بري إلى جانب «الجنرال».. بعد استعادة «شرعية» المجلس ـ قرار «كسر عون» يضع لبنان في الثلاجة
صحيفة السفير اللبنانية ـ
ايلي الفرزلي:
كانت البداية من الرياض. هناك حددت الساعة صفر في معركة القضاء على أحلام «الجنرال». أُعطي سمير جعجع شرف أن يكون في صدر دار آل سعود عندما اتخذ القرار. وما أن عاد إلى بيروت حتى كان «الفرمان السلطاني» قد عمم على طالبي الطاعة «لا رئاسة ولا قيادة جيش ولا مكاسب لعون». ولسببين: الأول الرغبة السعودية في تأخير الملف اللبناني قدر الإمكان، والثاني الخوف من أن يؤدي الطموح العوني بـ «المناصفة» إلى تعديلات في بنية نظام «الطائف».
في تلك الرواية عن الرغبة السعودية بتأخير إنجاز الملف اللبناني، تقاطُعٌ مع ما يحكى عن عدم استعجال إيراني لفتح الملف أيضاً، من خلال إبلاغ من يهمه الأمر أن «على المسيحيين أن يتفقوا على اسم الرئيس». لكن من يتابع السياسة الإيرانية، يؤكد أن الإيرانيين فاتحوا الفرنسيين بضرورة تسهيل الملف اللبناني. ولمزيد من الدقة، ثمة من يوضح أن الرئيس الإيراني حسن روحاني فاتح وزير الخارجية الفرنسي رولان فابيوس بالملف اللبناني بغية إيجاد الحلول له. كما يتردد أن عدم تطرق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في المقالة التي نشرت في «السفير» إلى الملف اللبناني، وتركيزه على الملفين اليمني والسوري، كان مبنياً على اعتقاد أن «بالامكان إيجاد حلول لمشاكله بمعزل عن الملفات المعقدة في المنطقة».
الرغبة الإيرانية التي عبّر عنها روحاني وظريف، لم تؤثر في من يُحَضِّر أجندة المنطقة، ويصّر على أن يكون اليمن هو المدخل لحل أزمات المنطقة، على أن يليه سوريا فلبنان. وهو ما يعني أن المطلوب إبقاء لبنان ورقة بيد المتفاوضين، بدل تحوله إلى ورقة حسن نية تسبق عملية التفاوض. وبناء لذلك، كان المطلوب إبقاء الملف اللبناني على حاله وعدم فتح منافذ للحل قبل الأوان، وبالتالي عدم تسليف عون مواقف ومناصب مجانية إلى أن يحين موعد التسوية.
هنا، لم يبق سوى ترجمة القرار لبنانياً، فكان أن جُمعت «14 آذار» تحت لواء الهجوم على عون، بهدف إخراجه مهزوماً خالي الوفاض، بالرغم من الوعود المتسرعة التي أعطيت له، والتي محيت بقرار خارجي سريع. وبالفعل، أظهرت «14 آذار» بأحزابها وشخصياتها التزاماً دقيقاً بالمطلوب منها، فلم تكتفِ بهزيمة عون إنما أصرت على إحراجه أيضاً. وهو ما حصل عندما اقتنع متأخراً بالتسوية التي تقضي برفع سن التقاعد لجميع الضباط، متنازلاً بالتالي عن رفضه المطلق لمبدأ التمديد، قبل أن يكتشف أن ما كتب قد كتب وأن قرار التمديد لقهوجي صار جاهزاً.
عندما يكون عون هو الخصم، تصير المتعة في محاربته مضاعفة. لكن أسباب هذه المتعة وأهدافها تختصر بالرغبة بتحجيمه قدر الإمكان. غير أن هذه الرغبة، بدت مرفقة بقرار كبير بمعاقبته على خطواته التي قد تنطوي على تهديد للصيغة السياسية القائمة، علماً أن هكذا حملات ليست جديدة على عون؛ فمنذ نطق وليد جنبلاط عبارته الشهيرة عن الـ «تسونامي» العوني، لا تزال كل تركيبة السلطة تعمل للقضاء عليه سياسياً، ولم يكن ينقصه سوى التحالف مع حزب الله حتى يتحول إلى العدو الأول لشخصيات وتيارات ودول لم يعد دافعها الخوف منه فقط، بل معاقبته على إعطاء «حزب الله» مشروعية وطنية تتخطى طائفته.
المربك في تلك الحملة الأخيرة، كان ظهور الرئيس نبيه بري على خط الحملة، كجزء لا يتجزأ منها. هل اختار الوقوف إلى جانب خصومه في وجه «حليفه الاستراتيجي»، بالرغم من أن شظايا المعركة ستطال حكماً «حزب الله»؟ الأكيد أن حلفاء الجنرال مقتنعون أن «المعركة لم تنته بعد»، أما بالنسبة لموقف بري فثمة اقتناع أنه في لحظة المواقف الحاسمة سيكون إلى جانب عون وليس ضده. أضف إلى أنه لن يسمح للحركة التي تستهدف كسر عون أن تأخذ مداها.
يذكّر هؤلاء أن بري يكرر أن لا مشكلة له مع عون إنما مع المحيطين به، أضف إلى أنه يستطيع أن يتحمل كل شيء إلا تعطيل مجلس النواب. وللتذكير، فإن بري ربط مسألة تأييده عون للرئاسة بمسألة شرعية مجلس النواب. وهو ما يعني أنه فور حل هذه المسألة تنتفي الغاية من «رفض انتخاب من يشكك بشرعيتي».
صحيح أن «حزب الله» ظل صامتاً على التمديد، بما فُسِّرَ أنه موافقة ضمنية على ذلك، إلا أن للحزب ثابتة يكررها دائماً «لن نترك عون وحديداً». وعليه، فإن الحزب سيبقى إلى جانب حليفه ولن يسمح بكسره مهما كان إيقاع المواقف السياسية، وحتى لو اختلف معه في «الفدرالية» و «فتح مجلس النواب».. وغيرهما من المسائل.