بندر بن سلطان وترتيبات الخلافة السعودية
هل سيصبح الأمير بندر بن سلطان زعيما مثلما أصبح باراك حسين أوباما، الذي تحمل جيناته ثلاث جنسيات، زعيما لأمريكا؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الشارع السعودي اليوم.
والحديث الذي يتداوله الشبان في الجامعات والمعاهد السعودية، والكلام المشاع في أوساط عائلات الطبقة الوسطى في المملكة حول موائد الطعام المغلقة، خوفا من تسربه إلى آذان أجهزة الأمن أو الحرس الملكي.
ففي الماضي كان الكتمان والحذر يغلف المؤامرات والدسائس المتعلقة بالسلطة السعودية، والتي كانت تجري من وراء ستار ثخين، أما الآن فقد أصبحت مكشوفة لأجهزة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تعتبر هذه المؤامرات والدسائس وليدة هاجس الملكيات المطلقة في صرعاتها على الخلافة.
كما أنها أصبحت بندا دائما على جدول نشاط التيارات الإخوانية القوية نسبيا في السعودية، والتي تعمل في إطار حزب الأمة الإسلامي، وكذلك الموجودة في حركة “حسم” الحركة الحقوقية في جماعة الصحوة، وفي نشاط شخصيات ودعاة ذوي ميول اخوانية قوية جدا في المملكة، لذلك يخشى النظام السعودي طبعا على نفسه من الربيع العربي، كما يخشى على نفسه من انتقال العدوى الديمقراطية إلى مجتمعه، لذا يستخدم سلاح المال في ضرب خصومه وضرب أعدائه اليوم، ولكن كيف له أن يتعامل مع الصراع على السلطة داخل البلاط؟.
التناقضات بين المرشحين للخلافة
فالملك عبد الله الذي تجاوز التسعين من العمر، يمكن أن يتوفى في أية لحظة، فكيف ستتم عملية انتقال السلطة دون قلاقل أو مخاض عسير في القصر بعد مغادرة آخر المعزين به مباشرة، في حين ثمة صراع شرس تبدو مظاهره جلية في سياسات المملكة الداخلية والخارجية، والتي تتآكلها الفوضى والتناحرات المستشرية بين أمراء آل سعود.
إن عدم الرضى في داخل القصر وخارجه يلتقيان عند نقطة واحدة، ألا وهي أن المجموعات المتنافسة داخل العائلة السعودية الحاكمة تتسابق على كسب ود الملك وعلى الخلافة في الحكم، وأن نهاية هذا العام لن تكون، كما كتب ديفيد هيرست، على ما يرام بالنسبة للرجال الثلاثة من العائلة السعودية الحاكمة، وهم الأمير بندر رئيس الاستخبارات الحالي، والأمير مقرن رئيس الاستخبارات السابق الذي يأتي في المرتبة الثالثة ويتوسطهما خالد التويجري رئيس الديوان الملكي والحارس على باب الملك .
في حين يقول مطلعون مقربون من الشأن السعودي إن السياسة السعودية الخارجية والداخلية أيضا تدل على وجود ثلاث تيارات سياسية مرشحة لقيادة مملكة واحدة، وهي الشق السديري ويقوده بندر بن سلطان مسؤول المخابرات، ثم شق الملك عبد الله ويقوده ابنه متعب بن عبد الله، وثالثا شق الجيش الوطني ويمثله سلمان بن سلطان بن عبد العزيز.
وفي هذا الوضع الحالي، حيث يعتبر الأمير سلمان الذي يوصف بأنه مسن وليا للعهد، وأن هذا التعيين في ولاية العهد سيكون للمرة الأخيرة، التي يتمكن فيها الملك من ترشيح خليفة له، وإذا ما انتقل العرش إلى سلمان، فإن ولي عهده سيرشحه كيان اسمه “هيئة البيعة”، ووفقا لتقارير سربتها أجهزة استخباراتية غربية، أن الأمير بندر بن سلطان سيكون في هذه الحال سيد الموقف.
