باريس تشق الصف الأوروبي!
صحيفة الوطن السورية-
هديل محي الدين علي:
يأخذ التلون السياسي الفرنسي منحى أكثر لمعاناً عن دوره المعتاد ليشق الصف الأوروبي إلى قسمين تجاه الموقف من الصين، خاصة أن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصب في ظاهر الأمر في التخلي التدريجي عن «التبعية» لواشنطن التي قال فيها إن أوروبا بحاجة إلى تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، وإن الاتحاد كله يجب أن يتجنب الانجرار إلى الصراع بين واشنطن وبكين حول تايوان، مشيراً إلى أن العالم القديم يحتاج إلى التفكير في مصالحه الخاصة، وعدم التكيف مع أجندات الآخرين في العالم.
واشنطن لم تمرر تصريحات باريس مرور الكرام ليهدد السناتور الأميركي ماركو روبيو الأوروبيين، قائلاً إن الولايات المتحدة ستخرج من النزاع الأوكراني إذا تخلى الاتحاد الأوروبي عن الصراع في تايوان، مصرحاً دونما خجل أو وجل بأن الأحداث التي تجري في منطقة العملية العسكرية الروسية الخاصة «تستهلك الكثير من أموال دافعي الضرائب الأميركيين».
برلين تحاول اللعب على ردة فعل الأوروبيين وخاصة الدول الشرقية تجاه الدور السياسي لباريس، التي قالت مصادر سياسية وإعلامية أوروبية حولها إن تمرداً هادئاً في شرق أوروبا يتصاعد تدريجياً ضد الموقع الفرنسي القيادي في الاتحاد الأوروبي، ليكون الموقف الألماني الذي التزم الصمت منحازاً إلى جانب أوروبا الشرقية أي ضد فرنسا، لتصبح أوروبا بحسب محللين متجهة إلى سطوة جديدة يتحكم بها الأنغلوساكسون في تحالف مع ألمانيا وبولندا.
هذا من الناحية السياسية أما من الناحية الاقتصادية فإن أوروبا «مضطرة» إلى تصعيد الصراعات بحسب محللين سياسيين استندوا إلى ما جاء في تقرير نشر على موقع «أفتر شك» البريطاني الإلكتروني الإخباري من تحليل وتشريح لأهم المؤشرات المادية للاقتصاد العالمي، وللإنتاج الصناعي في البلدان المتقدمة والعالم كله.
السياسي الروسي سيرغي بريكوتين قال لصحيفة «برافدا رو»: من البيانات المقدمة، يتضح أن البلدان الأوروبية واليابان دخلتا في أزمة منذ أكثر من عام، أسباب ذلك ليست بسبب وباء «كوفيد» أو العملية العسكرية الروسية الخاصة، لأن المشاكل أثيرت مع استنفادهم قاعدة مواردهم الخاصة، مضيفاً إن الولايات المتحدة حالياً تبدو أفضل بكثير من أوروبا أو اليابان، لكن الإنتاج الصناعي بالكاد نما منذ العام 2000 حيث نما الإنتاج الصناعي في الولايات المتحدة بنسبة 11.06 بالمئة فقط، وهو أقل من روسيا، التي سجلت + 96.92 بالمئة والهند + 197.28 بالمئة، والصين + 813.07 بالمئة».
ليستخلص بريكوتين أنه في حال استمرت العمليات الحالية لتطوير الإنتاج الصناعي في العالم، فسوف تتحول الدول الغربية، باستثناء الولايات المتحدة، في غضون بضعة عقود إلى أقزام صناعية. لذلك، فالغرب مضطر، لكي لا يفقد ثقله السياسي والصناعي، إلى تصعيد الصراعات حول العالم من أجل ترتيب أزمة عالمية وتغيير قواعد اللعبة بينما تقاوم روسيا ذلك.
بالطبع هذه التحليلات السياسية والاقتصادية لما يجري في أوروبا تبقى في إطار قراءة ظاهرية للأحداث ولكن ما يلفت النظر هو التغيرات الدولية سياسياً واقتصادياً والحضور الصيني القوي بمؤازرة موسكو والقوى الإقليمية الصاعدة الذي يجعل من تلك التحليلات محط تفكير وتوقع قابل للتطبيق.