#برّي “يفركش” التسوية!
التسوية الرئاسية لايصال رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون دونها عقبة أساسية وضعها رئيس مجلس النواب نبيه بري. فلا تكاد الطريق تفتح أمام عون الى بعبدا حتى يزرعها بري بالألغام، معولا على تضييع الوقت الى حين فقدان التسوية بريقها والعودة الى نقطة الصفر
أرانب رئيس مجلس النواب نبيه بري، لا تُعَدّ ولا تُحصى، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر برئاسة الجمهورية وبشخص النائب ميشال عون على وجه التحديد. ففي السابق، كان الموعد بين جلسة انتخاب رئيس وأخرى لا يتعدّى ثلاثة أسابيع، قبل أن يعيّن بري الجلسة المقبلة يوم أمس في 31 تشرين الأول، أي بعد 33 يوماً.
هو استفزاز واضح للعونيين، «غلّفه» رئيس المجلس النيابي على طريقته عبر تسريب إمكان عقد جلسة مبكرة في حال حصول خرق ما في الشأن الرئاسي. وتأجيل بري يرمي إلى هدف من اثنين: إما إبطاء مفاعيل التسوية وعرقلتها قدر الإمكان، أو الحصول على سلة مكتسبات ثمينة تبدأ بالحفاظ على نظام الشراكة القائم في الحكم وانتزاع ضمانات عونية تتعلق بملفات ووزارات الدولة الرئيسية مقابل رفع الفيتو عن عون. يعكّز بري في مسعاه هذا على سير النائب وليد جنبلاط معه في السراء والضراء. فرغم إعلان المختارة عدم معارضتها لوصول عون إلى بعبدا واقتناعها منذ مدة بعدم جدوى الاستمرار في ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، إلا أنه لن يخطو خطوة إلى الأمام من دون حليفه التاريخي. لذلك، لا إمكانية اليوم للقفز فوق عين التينة والمختارة، وبالتالي، لا بد من مفاوضة بري والحصول على ضوء أخضر واضح منه. أما القول إنه يمكن عون الفوز بكرسي بعبدا من دون المرور ببري من منطلق تأييد نحو 80 نائباً له موزعين بين تيار المستقبل وحزب الله وبعض نواب 8 آذار وتكتل التغيير والإصلاح (في ما عدا المردة) والقوات، فلا يقرّش سياسياً. إذ يصعب وزن بري عبر احتساب عدد نواب كتلة التحرير والتنمية، تماماً كما لم يكن جائزاً في السابق قياس حجم كتلة الوفاء للمقاومة عددياً عند وقوفها ضد تسوية فرنجية. ولا بدّ بالتالي من مفاوضة حزب الله والحريري وعون لبري لنقل التسوية من الإطار الافتراضي إلى الأمر الواقع. فالحريري الذي لم يمهّد الأرض سابقاً لمبادرة ترشيح فرنجية، يبدو أنه وقع في الخطأ نفسه مجدداً، فلم يمهد كما يجب ـــ لا داخل كتلته ولا خارجها ــ لخطوة التراجع عن المبادرة للذهاب نحو ترشيح عون. ولعل خير معبّر عن الواقع، كان فرنجية نفسه، الذي قال للحريري عند لقائهما: «كنا قد اتفقنا على أمرين: أولاً، إذا أردت التراجع عن ترشيحي، أن تفعل ذلك بالتنسيق معي ومع الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط. لماذا لا نعقد لقاءً رباعياً اليوم لحسم الأمر؟ ثانياً، أنك إذا تراجعت عن دعمي، ألّا تدعم ترشيح عون، بل أن نذهب إلى خيار ثالث». فردّ الحريري بالقول: «أنا مستعد لانتخابك غداً. لكن أنت تعرف أن الرئيس بري لم يؤمن موافقة حلفائكما على انتخابك. ولا نستطيع الاستمرار في هذا الأمر». ثم لفت الحريري إلى أنه لا يريد إعلان دعم عون، «بل مجرد التشاور للخروج من حال المراوحة».
