عبدالله؟ ماذا سيحصل في الملف السوري سعودياً؟ ماذا عن العلاقة مع إيران في ظل معلومات عن لقاءات سعودية إيرانية جرت خلف الأضواء خلال الفترة الماضية ترمي الى إصلاح ذات البين بين الطرفين؟ وكيف سينعكس ذلك على الوضع في العراق؟ وأيضاً على الملف اللبناني والانتخابات الرئاسية المرتقبة؟ﻻ شك في أن بندر بن سلطان أحدث نقلة فجائية في وجهة السياسة الخارجية، وجعل من بلاده مركزاً لخصومات جمة في الإقليم وعلى مستوى العالم، الأمر الذي يفرض على صنّاع القرار إعادة تقييم ومراجعة راديكالية لمرحلة كان فيها بندر رأس الحربة في السياسة الخارجية السعودية.
قد يؤشر إعفاء بندر الى مرحلة صراع حاد بين اﻻجنحة، ولكن بالتأكيد أمام إزاحة جناحي فهد وسلطان الى جانب استبعاد أحمد بوصفه أحد أركان الجناح السديري من معادلة التوريث، نكون أمام مستقبل شديد الغموض، وقد يكون دموياً، ما لم تشهد الدولة إصلاحات جوهرية سياسية واقتصادية وقضائية تنقذ العرش من الانهيار.
صحيفة الأخبار اللبنانية