بعد “بريكس”.. الاتحاد الإفريقي مدعو إلى مجموعة العشرين
صحيفة البعث السورية-
هيفاء علي:
كرّر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية لمجموعة العشرين، الدعوة إلى ضمّ الاتحاد الإفريقي للمجموعة الاقتصادية التي تشكل نحو 85% من الناتج المحلي العالمي، لافتاً خلال كلمته على هامش المنتدى التمهيدي للأعمال المنعقد حالياً في نيودلهي إلى أن انضمام الاتحاد للمجموعة أمر مهمّ بالنظر إلى الدور المتزايد للدول الإفريقية في المجتمع الدولي، تبعته في ذلك وزيرة الخارجية الفرنسية التي نادت بالمطلب ذاته.
هذه الدعوة ليست الأولى من نوعها للمطالبة بضمّ الاتحاد الإفريقي لمجموعة العشرين، فقد بدأت الدعوة منذ القمة التي عُقدت في آب 2020، وخلال رئاسته لدورة 2022 للاتحاد الإفريقي، وفي أثناء مشاركته في قمة العشرين بمدينة بالي الإندونيسية، أعاد الرئيس السنغالي ماكي سال التأكيد على مطلب الانضمام إلى المنتدى العالمي، ثم طُرح هذا الملف مرة أخرى خلال القمة الإفريقية الروسية التي عُقدت مؤخراً، ليعاد الطلب مرة أخرى في القمة المزمع عقدها في العاصمة الهندية خلال يومي 9 و10 سبتمبر/ أيلول المقبل.
أكثر من نصف أعضاء مجموعة العشرين وعلى مستوى رؤساء الدول أعلنوا تأييدهم لتلك الدعوة، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات عن دوافع هذا الإصرار من القوى الاقتصادية الكبرى لضمّ القارة السمراء لخريطة الكبار، وما تعنيه تلك الدعوات المتكررة. فرغم الإمكانات الهائلة التي تتمتّع بها مجموعة العشرين، التي تعتبر المنتدى الأول للتعاون الاقتصادي الدولي، وتشكل نحو 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 75% من التجارة العالمية، وما يقارب ثلثي سكان العالم، فإنها باتت على يقين أنها بمفردها لا يمكنها أن توفر الضمانات اللازمة لمستقبل اقتصادي أكثر استقراراً، فالتكتل الذي يتكوّن من 20 دولة، والذي تشكل عام 1999 وظهرت هويته الاقتصادية كقوة لا يُستهان بها في أعقاب الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية لعام 2007 وما تلاها من أزمات لاحقة، ها هو اليوم يواجه تحديات كبيرة تقوّض مساره، ذلك أن التطورات الجيوسياسية والعسكرية التي تشهدها الخريطة العالمية، ولاسيما بين القوى الكبرى ممثلة في المعسكرين الشرقي والغربي، دفعت الجميع نحو إعادة تموضع وفق آليات مختلفة، تضع في الاعتبار القيمة الاقتصادية واللوجستية لبقية القوى الأخرى في العالم، حتى لو لم تكن على المستوى المأمول اقتصادياً في الوقت الراهن.
وبالطبع، ينطبق هذا الأمر بشكل كبير على القارة الإفريقية، فرغم تواضع الناتج المحلي للاتحاد الإفريقي الذي يضمّ 55 دولة عضواً، والذي لا يتجاوز 3 تريليونات دولار خلال عام 2022 مقارنة بدول المجموعة، حيث يبلغ الناتج المحلي للصين وحدها 17.82 تريليون دولار عام 2021، فإن الأعوام الماضية فرضته كقبلة اقتصادية واعدة.
كما أن التحديات الاقتصادية القاسية التي تعرّض لها العالم منذ عام 2019 وحتى اليوم، وعلى رأسها جائحة كورونا والتغيّرات المناخية وتعاظم الديون والتضخم المرتفع، جعلت من التعاون مع المناطق التي تمتلك ثروات وإمكانات اقتصادية جيدة مسألة لوجستية حيوية، ومن ثم كان هذا الإجماع أو شبه الإجماع على انضمام الاتحاد الإفريقي كعضو داخل مجموعة العشرين الكبرى.
لكن الرسالة الأكثر وضوحاً التي تبعث بها الدعوات المتكررة الصادرة عن زعماء وقادة معسكري الشرق والغرب، تؤكد هذا التغيّر الكبير في نظرة العالم للقارة السمراء، تلك النظرة التي كانت تسيطر عليها الابتزاز والعبودية ونهب موارد القارة ووأدها على أيدي الاستعمار لعقود طويلة.
تغيّرت تلك الرؤية العنصرية السوداء إلى التشاركية والإيمان بقدرات الأفارقة على أن يكونوا شركاء حقيقيين في بناء مستقبل العالم، وقد بدأت تلك النظرة الجديدة في التكوين مع الدور المتزايد للدول الإفريقية في المجتمع الدولي الذي استطاع أن يخطو خطوات واسعة وسريعة نحو الانخراط في المنظومة الدولية بشكل دفع الجميع لإعادة تقييم النظرة الدونية السابقة.
فلم تعد إفريقيا –رغم ما يمزقها من صراعات ونزاعات وهيمنة لحكم العسكر على الكثير من دولها– تلك الضحية المستأنسة، سهلة الاحتواء والاستقطاب كما كانت على مدار عقود طويلة من الاستعمار والاحتلال بشقيه، العسكري والاقتصادي، وهو ما تترجمه حركات التمرّد الأخيرة على الوجود الغربي في القارة.
تلقت القوى الاستعمارية القديمة خلال السنوات الماضية ضربات شديدة الألم في بعض مستعمراتها التقليدية، وصلت إلى حدّ طرد قواتها ومنح سفرائها مهلة لمغادرة البلاد، فيما خرجت الشعوب من كهوف التغييب والتضليل نحو نور الوعي والفهم، فأعلنت هي الأخرى رفضها لهذا الوجود الذي أفرغ بلادها من خيراتها وثرواتها.
وأمام هذا التحوّل الكبير في الوعي الذي بات من الصعب معه الاستسلام للاستراتيجيات الاستعمارية القديمة ذاتها، اضطر العالم إلى فتح المجال أمام إفريقيا للمشاركة مع كيانات العالم الاقتصادية بشكل علني ومباشر، وهو ما حدث في مجموعة بريكس التي ضمّت إلى بيتها كلاً من مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات والسعودية، والأرجنتين، بدءاً من العام القادم، وها هو الاتحاد الإفريقي على مشارف عضوية مجموعة العشرين الكبرى.
بالمجمل، يمكن القول، إن ثمة إيجابيات لتلك الدعوات المتكررة لانضمام الاتحاد الإفريقي لكتلة العشرين، على رأسها تغيّر النظرة العالمية للقارة من أرض طاردة للحياة إلى قبلة ثرية للاستثمارات، ومقوم بناء حقيقي في جدار المستقبل، ومن فريسة استعمارية إلى شريك حقيقي في النمو الاقتصادي، غير أن ذلك يعتمد على قدرة القارة على التعاطي مع التحديات التي تواجهها لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من الانخراط في هذا الكيان الضخم، وحتى لا تتحوّل التشاركية مع مرور الوقت إلى استعمار ناعم من نوع آخر، لكنه هذه المرة سيكون محمياً بسياج شرعي من الاتفاقيات المبرمة التي يصعبُ معها التخلّص منه بسهولة.