بايدن يتحدّى إيران ويُلوّح بالحرب ضدّها

صحيفة الوفاق الإيرانية-

عبدالباري عطوان:

يبدو واضِحًا أن الولايات المتحدة الأمريكيّة باتت تُلقي بكُلّ ثقلها علنًا خلف الاحتِجاجات التي تسود إيران مُنذ أكثر من شهر، وتُقدّم الدّعم السّياسي والإعلامي وربّما العسكريّ لاحقًا للمُشاركين فيها، وتستخدم وفاة الفتاة مهسا أميني الكُرديّة الإيرانيّة الشابّة في مركز احتِجاز للشّرطة بعد اعتِقالها بتُهمة تجاهل قواعد الالتِزام الصّارمة بالحجاب كذَريعةٍ للتدخّل في الشّؤون الداخليّة الإيرانيّة، وربّما كمُفجّر للدّخول في حربٍ ضدّها، سواءً بالإنابة أو بشَكلٍ مُباشر، لتغيير النّظام في طِهران، بعد انهِيار المفاوضات النوويّة في فيينا.
فعندما يخرج الرئيس جو بايدن إلى العلن ويُؤكّد وقوفه إلى جانب المُحتجّين في إيران، ويُؤكّد دعم بلاده لهم، وتستقبل نائبته كامالا هاريس ومسؤولون أمريكيّون كِبارًا على رأسهم جيك سوليفان مُستشار الأمن القومي الأمريكي، وأنتوني بلينكن وزير الخارجيّة، ناشطين من أُصولٍ إيرانيّة يقودون هذه الاحتِجاجات فهذا يعني التّمهيد لإعلانِ حربٍ ضدّ إيران، وقد يتم استِخدام إقليم كُردستان العِراق كقاعدةٍ لانطِلاق الطّائرات الأمريكيّة لضرب طِهران والمُدُن الإيرانيّة الأُخرى.

رئيس الجمهورية الإيراني السيّد إبراهيم رئيسي لم يتردّد لحظةً في اتّهام الولايات المتحدة بالعمل على زعزعة استِقرار إيران مُؤكّدًا ” أنّ الأمّة الإيرانيّة أفشلت الخِيار العسكريّ وألحقت هزيمةً نكراء بسياسة العُقوبات والضّغوط القُصوى”، لكنّ اللواء محمد باقري رئيس هيئة الأركان العامّة للقوّات المُسلّحة الإيرانيّة ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما أكّد ” أن إيران لن تتحمّل وجود ثلاثة آلاف إرهابي مُسلّح في كُردستان العِراق، بدَعمٍ من الولايات المتّحدة يعملون على زعزعة الأمن القومي الإيراني” ، وقال ” إن هذه المِنطقة كانت وما زالت قاعدةً للصّهاينة يتَسلّلون منها إلى إيران لتنفيذ عمليّات اغتِيال، وأنشطةٍ إرهابيّةٍ أُخرى”.

شرارة تفجير المُواجهة العسكريّة المُحتملة بين إيران من جهة، وأمريكا وإسرائيل من جهة أُخرى، قد تأتي من أربيل عاصمة إقليم الحُكم الذّاتي الكُردي، هذا إذا لم تكن قد أتَتْ فِعلًا من خِلال إسقاط طائرة مُسيّرة إيرانيّة قبل بضعة أيّام، وينعكس هذا الاحتِمال في الفقرة التي وردت في تصريحات اللواء باقري السّابقة التي قال فيها “إن إيران تعرف أماكن مقرّات القواعد الأمريكيّة في أربيل ودهوك، ومُنذ اليوم فصاعِدًا سنَرُدّ إذا اتّخذوا أيّ إجراء ضدّ طائراتنا المُسيّرة”.

هذه التّهديدات وعلى لِسان قائد الجيوش الإيرانيّة، تعكس حالةَ قلق طِهران المُتزايدة من جرّاء إطالة أمَدِ الاحتِجاجات ووصولها إلى مُعظم المُدُن الإيرانيّة، خاصَّةً بعد نُزول الإدارة الأمريكيّة بكُلّ ثقلها لتقديم التّنازلات التي قدّمتها الحُكومة لتهدئتها بِما في ذلك عُروض لمُراجعة قوانين اللّباس الصّارمة للفتيات.

السُّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ في هذا المِلف هو حول الأهداف الحقيقيّة وراء الدّعم الأمريكي العلني للاحتِجاجات، فهل يقتصر على دعم مطالب المحتجّين بإلغاء الحجاب وإعطاء المزيد من الحُريّات في اللّباس وحُقوق الإنسان الأُخرى؟ أمْ استِخدام هذه المطالب “المشروعة” في نظر غالبيّة المحتَجّات لزعزعة استقرار النّظام تمهيدًا لإضعافه، ومن ثُمّ إسقاطه وتغييره في نهاية المطاف، وإغراق البِلاد في حربٍ داخلية بقِيادة أمريكا وإسرائيل على غِرار ما حدث في سورية وليبيا واليمن والعِراق؟

نُرَجِّح الخِيار الثاني، أيّ تقويض النظام الإيراني واستِفزازه أمريكيًّا لتركيعه وإجباره على العودة إلى الاتّفاق النووي وِفقَ الشّروط الأمريكيّة الإسرائيليّة، وإلا لا بديل عن الحرب، وتِكرار السّيناريو السّوري حَرفيًّا، ومُحاولة تفتيت إيران وإسقاط نظامها.

الرئيس بايدن يُريد أن ينتقم من النظام الإيراني، ليس حِرصًا على أرواح ضحايا الاحتجاجات وإلغاء والحجاب، بل بسبب رفض الشّروط الأمريكيّة للعودة إلى الاتّفاق النووي، و أيضًا لانضِمامه (النظام الإيراني) إلى المحور الروسي في الحرب الأوكرانيّة، وتزويد جيشه بالمُسيّرات الإيرانيّة المُتطوّرة ممّا أدّى إلى إلحاقِ خسائر كبيرة بالجيش الأوكراني في الأيّام والأسابيع الأخيرة رُغمَ النّفي الإيراني المُتكرّر، علاوةً على دَعمِ اتّفاق “أوبك بلس”، بتخفيض إنتاج النفط مِليونيّ برميل يوميًّا وما يترتّب على ذلك من تَبِعاتٍ سلبيّةٍ على الاقتِصاد الأمريكيّ.

وساطة الإدارة الأمريكيّة عبر عاموس هوكشتاين نجحت في تجنّبِ حربٍ إقليميّةٍ انطِلاقًا من لبنان بالوصول إلى اتّفاق حول الخِلاف الحُدوديّ مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، ليس حِرصًا على لبنان، أو خوفًا على أمن هذا الاحتِلال، وإنّما لأنّها ربّما تُريد التّركيز على الحرب الأكبر مع “التنّين” الأخطر، أيّ إيران، وإغراقها في حربٍ إقليميّةٍ كُبرى، فلبنان يظَلُّ سمكةً صغيرةً جدًّا في بركةِ الاستراتيجيّة الأمريكيّة في الشّرق الأوسط.

هُناك ثلاثة أمور نختم بها هذه المقالة:

الأوّل: إنّ جميع ثورات “الربيع العربي” التي دعمتها أمريكا في المِنطقة العربيّة فشلت فشلًا ذريعًا وأعطت نتائج عكسيّة، في مِصر وتونس وليبيا وسورية واليمن.

الثاني: جميع الدّول التي تدخّلت فيها الولايات المتحدة الأمريكيّة عسكريًّا بشَكلٍ مُباشر أو غير مُباشر لتغيير أنظمتها، انتهت بهزيمةٍ أمريكيّةٍ كُبرى، وخسارة ترليونات الدّولارات ومقتل آلاف الجُنود الأمريكيين، وإصابة مِئات الآلاف منهم، وتحوّل مُعظمها إلى دُوَلٍ فاشلةٍ سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، وأصبحت أسوأ حالًا ممّا كانت عليه قبل هذا “الرّبيع” والدّعم الأمريكيّ، ولنا في أفغانستان والعِراق وسورية بعض الأمثلة التي تُؤكّد ما نقول.

الثالث: الشّعوب التي وقعت في مِصيَدة أُكذوبة الدّعم الأمريكي للديمقراطيّة وحُقوق الإنسان دائمًا هي الضحيّة الكُبرى، فهذه الحُقوق المشروعة مُجَرّد أداة، وما ذهاب الرئيس بايدن إلى الرياض زاحِفًا، وراكِعًا، من أجلِ النفط إلا أحد الأمثلة.

أمريكا التي انهزمت في العِراق وأفغانستان وسورية ستَنْهزِم في إيران، حتمًا في إيران، خاصَّةً أنها مُتورّطة في حربٍ أكثر خُطورةً حاليًّا، وتُشَكِّل لها تهديدًا وجوديًّا في أوكرانيا، وستدفع حليفتها إسرائيل التي تُحرّضها لخوض هذه الحرب ثمَنًا باهِظًا جدًّا.