بعد تعديلٍ متناقضٍ لدورِها: هل أعطى مجلس الأمن مهمة “اليونيفيل” لهوكشتاين؟
موقع العهد الإخباري-
شارل أبي نادر:
مع صدور قرار مجلس الأمن اخيرا بتعديل مهمات قوة الطوارىء الدولية العاملة في جنوب لبنان ـ “اليونيفيل” استنادا للقرار 1701 الصادر في نهاية العدوان الاسرائيلي على لبنان في شهر آب/ أغسطس من العام 2006، ومن خلال المعطيات التي رافقت السجال الدولي حول التعديل، او التي ظهرت في ما اضيف هذا العام الى التعديل، او التي ظهرت في التناقض غير المفهوم في بنود القرار المعدل، او التي ظهرت من خلال تزامن مداولات التعديل مع زيارة لافتة الى لبنان قام بها المبعوث الاميركي ومستشار الرئيس بايدن لشؤون الطاقة أموس هوكشتاين، يمكن ان نستنتج ما يلي:
اولا: لناحية السجال الدولي الذي رافق مداولات التعديل، وبمعزل عن موقف كل من الصين وروسيا، واللذان دائما لديهما ميل ثابت لمواجهة ومعارضة المواقف الاميريكة المشبوهة حول العالم، تبين انه كان هناك اختلاف وعدم توافق بين نظرة فرنسا ونظرة اميركا حول التعديلات المقترحة، حيث حاولت فرنسا طرح مسودة مشروع اقرب الى وجهة النظر اللبنانية منها الى الاميركية، بينما، وكالعادة، تبنَت واشنطن بشكل كامل الموقف الاسرائيلي لناحية اعطاء “اليونيفل” صلاحية واسعة تمتد الى صلاحيات القوة الاممية بموجب الفصل السابع، مع تبني واشنطن فكرة انهاء اي نوع من انواع التنسيق بين هذه القوة الاممية مع الدولة اللبنانية ومع الجيش اللبناني تحديدا.
بداية، لا شك ان هناك ميلا فرنسيا دائما للمحافظة على دورهم التاريخي في لبنان والمميز عن دور باقي الدول، الامر الذي بدأوا مؤخرا يخسرونه لمصلحة واشنطن وبسعي مقصود من الاخيرة، كما وانه من الواضح ان السبب العملي لهذا الاختلاف بين باريس وبين واشنطن حول تحديد مهمات “اليونيفل”، يعود كون فرنسا لديها العدد الاكبر من هذه الوحدات العاملة في الجنوب، والفرنسيون هم اكثر من يفهم خطورة وحساسية عمل وحداتهم بمعزل عن التنسيق مع الجيش اللبناني، والاهم ايضا، ان الفرنسيين هم اكثر من يفهم ويتفهم خطورة ان تعمل “اليونيفيل” بشكل زاجر او قاهر للاهالي في الجنوب، بالرغم من ان الفرنسيين في حقيقة موقفهم، ليسوا بعيدين عن النظرة الاميركية والاسرائيلية بوجوب انهاء نفوذ وقدرات حزب الله بشكل عام، ولكنهم (الفرنسيون) يبتعدون عن الصدام ويختارون العمل بديبلوماسية هادئة وآمنة.
ثانيا: لناحية التناقض في حيثيات بنود القرار، وخاصة في عبارة: “أنّ “القرار يؤكّد من جديد تفويض اليونيفيل بإجراء عملياتها بشكل مستقل مع الاستمرار في التنسيق مع الحكومة اللبنانية، فيما يتعلق بالسيادة اللبنانية”، وهنا، كيف يمكن لـ”اليونيفيل” العمل بشكل مستقل بوجود تنسيق مع الدولة اللبنانية ، والتي قد تطلب تقييد معين لبعض مهمات هذه الوحدات، اذا رأت فيها بعض التجاوز للسيادة، او إذا رأت في بعضها نوع من الحساسية مع الاهالي، والذين قد يرفضون مثلا اجراء تفتيشات لهذه القوات في اماكن لها خصوصية اجتماعية او دينية او عائلية، كما وان الجيش اللبناني مع عمل “اليونيفيل” بشكل مستقل، سيفقد دوره الوطني والامني وخاصة في الجنوب وعلى الحدود مع العدو، فيما لو اختارت دائما هذه الوحدات العمل من دون اعلامه او التنسيق معه.
