بلدي اليوم يا ولدي
خاص ـ موقع إنباء الإخباري ـ
مهدي الطقش
في بلدي، مجموعة أناس لا تقرأ، وأخرى لا تريد أن تقرأ، وأخرى تجهل ما تقول، ورابعة لا تعلم من أين وفي أين إلى أين.
لقد خلطوا الشعارات العظيمة للرجال العظام، كالحرية والاستقلال والسيادة، ببعض ألعاب ألفاظهم، وميوعة كلامهم، وجهل أحرف لا يعلمون كيف ينطقون بها،
نسوا لغتهم فأنساهم القاموس تعابيرهم.
عاتبوا المقاومين الذين كان كل همّهم الذود عن عرض هذا البلد الصغير، ولم يجدوا ما يتهمونهم به سوى أن اسمهم مجاهدون. ولاموهم بأن لهم اسماً جهادياً.
لم يقتربوا من نقاوة أهداف المقاومين فكيف يستطيعون النيل من قداسة دمائهم…
كالوا عليهم من شتائمهم المغلفة كما تغلف مأكولاتهم التي يشرونها من الأسواق…
يا ولدي…
باتت مصطلحات استخدمها أرباب المقاومة في بلدي، كالجهاد والشهادة، لارتباطهم بأصالة عاشوها وتربوا في كنفها، باتت لقمة تلوكها أحناكهم، لينالوا من أصحابها.
ترى أنسي هؤلاء أن الساحة التي يحتشدون فيها هي باسم الشهداء؟
ترى هل يعلم هؤلاء أن كل الذي يدافع عن عرضه وأرضه وشرفه، كان منذ الأزل فطري الخلقة، ومعافى الإنسانية؟
وكان رمزاً يقتدى به؟
ترى هل من يتلفظ بتلك العبارات ذاق يوماً طعم أن يقف وراء مبدأ تجمع البشرية على نقاوته، ثم يدافع عنه حتى الرمق الأخير؟
ماذا يريدون؟ يريدون أن يحوّلوا كل بلدي إلى راقصات ومغنين؟ حتى يشعروا بأن الحياة تدب فيه؟
يا ولدي… ومَن للفقراء الذين لا يملكون حتى المذياع لسماع صوت أغانيهم!!؟
ألا يعقل هؤلاء بأن الحياة أصلب من أمانيهم، وأقوى من أحلامهم، وأجمل من بركهم الاصطناعية؟
ثم إنهم يتركون أسافل قومهم، يفترشون الشوارع بكل أنواع الرذيلة، والإبداع في أذية الأبرياء؟!
يا ولدي… لا يزعجك الدخان المتصاعد من إطاراتهم المطاطية، بل يبكيك رعونة وطيش أفعالهم، وتعديهم على حرمات الآخرين.
لا يزعجك وقوفهم في الطريق لساعات تحت الشمس كأن هناك جنة من وراء ذلك، بل يدمي قلبك سخريتهم من عجوز تمر لتؤمّن بصلة تضعها في لقمة عيشها تشبع بها بطناً لطالما جوعته أيام دولتهم.
لستَ تمتعض من اعتصاماتهم في كل مكان لا يخافون فيه من حماة ديارنا، بل ستتألم عندما تشاهدهم يحملون في وجه امرأة وطفلها عصا غليظة، ويلوحون بها عليها لضربها أو ضرب سيارتها… ثم شتمها وشتم من معها…
يا ولدي..
رأيت في يومين متتاليين رمزاً للضيافة اللبنانية في أزقتها وطرقاتها السريعة…
كانت جدتك يا ولدي تعلمني بأن الضيف ضيف الله يا ولدي، فلا تبخل بما لديك.. فتعلمت أن أضع أجمل ما عندي لضيفي..
واليوم في لبنان يستضيفك بعضهم بعصيّهم على مشارف قراهم، أليس في هذه القرى أجود من هؤلاء؟ حتى تصبح منازلهم شوارعهم؟ وتصبح بيوتهم مستوعبات القمامة التي يرمونها في وسط الشارع في وجه ضيوفهم؟
ترى أأُفرغت كل أوعية طبخهم وأخلاقهم حتى باتوا يضربون من يفد عليهم؟ ويشتمون من يرمي عليهم السلام.
يا ولدي..
إذا كان أربابهم يريدون مُلكاً فلمَ لا يرجعون إلى قراهم وبيوتهم، يخدمون أناسهم بأفضل من شتائمهم على الطرقات، ويحبّبون الخلق إليهم حتى يحبوا مَن وراءَهم.
وما يعير انتباهك يا ولدي… أنك تذهب إلى قصور أمرائهم، فتجدها عامرة بالإنارة والعلم في بلاد الاغتراب، وعامرة بالمأكولات والجنات التي تجري من تحتها الأنهار..
وحينما تدخل بيوت أتباع الأمراء، تجدها زاخرة بغبار الزمان العتيق، ويكاد أحسنهم يذهب إلى جامعة أو مدرسة محلية، وفي أيام الصراخ، وعندما يهتز مُلك المَلِك، تراهم أول من يأتون إلى الشوارع ليدلوا بدلو جهلهم، ويُدلوا بـ”سمو” أخلاقهم،…
رأفتي عليهم.. أليست أرواحهم رخيصة على حكامهم؟ أليس مستقبلهم ضائعاً؟
يا ولدي…
لا تقنعني بعكس ما ترى عيناي من سوء تصرفهم أمام الملاً… وإجبار الناس وأذيّة المارة… وقطع الأرزاق…
لهفي عليهم، أيحامون عن قطط القصور فلا يقترب منها مرض بسيط؟ ويتركون الناس تموت في الطرقات لأجل أموالهم وكراسيهم؟
بات اليوم يا ولدي في لبنان أطفال يتعلمون كيف يحملون السكين ليطعنوا فيها ظهور أخوتهم
فلا وعي، ولا تحمّل ولا صبر ولا حسن أخلاق ولا حسن تدبير، ولا ولا …
ذلك هو بلدي اليوم في عرس الشهادة… يسيئون فيه حتى لنقاوة دماء الشهداء في ساحة الشهداء