بايدن لاوباما في العام 2009: فَشَلُنا في أفغانستان محتومٌ
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج*:
منذ أن قرر الرئيس الأميركي جو بايدن الدخول في المعترك الرئاسي، كان الانسحاب الأميركي من أفغانستان من أولويات أجندته السياسية، التي عمل على تنفيذها بشكل سريع بعد فوزه ودخوله الى البيت الأبيض رغم معارضة عدد من جنرالات الحرب لقراره، وهو ما شهدناه خلال الأشهر والأسابيع القليلة الماضية.
الآن بعد أن أصبح بايدن رئيسًا وعمل على سحب جنوده بالفعل من افغانستان – مما أدى إلى سيطرة طالبان عليها- ولنفهم سبب حزمه وتصميمه على قراره هذا، وتجاهله نصيحة المؤسسة العسكرية الأميركية، فلنعد الى الوقائع التي جرت قبل أكثر من عقد، خلال السنوات الأولى لرئاسة باراك أوباما.
في السنة الأولى من عهد اوباما، اندلع نقاش شاق استمر لعدة أشهر، حول ما يجب أن تكون عليه أهداف الولايات المتحدة بالضبط في أفغانستان، وما إذا كانت هناك حاجة إلى المزيد من القوات لإنجازها.
في وقت مبكر من العام 2009، طلب كبار الجنرالات، حوالي 17000 جنديًا أميركيًا إضافيًا، وبعدما لبت إدارة أوباما رغبتهم هذه، طلبوا مجددًا 40.000 إضافيًا، لمحاولة إضعاف طالبان وتقوية الحكومة الأفغانية، وتعزيز الاستقرار في البلاد.
خلال الاجتماعات، لم يقتنع بايدن بذلك، وحاول أن يجادل من أجل القيام بمهمة أقل من المهمة التي يطلبها الجيش، وهذا غالبا ما جعله يظهر كشخص حقير في نظر معارضيه، غير أن ذلك لم يثنه عن تقديم الحجج بمواجهة خصومه.
كان نائب الرئيس بايدن في تلك الفترة، على الدوام أحد أكبر المشككين في توصيات الجيش. طوال أشهر من المداولات، أثار بايدن مرارًا وتكرارًا نقطة غير مريحة مفادها أن الاستراتيجية المفضلة للجنرالات يبدو أنها من غير المرجح أن تؤدي إلى نصر حقيقي. أكثر من ذلك صاح خلال الاجتماع الأول لإدارة أوباما بشأن الحرب في أفغانستان قائلا “لم نفكر في أهدافنا الاستراتيجية!”.
بدلاً من ذلك، اقترح بايدن زيادة أصغر بمقدار 20.000 جندي بدلاً من 40.000، مع مهمة “مكافحة الإرهاب” بدلاً من مكافحة التمرد. (فكر في استهداف الإرهابيين بدلاً من بناء الدولة). لكن الجيش رد عليه بالقول إن “ذلك لن يكون كافياً”. أما أوباما فقد انتهى به الأمر إلى الموافقة على إرسال 30 ألف جندي وتلبية معظم مطالب الجيش، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عدم رغبته في “الانفصال” عن وزير الحرب آنذاك روبرت جيتس.
تم توثيق كل هذه الوقائع في ذلك الوقت، في كتاب الصحفي البارز مؤرخ الرؤساء بالبيت الأبيض بوب وودوارد، والذي جاء تحت عنوان “حروب اوباما”. برأي وودوارد لم يدعم بايدن الانسحاب فعلاً حينها، بل دفع باتجاه مهمة محدودة تركز على مكافحة الإرهاب، مصحوبة بزيادة في عدد القوات أقل مما يريده الجيش. فنظرته القاتمة للصورة طويلة المدى تم تأكيدها بوضوح في العقد الذي تلا ذلك.
كان بايدن يرى أنه من المستحيل بناء دولة قومية عاملة في أفغانستان. كتب وودوارد أنه خلال اجتماع واحد في تشرين الأول 2009، سأل بايدن الجنرالات: “إذا كانت الحكومة عصابة إجرامية بعد عام من الآن، فكيف ستحدث القوات فرقا؟”، وتابع: “إذا لم يتحقق بعد عام من الآن أي تقدم واضح في الحكم، فماذا نفعل؟” غير انه لم يتلق إجابة مقنعة عن أي من السؤالين.
