بانوراما الأحداث السورية 2022
موقع العهد الإخباري-
محمد عيد:
أحداث هامة جرت في سوريا ولأجلها خلال العام ٢٠٢٢. ويبدو أنها أحداث ستؤسس لقرارات أهم في العام القادم وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والخدمية سواء على مستوى تمتين التحالفات السياسية مع الدول التي وقفت مع سوريا في أزمتها أو على مستوى العمل سياسيًا أو ميدانيًا لخروج القوات الأجنبية المتواجدة بشكل غير شرعي على الأراضي السورية.
أما على المستوى الداخلي فبقيت الاستحقاقات الدستورية تجري في موعدها المقرر على أمل أن ينعكس ذلك نهوضًا بالبلاد على المستوى الخدمي.
دبلوماسية الزيارات
قام الرئيس بشار الأسد بزيارة لافتة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والتقى كبار المسؤولين فيها هناك. كما زار وزير الخارجية العماني بدر بن حمد بن حمد البوسعيدي دمشق مرّتين في أول العام ونهايته في استمرار لنهج الانفتاح العربي ولو بشكل نسبي على دمشق. وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور أسامة دنورة عضو الوفد السوري لمباحثات جنيف في حديثه الخاص بموقع “العهد” الإخباري أن هذا الانفتاح النسبي من متطلبات الواقعية السياسية في الوسط العربي تجاه سوريا، على اعتبار أن مشروع إسقاط الدولة السورية قد فشل ووصل إلى طريق مسدود وأصبح لزامًا على الدول العربية التعامل مع الثقل الجيوبوليتيكي السوري بما يتطلبه الأمر من ضرورة الاعتراف بعودة سوريا إلى محيطها الإقليمي والعربي.
وشدد دنورة على أن هذا الانفتاح لم يكتمل بالطريقة التي تعكس مآلات الأمور في المنطقة على الصعيد العربي لأن الطرف الأمريكي ومن ورائه الكيان الإسرائيلي يحاولان معًا إعاقة تنقية الأجواء العربية وعودة العلاقات العربية مع سوريا إلى مستواها الطبيعي.
إيران الحليف الوثيق
لكن الحدث الأبرز على مستوى العلاقات الخارجية السورية خلال العام ٢٠٢٢ تمثل في الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى طهران ولقائه مع آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي وكذلك مع الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي، حيث أكد الإمام القائد أن سوريا اليوم ليست كما كانت قبل الحرب، واحترام سوريا ومكانتها أكبر من ذي قبل، داعيًا إلى ضرورة تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع هذا البلد المقاوم، فيما أشار الرئيس الأسد إلى أن العلاقات الإستراتيجية بين إيران وسوريا حالت دون سيطرة الكيان الصهيوني على المنطقة.
هو إذًا تعزيز لمتانة التحالف بين قطبي محور المقاومة كما يؤكد الدكتور أسامة دنورة لموقع ” العهد” الإخباري، حيث اعتبر أن العلاقات مع الحلفاء تتوطد وتتجذر يومًا بعد آخر خاصة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعدت ما يمكن أن يوصف بأنها علاقات استراتيجية أو علاقات تحالفية لتصبح علاقات “وحدة مصير مشترك” في مواجهة محاولات التطبيع والهيمنة الأمريكية على المنطقة.
تركيا واختبار النوايا
كما شهد العام ٢٠٢٢ دورًا روسيًا في تجسير الخلافات بين كل من أنقرة ودمشق التي أعلن منها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان رغبته كذلك في ردم الهوة بين حليفه السوري وتركيا فيما أعلن أردوغان عن رغبته في لقاء الرئيس بشار الأسد في الوقت الذي هدد فيه بشن عملية عسكرية جديدة داخل الأراضي السورية لإبعاد ما قال إنه الخطر الإرهابي لقوات سوريا الديمقراطية على أمن بلاده.
