(بالوتين) إذ يَشجب الإرهاب روسيّا
مروان سوداح*
يلينا نيدوغينا**
تقاطعت وجهتا نظر الحكومة الاردنية والحكومة الروسية، من خلال سفيرها في الاردن السيد بوريس بالوتين، ووزير الدولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة الاردنية الدكتور محمد المومني، في قضايا شجب الإرهاب الاقليمي والدولي، وضرورة التصدي له عالمياً وفي منطقة “الشرق الاوسط” وروسيا، ولتجفيف منابعه، وتعزيز العمل والتنسيق لجهة اجتثاثه والقضاء عليه.
السفير الروسي بالوتين، وهو أحد أنشط السفراء الأجانب في الأردن على الإطلاق، وأكثرهم ثقافة وإطلاعاً على الأردن وشعبه وقضاياه والمسألة الفلسطينية، وهو الذي يَعرف العربية ويتقنها بطلاقة، عَقد مؤتمراً صحفياً في مقر السفارة الروسية في العاصمة عمّان، فور انتهاء العملية الارهابية في مدينة الكرك، حيث عرض فيه لوجهة النظر الرسمية الروسية لمؤازرة الاردن بمواجهة المد الارهابي، وحِيال القضايا المتصلة به، وقد أكد السفير دعم بلاده المطلق للأردن في محنته الحالية، وأكد اتّفاق الدولة الروسية مع الدولة الأردنية في عددٍ من أهم القضايا الإقليمية والدولية ومنها التعاون الأمني، سيّما بمواجهة “الخوارج والمتطرفين” من كل لون وسحنة ولسان، وكشف السفير عن صِلات في هذا المجال بين الدولتين.
والمُلاحظ للعيان، أن هذا المؤتمر الصحفي هو الأول من نوعه في الأردن لسعادة السيد بالوتين، الصديق الكبير لشعب الأردن والأمة العربية، وقد انعقد هذا المؤتمر في ظروف أمنية وسياسية غاية في التعقيد والخطورة، حيث يتعرّض الأردن ودول المنطقة وروسيا لمزيد من المخاطر الأمنية، جرّاء الارهاب الفالت مِن عِقاله، والذي أصبح، وللأسف الشديد، تقليعة لدى جموع غير قليلة مِن حملة الفكر المتطرف، مِمن أغوتهم وسائل إعلام مُشتراة، تعمل بتمويل من دولٍ ومؤسسات مَشبوهة، لتغذية التطرّف وسفك المزيد من الدماء وحصد الأرواح، وإلغاء العقول، وإحلال مشروع دولي غارق في رجعيته للانتقام من الآخر، بيافطات ونصوص مُفبركة عن هذا الآخر، تبرّر بزعمهم قتله وتحشيد العالم عليه.
وقد لا يَعرف عدد كبير من الناس، بسبب التعتيم الذي يجري على وسائل الإعلام الروسية عربياً، أن روسيا تتعرض بلا توقف الى عمليات إرهابية في بعض المناطق، ومنها المدن الكبرى، وبأن أحد آخر تلك العمليات كان في مدينة سانت بطرسبورغ، العاصمة الشمالية للروسيا، حيث تمكّنت القوى الأمنية الروسية النشطة من القضاء على عناصر الارهاب، علماً بأن “الفراغ الإعلامي الروسي” الذي تشكّل في العالم العربي، يعود الى إغلاق غالبية وسائل الإعلام الروسية والسوفييتية خلال حقبة الغلاسنوست والبيريسترويكا، مِما أفسح المجال على إتّساعه لحلول وسائل الإعلام الغربية محل الروسية في البلدان العربية، فتعزيز المشاعر المعادية لموسكو في الدول العربية.
لكن المُلفت للإنتباه، أن السفير الصديق بالوتين، عقد مؤتمره الصحفي لوسائل الإعلام الأردنية وغير الأردنية، في أجواء حزن وأسى وصدمة تُخيّم على شعبه ووطنه الروسي، وبعد الإعلان عن الحِداد الوطني الروسي العام على روح السفير الروسي في تركيا أندريه كارلوف، الذي قضى شهيداً بعدما تمكّن مُختل سياسي في ريعان شبابه، من قتله برصاصات غدرٍ من الخلف، وهو يُلقي بكلمة خلال افتتاح معرض ثقافي بالعاصمة التركية، موسوم “روسيا بعيون أتراك”، حضره شخصيات ثقافية وإعلامية وعلمية، ما يَدل على جُبن وخسّة ووضاعة لفيف الارهابيين الدوليين، الذين يَطعنون في ظهور المخلصين لأوطانهم والإنسانية بغية التخلص منهم، فلا هم يواجهونهم وجهاً لوجه، ولا هم يَقوون على الدفاع عن وجهة نظرهم علانية، ناهيك عن عجزهم الإتيان بالبرهان والحجة والمنطق لمن يُخالفهم الرأي.