في النهاية، تبدو المشاورات متجمّدة عند سور عين التينة، الذي عُزِّز بجبهة تضم إلى بري وجنبلاط وفرنجية، عدداً من نواب 14 آذار، كدوري شمعون وبطرس حرب. وتؤكد مصادر سياسية مطلعة أن بري يراهن على إضاعة الوقت وإطالة أمد التداول بمبادرة الحريري المفترضة إلى حين خفوتها بعد مضي شهر أو اثنين كما في حالة المبادرة الأولى بترشيح فرنجية. فالحل الأفضل بالنسبة إلى بري أولاً، هو إسقاط ترشيح عون. أما الحل الثاني، فكرره بري في لقاء الأربعاء: «الاتفاق على جملة التفاهمات هو المعبر للحل المتكامل الذي يبدأ برئاسة الجمهورية». فيما هناك من يعوّل على موقفَي بري وجنبلاط حول ضرورة عودة الحريري إلى السلطة «ظالماً كان أو مظلوماً»، لتليين تشددهما بعد ثبوت أن فوز الحريري برئاسة الحكومة مجدداً لن يتحقق إلا بعودة عون إلى بعبدا.
ويبدو أن حزب الله على موعد مع حملة ممنهجة ستطاوله في الأيام المقبلة من الحليف والخصم، بدءاً بالمردة، مروراً بالتيار الوطني الحر الذي يحمّله بعض نوابه مسؤولية إقناع بري برفع الفيتو عن زعيمهم، وصولاً إلى القوات اللبنانية التي ستستغل معاندة بري للعب على الوتر الأحبّ على قلبها ضمن السيناريو المملّ نفسه منذ إعلان النيات مع عون: دق إسفين الخلاف بين عون والحزب من منطلق عدم جدّية ترشيحه لرئيس تكتل التغيير والإصلاح، وإلا كان ضغط على حليفه من أجل ضمان وصوله إلى بعبدا. وجاءت كلمة النائب جورج عدوان أمس لتؤكد ما سبق، حيث أشار إلى ضرورة «بذل حزب الله الجهد والإقناع المطلوب منه كي يدفع بقوى الثامن من آذار فعلياً باتجاه انتخاب العماد عون». فالقول إن «الممر الوحيد والإلزامي لانتخابات الرئاسة هو العماد عون لا يكفي إذا لم يقترن بفعل (…) وفي ضوء ذلك يتأكد لنا مدى حرص حزب الله وتشبثه بانتخاب العماد عون». ولم ينسَ عدوان الغمز من قناة سعي بري إلى حضور السوق الرئاسي، موضحاً رسالة بري السياسية من وراء تأجيل الجلسة: «إذا كنتم تطبخون بمعزل عني، فلن تستطيعوا أن تأكلوا. تفضلوا إما أن تأخذوا رأيي كشيف طباخ، وإما لن تأكلوا».
على المقلب العوني، الشارع معلّق اليوم في انتظار ما ستؤول إليه المبادرة التي يقودها الحريري وجولته التي بدأها أمس في الصيفي فبكفيا مع الرئيس أمين الجميّل والنائب سامي الجميّل، وختمها في بيت الوسط مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط. وبحسب مصادر الرابية، إن هدف رئيس المجلس النيابي «تركيع عون. إلا أن السؤال الرئيسي هو عن مدى إمكانية تحمّل بري نتائج إفشال وصول أول رئيس جمهورية متفق عليه مسيحياً والأكثر تمثيلاً نيابياً وشعبياً». لذلك ينتظر التيار «تحرك حزب الله باتجاه بري»، وقد علمت «الأخبار» أن «الحزب في صدد القيام بمسعى بين عون وبري لإقناع الأخير بإزالة العقبات، في مقابل قيام عون بخطوات نحو رئيس المجلس، تبدأ بالاعتراف بشرعية البرلمان ومنح عين التينة الضمانات المطلوبة». وحتى وقت قصير، لم يكن الحزب قد نجح في مسعاه بعد.
في المحصلة، كل القوى باتت «مزروكة»: عون يعيش تحت رحمة الوقت؛ الحريري يخشى فشل مبادرته الثانية، وبالتالي، ضياع فرصته الوحيدة (ربما) للعودة إلى رئاسة الحكومة؛ بري يرزح تحت ضغط معنوي لكونه حالياً يقف في وجه خيار غالبية المسيحيين؛ أما حزب الله، فيعاني من كل الضغوط السابقة مجتمعة. فهو لا يريد أن تضيع الفرصة على حليفه، كذلك لن يرضى بتشرذم فريقه السياسي، ولن يختار ما يعارضه الرئيس نبيه بري، ويثمّن غالياً مواقف فرنجية إلى جانبه ولا يقبل أن «يخسره».
المصدر: صحيفة الأخبار