بريجنسكي: السعودية مدعوة للاتعاظ هناك شراكة تكتيكية مع إيران.. والأسد واقع في الحل السوري
صحيفة السفير اللبنانية ـ
وسيم ابراهيم:
لا يزال زبيغنيو بريجنسكي حاضراً في قلب النقاش حول السياسة الخارجية الأميركية. قضى سنوات مستشاراً للأمن القومي (1977 – 1981)، إلى جانب الرئيس السابق جيمي كارتر، شهدت أحداثاً محورية. خلالها حصل الغزو السوفياتي لأفغانستان، ودعم بريجنسكي خطة واشنطن لتدريب وتجهيز قوات «المجاهدين» الأفغان، التي استنزفت موسكو وحملتها على الانسحاب بعد عشر سنوات.
شهدت فترة خدمته في البيت الأبيض أيضاً توقيع اتفاقية «كامب ديفيد»، في حين كانت الولايات المتحدة تفقد حليفها الإيراني مع نجاح الثورة الإسلامية. لكن تلك المآثر التاريخية ليست السبب الوحيد لبقاء بريجنسكي اسماً لامعاً، وهو يقف على عتبات التسعين من عمره (مواليد العام 1928). هو قبل كل ذلك عالم سياسة، حاضر في أعرق الجامعات الأميركية. نشر العديد من الكتب التي ركزت على البعد الإستراتيجي لعلاقات الولايات المتحدة، بناها فوق مفاهيم مدرسة الواقعية السياسية، إلى جانب محورية الجغرافيا السياسية فيها. لا يزال يعمل الآن في المعهد البحثي الشهير «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» إضافة لكونه أحد أمنائه.
تحدث بريجنسكي إلى مجموعة صغيرة من وسائل الإعلام في بروكسل، من بينها «السفير»، على هامش حضوره «منتدى بروكسل» السنوي الذي تنظمه مؤسسة «جيرمان مارشال فاوند» الأميركية.
إحدى الجمل التي رددها منظمو المنتدى هي قول بريجنسكي: «فَكِّر إستراتيجياً واعرف ما تريد، وتصرف وفق دروس التاريخ». بناء على مقولته، فالإدارة الأميركية مُنتَقَدَة على الجهتين في سوريا: يؤخذ عليها عدم وضوح ما تريده، وتحركها يذكر بتكرار تجربة «المجاهدين» في أفغانستان التي أنتجت «القاعدة».
طبعاً بريجنسكي يرفض هذه القراءة، ولا يزال يدافع عن خياراتهم السابقة. حينما أثرنا المسألة، قال مباشرة: «لا أعتقد أن الأمرَين قابلان جداً للمقارنة».
لكن التساؤل حول من هي «الأيدي الصح» وتلك «الخطأ» كان حاضراً دائماً في سوريا. يعقب على ذلك بالقول إن «المشكلة هي تحديد من هي الأيدي الصحيحة بالضبط. مثلاً، هناك مجموعة من تلك المجموعات المعارضة لـ(الرئيس السوري بشار) الأسد تحاول أن تكون متعاطفة مع المفاهيم الغربية، وينظر إليها من قبل الولايات المتحدة باعتبارها الأكثر اعتدالاً، لكنها من المنظور العسكري هي حتماً الأضعف».
لكن السعودية أرسلت، بالإضافة إلى الدعم والتمويل، «جهاديين» إلى أفغانستان، ألا ترى الأمر يتكرر في سوريا؟ يرد بريجنسكي مباشرة: «لا، المقاومة في أفغانستان كانت من المجاهدين الأفغان، هذا محدد جداً ومختلف جذرياً، وهم أقرب إلى طالبان منهم إلى الوهابيين في السعودية»، قبل أن يضيف: «بالتأكيد كل صراع مثل هذا يجذب مقاتلين (أجانب)، لكن القوة الأساسية (في أفغانستان) كانت من أبناء البلد وليس من الخارج».