ثالثا: لناحية تضمّن القرار المعدل، الغاء لفقرة مساعدة قوات “اليونيفيل” للجيش اللبناني بالمحروقات او ببعض التقديمات اللوجستية او الطبية، وهنا بدأ يدخل عامل الابتزاز الى مضمون القرار، وذلك من ضمن استراتيجية اميركية واسعة في هذا الاطار، تستهدف لبنان منذ فترة طويلة، خاصة ان هذا الالغاء تزامن مع تحذيرات رسمية من بعض قادة الاجهزة الامنية والعسكرية، قُدِّمت لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي عن اقتراب الوضع المالي ووضع المحروقات لهذه الاجهزة من الخط الاحمر الخطير، بسبب التمويل شبه المفقود لهذه الاجهزة لتغطية تلك النفقات.
رابعا: لناحية تزامن مداولات التعديل وصدور القرار مع زيارة اموس هوكشتاين الى لبنان ، وهنا يمكن تلمس واستنتاج ما يلي:
ـــ بعد ان كان قد رشح في تحضيرات مشروع التعديل، ان هناك اشارة الى بلدة الماري والى شمال الغجر، من خلال اقتراح توصية من مجلس الامن بالطلب من اسرائيل الانسحاب من تلك المناطق التي احتلتها بعد صدور القرار 1701، غابت هذه الاقتراحات عن القرار المعدل، وحيث تشكل اليوم هذه المنطقة نقطة النزاع الاكثر حساسية بين لبنان وبين “اسرائيل”، بعد ان استطاع لبنان فرض وتنفيذ إجراءآت ميدانية في تلك المنطقة رغما عن العدو، يبدو ان مهمة هوكشتاين اللاحقة ، ستتمحور حول ايجاد حل لهذه النقاط الخلافية، بعد ان رأت “اسرائيل” وجود خطورة اكيدة في محاولة ازالتها بالقوة، مع وجود امكانية كبيرة لتدحرج الامر الى مواجهة غير محسوبة، لن تجدها تل ابيب في مصلحتها بتاتا.
من هنا، وحيث ان اعطاء هوكشتاين عنوانا رئيسيا لزيارته “متابعة تنفيذ عملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل”، في الوقت الذي لا يوجد عمليا اي اشكالية في هذه العملية حتى الان، لا من قبل الجانب اللبناني ولا من قبل الجانب الاسرائيلي في مياه فلسطين المحتلة، وحيث ان المندوب الاميركي لمح في تصريحاته الاخيرة في مطار بيروت عن ضرورة التوصل الى وضع هادىء وآمن على الحدود ، ليتسنى للبنان الاستفادة من عملية الترسيم والحفر ولاحقا الاستخراج …، وحيث ايقن الجميع وخاصة “اسرائيل”، وجوب وضرورة حل مشكلة النقاط الخلافية على الحدود وخاصة الثلاثة عشر نقطة التي يتحفظ عليها لبنان، والتي يشكل حلها موضوعا اساسيا لتثبيت وتاكيد الانسحاب الاسرائيلي الى ما بعد الخط الازرق، وحيث ان مجلس الامن في قراره الاخير، من خلال التناقض في تحديد مهمة ودور “اليونيفل”، ومن خلال التناقض في تحديد العلاقة الفعلية مع الجيش اللبناني، ومن خلال ما يشبه اعترافه بصعوبة عمل هذه الوحدات بشكل زاجر وغير مُقنع للاهالي في الجنوب..انطلاقا من كل ذلك، يمكننا الاستنتاج ان واشنطن قد استطاعت عمليا ان تفرغ دور “اليونيفيل” من مضمونه، بعد ان جعلتها مكبلة بقرار متناقض، بين عملها بشكل مستقل وبين وجوب والزامية تنسيقها مع الجيش اللبناني.
ايضا، ومن خلال حراك هوكشتاين الاخير الذي انطلق كما يبدو، يمكننا الاستنتاج ان واشنطن قد اطلقت عملية رعاية اخرى لتفاوض غير مباشر بين لبنان و”اسرائيل”، اشبه بعملية التفاوض التي انتجت التحديد البحري، وذلك بهدف ظاهر لانهاء الخلافات الحدودية البرية، وايجاد حل للتحفظات اللبنانية على النقاط الثلاثة عشر الحدودية، وخلق مناخ تهدئة على الحدود البرية والبحرية، وطبعا سيكون لواشنطن من وراء ذلك هدف غير معلن وغير ظاهر وربما هو الاساس، وهو توسيع مشاريع التفاوض غير المباشر بين لبنان و”اسرائيل”، بهدف (اميركي ــ اسرائيلي) لكي يصبح هذا التفاوض مباشر وتحت عنوان تحلم به “اسرائيل”، وهو التطبيع مع لبنان.