انتقادات القصر لصناع السياسة السعودية
فعندما ذكر الكاتب والصحفي السعودي الشهير جمال خاشقجي في صحيفة الحياة أن “رجال الاستخبارات المحليين والدوليين” لم يعودوا قادرين على تغيير التاريخ ولا على إقامة الدول أو صناعة الزعماء الجدد، إنما كان يفهم من قصده الأمير بندر، وهذا كلام يعتبر بالمعايير الصحفية السعودية كلاما مباشرا، يعكس حالة عدم الرضى، لدى الدوائر المتنافسة داخل العائلة السعودية الحاكمة، عن السياسات التي يتحمل المسؤولية عنها بندر ومجموعته، بمن فيهم وزير الخارجية الحالي.
فالدوائر المتنافسة في العائلة السعودية توجه الانتقادات لفشل صانعي السياسة السعودية انتقائيا، ففي مصر، التي كان من المفترض أن تكون الأوضاع فيها قد استتبت والأمور قد هدأت ما تزال في حالة غليان وصدامات مستمرة، والرئيس أوباما الذي لم يشن العدوان على سورية ولم يقصفها بالصواريخ أثار امتعاض الأوساط الملكية في السعودية، والتفاؤول الذي أحاط بنجاحات لجنة الوساطة الدولية “5+1” بالاتفاق مع إيران كان بالنسبة للمملكة أسوأ بكثير من العدول الأمريكي عن قصف دمشق، كما أن الدعم السعودي للانقلاب العسكري في مصر أثر على العلاقات مع لاعب إقليمي مهم آخر هو تركيا، النموذج الحي لنجاح الإسلام السياسي في دولة علمانية، ما دفع تركيا باتجاه إيران، الخصم اللدود للرياض.
وفي غضون ذلك تسربت شائعات لا يعرف مصدرها عن أن الشق السديري بات يفضل منافسا آخر لمجموعة بندر، وهو الأمير أحمد أصغر أعضاء مجموعة الإخوة السديريين سناً، والذي يبدو معارضاً لتوجه مجموعة بندر في السياسة الخارجية السعودية، ولإفشال هذا التوجه، أخذت مجموعة بندر تحاول ما في وسعها لإقناع الملك باستبدال ولي العهد سلمان بمرشحها الأمير مقرن لولاية العهد.
واشنطن، هي من يسمي الملك
وكان تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء في 1 شباط/فبراير 2012 مفاجأة للجميع، إذ يُنظر منذ فترة طويلة إلى من يتقلد هذا المنصب على أنه سيصبح “ولي العهد المُنتظر”، ويعتبر الأمير مقرن أصغر من بقي من أبناء الراحل عبد العزيز بن سعود، وهو الآن الشخص الثالث الأكثر نفوذاً في المملكة، بعد الملك عبد الله (الذي يشغل أيضاً منصب رئيس الوزراء) وولي العهد الأمير سلمان (نائب رئيس مجلس الوزراء)، اللذان يعانيان من المرض حسب ما تقوله أوساط غربية مقربة من القصر، لذا يبدو مقرن (البالغ من العمر 70 عاما) بصحة جيدة.
وفيما يدل استقبال الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض للأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، أثناء زيارته لواشنطن، وهي ميزة لا تُمنح عادة لمسؤولين أجانب من نفس درجته، على أنه يمنح موافقة الولايات المتحدة على تطلعاته الملكية، يبدو أن الاستياء أخذ يسيطر في أوساط الاستخبارات الأميركية من الاستراتيجية المستقلة التي بات الأمير بندر يتبعها، وبدأت “تشن حملة على الأمير السعودي، وتصف استراتيجيته في سورية بالغبية والخطرة، لأنها تهدد المصالح الأميركية عبر تشجيع الجماعات “الجهادية”، التي تشكل، برأي الأجهزة الأميركية، امتداداً لتنظيم “القاعدة””، وتعتبره “بات يشكل حجر عثرة في العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية”، ما يجعل حظه في الجلوس على عرش المملكة حلما، يشبه حلم إبليس بالجنة.
اذاعة “صوت روسيا” – سامي إبراهيم