لكن السياسي والأكاديمي المخضرم لا يزال يتغنى بالنجاح في إخراج السوفيات، ويردد أن مقولة «دعه ينزف» أتت بثمارها. ليس واضحاً، بالضبط، إن كانت الإستراتيجية ذاتها تطبق في سوريا الآن.
بناء على كل ذلك، ليس حكيماً عدم سؤاله حول ما يتردد عن «التفاوض مع الأسد». يصحح وضع جلوسه، ويقول بعد لحظة تردد: «أعتقد، سواء أردنا أم لا، أنه يمثل واقعاً ليس بقليل في الحياة السياسية السورية. أفضل إثبات على ذلك أنه كان خلال أربع سنوات يتعرض لهجوم من تجمعات مختلفة، في لحظة معينة بدعم أميركي صريح للهجوم عليه، ومؤخراً بدعم أميركي أكثر تكتّماً، وربما حتى مع نوع من التغيير في التفكير. إذاً، من الواضح أنه يجب أن يكون، بطريقة ما، جزءا من الحل. لكن لا يمكنني القول بأي طريقة، لأنني، أولاً، لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستملي الحل».
مع ذلك، يضع بريجنسكي «الحل» في مكانه من صراع معقد، مردفاً أنه «من هذه الترابطات والعلاقات المختلفة والمعقدة قد يخرج حل، وهو (الأسد) طالب بالحق، إذا أردنا أم لا، بأن يكون بطريقة ما منخرطاً في نوع من التوليفة الجماعية، إذا كان ذلك ممكناً»، قبل أن يستدرك: «لكنني شخصياً متشائم من إمكانية القيام بذلك بسهولة أو سرعة، أعتقد أنها عملية لديها ما يؤهلها، للأسف، لأن تكون صراعاً طويلاً ومدمراً، والناس الموجودون في المنطقة هم من سيعانون الأكثر».
دعم بريجنسكي بحماسة صعود باراك أوباما، وأشاد بإدراكه الحاجة إلى «تحديد جديد للدور الأميركي في العالم». الرئيس الأميركي بدوره بادل الثناء بأحسن منه، وقدم بريجنسكي باعتباره «واحداً من مفكرينا الأكثر تميزاً».
حين الاستماع إلى بريجنسكي يمكن فهم أن هناك أرضية أتاحت هذا الثناء المتبادل. حينما سألناه عن رأيه بإمكانية حل الصراع السوري، بوصفه حلقة في صراع أوسع باتت تشهده المنطقة، رد بالقول: «إنها قضية في غاية التعقيد والصعوبة، من الواضح أن الحل لن يكون مفروضاً على النمط الغربي، في ما يتعلق بالنتيجة النهائية. لم نعد نعيش زمن الاستعمار، والأسوأ من ذلك ان وجود قوى استعمارية غربية سابقة في المنطقة هو محط استياء شديد، حتى من قبل أناس ليسوا على صلة بالعناصر الأكثر تطرفاً. لذلك، برأيي، يجب على الولايات المتحدة تجنّب أي تحرك يوحي بأنها تحاول فرض حلّ مفصّل على الطريقة الأميركية».
ولكن مع ذلك، يرى أن هناك أبعاداً واضحة للصراع، كما يدافع عن حق واشنطن في الرد حينما يتعرض مواطنوها للقتل بوحشية، بالإضافة إلى «الحق في مساعدة تلك الحكومات العربية التي تحظى بدعم شعبي كاف، للحصول على نظام أكثر اعتدالاً وانفتاحاً وموثوقا به حقاً».
وفي تصنيفه لأركان الصراع القائم، يبدأ من القضية الكردية. يقول عن ذلك إن حل الصراع «سيعتمد، على المدى البعيد، على ترتيبات معقدة جداً لا يمكننا صياغتها، بين تركيا وكردستان، وهذه مشكلة كبيرة لتركيا ولا يمكننا حلها، ولكن من المهم أن يحلوها هم لاخماد عنصر يساهم في القتال».