بيد أن التطور الأبرز الذي شهده هذا الملف الشائك تمثل في اللقاء الذي جمع بين وزيري الدفاع التركي والسوري في موسكو بحضور نظيرهما الروسي والبيان الذي شدد على وحدة الأراضي السورية وضرورة مكافحة الإرهاب وما تلاه من إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو عن استعداد بلاده لتسليم كل الأراضي التي تحتلها في سوريا للحكومة السورية.
د. أسامة دنورة أشار في حديثه لـ”العهد” إلى أن الأمريكي هو معطل الحلول فيما يتعلق بالشمال الشرقي وهو يرغب في استمرار الوضع الراهن المتمثل في البقاء على احتلاله للمناطق الشرقية والإبقاء كذلك على المشروع الانعزالي المتمثل بميليشيا “قسد”، ومن ناحية أخرى لا يريد حصول تقدم في العلاقات السورية التركية.
وأضاف دنورة أن الجهود الإيرانية – الروسية في الوساطة بين أنقرة ودمشق حققت تقدمًا ملحوظًا، ومن المؤكد أن هناك ما ينبغي لأنقرة القيام به كي تصل هذه الجهود إلى انزياح واضح المعالم عن الجمود الذي كان في السنوات السابقة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يتطلب خارطة طريق ينسحب فيها التركي من الأراضي السورية وفق مواعيد واضحة المعالم ويقوم بما يتوجب عليه من تفكيك لظاهرة الإرهاب.
عودة “حماس”
خلال العام ٢٠٢٢ واصل الكيان الصهيوني وبشكل دوري عربدته في سوريا التي ارتقى مستوى ردها تبعًا لرفع قدراتها الدفاعية، فيما جاء استقبال الرئيس بشار الأسد لقادة من “حماس” ضمن وفد فلسطيني موحد نزولًا عند خاطر سماحة السيد حسن نصر الله الذي دفع في هذا الاتجاه لتعزيز تماسك محور المقاومة كخطوة هامة وضرورية في سياق وحدة المصير.
وحول هذا الموضوع يرى د. أسامة دنورة أن عودة حركة “حماس” لوصل ما انقطع مع الدولة السورية هي عودة لمكانها الطبيعي، مشيرًا إلى أنه لا توجد أية دولة في الإطار العربي بالمطلق تدعم حركات المقاومة كما تفعل سوريا التي تعتبر الداعم الوحيد على المستوى العربي. ولفت دنورة إلى أن الدور الهام في الوساطة لعودة هذه العلاقات بين حماس ودمشق التي من البديهي أن تكون موجودة وقوية يعود الفضل فيه إلى سماحة السيد حسن نصر الله الذي دفع بعملية عودة العلاقات الطبيعية والمصالحة إلى أن تؤتي ثمارها في نهاية المطاف.
الإدارة المحلية ورهان اللا مركزية الإدارية
على الصعيد الداخلي، شهد العام ٢٠٢٢ إجراء انتخابات الإدارة المحلية التي يرجو السوريون أن تدفع باتجاه اللا مركزية الإدارية في بلاد لا زالت الأزمات المعيشية تعصف بها على خلفية حصار جائر ينتظر مرونة داخلية أكثر.
وحول هذا الموضوع أكد دنورة أن أهمية انتخابات الإدارة المحلية التي جرت في موعدها الدستوري جريًا على كل الاستحقاقات الداخلية السورية تأتي من أهمية تكامل جهد الإدارة المركزية ممثلة بحكومة دمشق مع الإدارات المحلية على مستوى الجغرافيا السورية بأسرها وهذا التكامل من شأنه أن يمكّن الدولة والشعب السوري من التصدي للضغوطات التي تمارس ضده على المستوى المعيشي والاقتصادي وهو ما ينتظر له أن يكون أكثر فعالية على مستوى أداء الإدارات المحلية من الفترة السابقة وينتظر من هذه المجالس أيضًا أن تصنع ما لم تستطع أن تفعله المجالس السابقة وأن تحققه بالصورة والفعالية المطلوبة في مواجهة هذه الظروف القاسية.
عام ٢٠٢٢ إذًا هو عام يندرج في باب الصبر الاستراتيجي الذي اعتاده السوريون بانتظار أن يكون العام القادم عام الانفراجات الكبرى على مستوى سوريا والمنطقة.