في وقت لاحق، كتب بايدن مذكرة إلى أوباما، دافع فيها عن وجهة نظره قائلا “لا مكافحة كاملة للتمرد ولا لبناء أمة”. كما أعرب عن اعتقاده بأن أهداف الجيش المتمثلة في تعزيز قوة الجيش والشرطة الأفغانية محكوم عليها بالفشل. ونقل عنه وودوارد اثناء اجتماع مع قادة مجلس الأمن القومي، قوله (اي بايدن): “تاريخيا، كان من الصعب جدا – المستحيل – أن تنتصر التدخلات الأجنبية في أفغانستان. مع وجود عشرات الآلاف من الجنود على الأرض بالفعل، إذا لم نتمكن من القيام بذلك، بهذا العدد وليس لدينا شريك موثوق به في الحكومة الأفغانية، فعندئذ يبدو من غير المسؤول ضخ قوات إضافية فوق ذلك. نحن فقط نطيل أمد الفشل في تلك المرحلة”.
“لم تشكل حركة طالبان الافغانية تهديدا يذكر للوطن الأميركي”، كتب بايدن مذكرة من ست صفحات إلى أوباما شكك فيها في تقارير استخباراتية تصور طالبان على أنها منظمة جديدة لتجنيد المقاتلين الأجانب من تنظيم “القاعدة” وتشكل تهديدًا إرهابيًا عابرًا للحدود الوطنية. وأشار بايدن وفقا لوودوارد إلى أنه “استنادا إلى الطريقة التي قرأ بها تقارير الاستخبارات، كانت الظاهرة مبالغا فيها بشكل كبير”. وقال ان “نائب الرئيس لم ير اي دليل على ان “حركة طالبان” البشتونية عرضت ايديولوجية جهادية عالمية ناهيك عن تصميمها على تهديد الوطن الاميركي”.
اثناء اجتماع ناقش فيه الاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان، سأل بايدن: “هل هناك أي دليل على أن حركة طالبان الأفغانية تدعو إلى شن هجمات خارج أفغانستان وعلى الولايات المتحدة، أو إذا استولت على المزيد من أفغانستان سيكون لها تركيز أكبر على الخارج؟” فرد مسؤول في الاستخبارات بأنه “لا يوجد دليل على ذلك”.
يروي وودوارد محادثة هاتفية بين الرئيس ونائبه، قال خلالها بايدن “لن يكون الأمر بهذا السوء إذا سقطت حكومة كرزاي”. لا يوضح وودوارد ما قصده بايدن بالضبط، لكن أوباما اختلف مع ذلك، بحجة أن “الجانب السلبي كان عظيمًا للغاية”.
بعد بضع سنوات من التوسع الكبير في تواجد القوات الذي، كما توقع بايدن، لم ينتج عنه أن تصبح أفغانستان حكومة فاعلة أو وجود قوات أمن قادرة على هزيمة طالبان، بدأ أوباما في سحب القوات في ولايته الثانية. منذ ذلك الحين، كانت سياسة الولايات المتحدة في الأساس هي ركل العلبة على الطريق.
عام 2015، كتب أحد الصحافيين ويدعى ماكس فيشر وهو يعمل شركة فوكس، قائلا “لقد خسرنا الحرب بالفعل، منذ سنوات”، مضيفًا أن المهمة الوحيدة المتبقية كانت منع الانهيار الحتمي لأفغانستان مؤقتًا، بضعة أشهر في كل مرة”.
“في العام 2020 توصل الرئيس دونالد ترامب إلى اتفاق مع طالبان لإنهاء الحرب. ثم وقع على بايدن أن يقرر ما إذا كان سيلتزم بهذا الترتيب. لقد فعل ذلك – رافضًا نصيحة جنرالاته – وحدث استيلاء طالبان على السلطة الآن. لكن قراره كان بلا شك مبنيًا على حقيقة أنه أجرى هذه النقاشات من قبل” يقول وودوارد.
*باحث ومحاضر جامعي