لقطات كثيرة في لقاء ليلة أول من أمس بين بايرن ميونيخ الألماني ومضيفه مانشستر سيتي الانكليزي، على ملعب «الاتحاد»، تختصر واقع الحال وما جرى فيها. بدءاً من تصفيق جماهير الـ «سيتيزينس» للاعبي البافاري بعد انتهاء المباراة، وليس انتهاء بطأطأة رأس مدرب سيتي التشيلياني مانويل بيلليغريني. الا أن اللقطة الأكثر تعبيراً هي في الدقيقة الـ56 عندما ارتقى توماس مولر عالياً واستقبل الكرة مطيحاً الحارس جو هارت على الأرض ومسجلاً الهدف الثاني.
لقطة تختصر صورة فريقين: أحدهما يحلق في الفضاء، وثانيهما أثقلته الأموال الخليجية فسقط أرضاً.
في حقيقة الأمر، ليس بعابر على الإطلاق ما حصل ليلة اول من أمس في مدينة مانشستر. طبعاً توصيف سيتي يمكن اختصاره بكلمة: فريق بنى أحلامه على الأموال، فليس بالغريب أن تتحول في ليلة ليلاء الى أوهام.
الحديث بالتأكيد هنا هو عن بايرن ميونيخ. فما فعله بايرن ليلة الأربعاء يفوق الوصف من دون مبالغة. صحيح أن البافاري أذهل أوروبا في الموسم الماضي وتحديداً بسباعيته في مرمى برشلونة الاسباني في نصف نهائي المسابقة الأوروبية الأم، لكن أن يكرر هذا الفريق ثلاثية «كامب نو» في ملعب «الاتحاد» بأسلوب أكثر تطوراً، فهذا ما يجدر التوقف عنده طويلاً، بالمقارنة بين وضعية برشلونة وقتها، الذي كان قد فقد الأمل ومعه نجمه الارجنتيني ليونيل ميسي في مباراة الذهاب، ووضعية سيتي حالياً كفريق يعيش روحية متجددة.
في الواقع، يمكن القول إن الانطلاقة الفعلية لعهد بايرن ميونيخ مع مدربه الاسباني جوسيب غوارديولا كانت الأربعاء. كأن هذا المدرب الفذ لم يشأ أن يحرق المراحل. كان قد حدّد التوقيت المناسب ليظهر للعالم ما في جعبته، بعدما وصل الأمر الى رسم علامات استفهام حول بايرن غوارديولا مقارنة ببايرن يوب هاينكس. الأربعاء ارتدى «بيب» بزته الأنيقة كعادته وجلس هادئاً على مقعده، وبرمشة عين اعطى الاشارة للاعبيه: أدهشوا العالم.
بدت واضحة وضوح الشمس الأربعاء، للمرة الأولى منذ مجيئه، بصمة غوارديولا على البافاري. الأمر طبعاً لا يتوقف على اسناده المفاجئ للنشيط توماس مولر مهمة المهاجم الوهمي ولتغييره الخططي باعتماده تشكيلة 4-1-4-1 عبر حضور فيليب لام في الوسط أمام المدافعين، بل إلى أداء الفريق الأحمر الذي جمع بين فكر سلفه هاينكس القائم على السرعة والقوة البدنية، وفكر المدرب الاسباني القائم على الاستحواذ على الكرة وارهاق المنافس بالتمريرات القصيرة، حيث وصلت نسبة الامتلاك أمام سيتي إلى 61 %، اما التمريرات فإلى 690.
ما أمكن ملاحظته الأربعاء أن غوارديولا طوّر خطة «التيكي تاكا» بنسختها الألمانية، بحيث أنها مع برشلونة كانت تأخذ أحياناً كثيرة طابعاً مملاً، فيما هي مع بايرن تنحو باتجاه رسم لوحات مدهشة على المستطيل الأخضر مع خطورة أكبر، وهو ما ساعده فيه العقل الألماني الذي يبرع في تنفيذ المهمة بحذافيرها، وبوجود لاعبين مهرة على شاكلة الفرنسي فرانك ريبيري، والهولندي أريين روبن، مع الاشارة الى الاضافة الكبيرة لأسلوب اللعب التي ستمثلها عودة الاسبانيين تياغو ألكانتارا وخافي مارتينيز ورجوع لام الى مركزه.
«لم أرَ مثل هذا البايرن في حياتي»، هذا ما نُقل عن أولي هونيس، رئيس بايرن ميونيخ، بعد المباراة. كلام كثير من هذا النوع، لا شك، سيسمعه المتابعون حول بايرن غوارديولا في المواعيد المقبلة، فنحن امام مؤشر قوي لكي نكون، حقاً، أمام أفضل فريق ليس في زمنه فحسب، بل في تاريخ كرة القدم.
المصدر: صحيفة الأخبار اللبنانية