ينتقل بريجنسكي للحديث عن إحدى المراحل التي تغذي الصراع الحالي، وينصح واشنطن بالابتعاد عنه. يقول بلهجة محذرة إن «هذا الصراع بين الشيعة والسنة ليس نضالاً من أجل الديموقراطية، إنه نضال ذو شخصية طائفية، وليس من شأننا أبداً أن نكون جزءا من ذلك. سيكون الأفضل لكليهما إذا كَفَّا عن هذا النوع من السياسة الدولية المبنية على العنف الديني، وإذا وجدنا هناك بلدا عربيا معتدلا قاوم، فقد نساعده بطريقة محدودة ما، لكن يجب أن يتم حلّ الأمر عبرهم».
بعد هذا العرض، ينتقل بريجنسكي إلى الحديث عن دول بعينها، على وجه الإجمال. يقول عن السعودية «هي من جهة تحدّث نفسها ببطء لكن بشكل معتبر، وفي الوقت ذاته نقطة انطلاق لحركات وهابية. لا أعتقد أنه علينا أن ندعم هذا لأنه سيساهم في الصراع. سيكون أفضل بكثير لو يصل السعوديون بأنفسهم إلى هذا الاستنتاج، بألا ينخرطوا في صراعات ستكون مكلفة جداً لهم، وقد تهدد سيادتهم الاقتصادية، أنظر إلى اليمن كيف يتغيّر».
يتوقف بريجنسكي عند مصر. يقفز عن أزمتها الداخلية، ويضع خطين تحت دور متمايز يمكنها أن تلعبه، وينصح بتشجيعها عليه. يقول إن «مصر دولة تاريخية عظيمة وذات أهمية كبيرة. لقد تجنبت حتى الآن الانخراط في هذا النوع من السياسة العربية، لكن على الأرجح لن تكون قادرة على تجنب ذلك كاملا. ولذلك، يمكنها أن تلعب دورا مفيدا، بخيارها المحض، ويجب أن نبدي تعاطفا مع ذلك».
مع كل هذا التشابك والتعقيد، لكن بريجنسكي لا يضيع عن بوصلته. يعود إلى دور واشنطن، ليقول إنه يعرف تماما ما لا يجب أن يكونه :»آخر شيء أريد رؤية أميركا تفعله هو أن يتم النظر إليها، عن وجه حق أم لا، عبر كثيرين جدا، إضافة إلى المتطرفين، على أنها قوة عظمة تقتفي أثر القوى الاستعمارية السابقة، تلك التي أنكرت في الواقع الهوية الأصلية لهؤلاء الناس، عبر الجلوس إلى الطاولة لترسم خطوطا في 1918 وتقسّم الشرق الأوسط بين بعضها».
حينما تدور الاسئلة حول إيران، يرى بريجنسكي أن العلاقة معها في العراق هي «مزيج من الشراكة التكتيكية، ولا يمكن التنبؤ إلى أين سيذهب ذلك». لكنه يبدو أكثر استعدادا للتنبؤ «بيقين أكثر بقليل» بما يحيط بالمفاوضات النووية، مع العلم أنه حذر سابقا بصرامة من إغارة اسرائيل على منشآت إيران، موحيا عام 2009 بامكانية إسقاط واشنطن للطائرات الاسرائيلية في حال أصرت تل أبيب على رأيها.
يبدو انه لا يزال ينظر للأمر بدلالة هذه العقدة، إذ يقول: «في حال الوصول لاتفاق كهذا (نووي)، سيكون هنالك توتر أكبر وامكانية أعلى للصراع، خصوصا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو ليس الوحيد، كان قاطعا في اصراره على إخضاع إيران لوضع خاص حينما يتعلق الأمر بالطاقة النووية».
[ad_2]