وزير الدولة لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة الاردنية الدكتور محمد المومني، جدّد من جانبه رفض الأردن للأعمال الإرهابية، وشجب الفِعل الارهابي الذي أودى بحياة السفير الروسي، ووصفه بـ “الشائن”، وبأنه يُعدُ “انتهاكاً صارخا للقوانين والاتفاقيات والأعراف الدولية”.
وزاد المومني بقوله إن هذا الفِعل “الإجرامي إنما يستهدف الإساءة للعلاقات الدبلوماسية بين الدول، وزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وهو محاولة لثني التنسيق الدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف، ويؤكد مجدداً ضرورة تعزيز التعاون الدولي، وتضافر الجهود لمواجهة الإرهابيين، الذين يُهدّدون أمن واستقرار المنطقة والعالم وضرورة القضاء عليهم”.
كما أعلن المومني عن “تضامن الأردن الكامل مع الدولتين الصديقتين تركيا وروسيا، في مواجهة الأعمال الإرهابية، مُعرباً في الوقت نفسه عن خالص تعازي الحكومة الاردنية إلى الحكومة الروسية بهذا الحادث الإرهابي، ومواساتها لعائلة السفير كارلوف”.
وفي مجال متصل بمحاربة الارهاب، جدّد بالوتين تمسّك روسيا بموقفها بـ “الحل السياسي على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي، والتي تقضي “بوقف إطلاق النار وحل الأزمة الإنسانية”، الذي هو الحل الوحيد للأزمة السورية، ومشيراً إلى أن موسكو لديها “موقف قريب من الموقف الأردني بشأن محاربة الإرهاب، وأنه لا بديل للحل السياسي بشأن الأزمة السورية”.
وذكّر السفير، أن اجتماع وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، لافروف وظريف وتشاووش أوغلو على التوالي، الثلاثاء الماضي، في موسكو، انتهى إلى أهمية بذل الجهود مع الدولة السورية وما يُسّمى بالمعارضة، للتوصل إلى اتفاق، وتكون الدول الثلاث ضامنة لتنفيذه، مع تأكيد السفير أن الطيران الحربي الروسي كان توقف منذ مدة طويلة عن شن غارات على الإرهابيين في حلب، لكن بعض وسائل الإعلام ظلت تحمّل روسيا مسؤولية الأحداث في تلك المدينة.
ولفت السفير إلى وجود حملة إعلامية شرسة تشن على روسيا، على خلفية أحداث حلب، وهي مليئة بالأكاذيب وتزوير الحقائق، وأعلن السفير أن موسكو على استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، وحل الأزمة في سورية، لكن كل الجهود الكبيرة التي بذلتها روسيا مع أمريكا خلال العام الجاري كانت بلا نتيجة.
ونوّه السفير إلى التجارب المريرة في تغيير الأنظمة بالقوة في ليبيا والعراق، وأكد أن الشعب السوري هو وحده المُخوّل بتقرير مصيره، وهو ما يتناغم مع القانون الدولي، الذي تتمسك به روسيا تجاه مختلف القضايا.
ومن المفيد هنا التذكير أن المواقف الأمريكية لا تتقاطع مع الروسية في تطبيق القانون الدولي الذي تتمسك به موسكو، ذلك أن واشنطن وعواصم غربية تسعى بلا توقف إلى قلب الأنظمة السياسية بالقوة المسلحة والإرهاب، بعد تهيئة ظروف حربية وتدخلية ضد قادتها وشعوبهم، ومد عناصر إجرامية بالسلاح والمال لتقوم بالمهمة نيابة عن الغرب السياسي، ولتمرير الإستعمار الجديد للقوى الغربية على تلك البلدان، وللاستيلاء على مُقدّراتها النفطية والغازية والمالية، وللسيطرة على مواقعها الجيوسياسية الاستراتيجية.
المؤتمر الصحفي للسفير بالوتين كان في محلّه، وفي توقيته المناسب، وشكّل ردود أفعال إيجابية عديدة، بخاصة لجهة الإعلان عن مواقف روسيا تجاه عددٍ من القضايا الآنية والحادة، ومن أهمها الإرهاب، والعلاقات مع الأردن، وهي علاقات آخذة بالتطور في شتى المناحي، ونتمنى لها مزيداً من النمو والفعالية، لبلدين يرتبطان تاريخياً بعرى صداقة وثيقة، امتحنها الزمن وجرّبتها الأحداث الجسام التي أكدت نجاعتها وضرورتها.
*رئيس الرابط الدولية للقلميين مُحبي بوتين وأصدقاء روسيه للاردن والعالم العربي.
*كاتبة ورئيسة تحرير الجريدة الروسية “ملحق الاستعراض الروسي” سابقاً، ونائبة رئيس الرابطة.