اين دبابات جان قهوجي؟

kahwaje

هو ليس كذلك قطعاً. منذ ثلاث سنوات او اكثر بقليل قال وزير الخارجية الفرنسي السابق اوبير فيدرين ان اشياء غريبة تحدث على رقعة الشطرنج. تحدث عن اصابع كثيرة تحترق في الشرق الاوسط. هاله بعد حين ان الجثث هي التي تحترق، قبل ان يستدرك بل هي الازمنة التي تحترق.

ادونيس قال ان ما ينبغي فعله هو تغيير المجتمعات لا تغيير الانظمة التي سرعان ما تستنسخ نفسها. انظروا ماذا يحدث في مصر وفي ليبيا وفي اي مكان آخر. ولكن كيف يمكن للتغيير ان يحصل اذا كانت الاديان قد تحولت الى ايديولوجيات وراحت تطحن المجتمعات باقدامها؟

الاميركي بيتر بينارت كتب عن «الحرب الجميلة بين الايديولوجيات والدبابات». طفا الاسلاميون على السطح فبدوا كما المخلوقات الغريبة التي هبطت للتو من كوكب آخر، من زمن آخر. حملوا السواطير والسياط، وراحوا يقرأون النصوص بتلك العيون التي يتطاير منها الشرر.

نسأل صديقنا ادونيس ماذا يفترض بالمجتمعات ان تفعل لكي تتغير حين تكون ضائعة بين منطق العمامة ومنطق الخوذة؟
حتى اشعار آخر لا مجال للخروج الجماعي من القرون الوسطى. من زمان دعانا غوستاف لوبون، الفذ في استشراقيته، الى الخروج من عباءة شهريارلانها ليست عباءة ابن رشد، والدخول في لعبة المداخن. لا شيء يصنع من هذه المجتمعات مجتمعات حقيقية، ولا شيء يصنع من هذه الدول دولاً حقيقية الا العلم الذي ينقل المنطقة من غواية الايديولوجيا (الغواية السوداء) الى غواية التكنولوجيا، وحيث السبيل الى عقد القران على القرن.

وحتى اشعار آخر نظل ضيوف شرف على رقعة الشطرنج، جثثاً مع وقف التنفيذ على رقعة الشطرنج. هل مشكلة الانتخابات في لبنان وحده؟ واين دبابات جان قهوجي لتفعل ما تفعله دبابات عبد الفتاح السيسي او دبابات خليفة حفتر؟
اي خيار آخر لدينا سوى ان تتحول الدبابات الى صناديق اقتراع؟ البديل اياه، اصحاب العيون الصفراء والاسنان الصفراء. ثمة شيخ سني جليل في البقاع ودفع بيده، وكاد يدفع بقدمه، رجل دين من طراز احمد الاسير، سأل في حضرة الشيخ» الا يقال ان الديموغرافيا تحدد شكل الصيغة في لبنان؟ ها اننا امام مليون ونصف مليون سوري وامام نصف مليون فلسطيني جلّهم من السنّة ولا مناص من ان يتلبننوا، اي ان السنة باتوا يشكلون الاكثرية الساحقة. الموارنة لم يعودوا اكثر من اقلية، فلماذا تبقى رئاسة الجمهورية في ايديهم؟».
لا امكانية البتة للتشكيك في رفض اهل السنّة، وهم اهل الامة، لهذا المنطق الذي يعمل بعض الاسلاميين من الطراز اياه على تسويقه، فيما يوجد على الجانب المسيحي، وقبل ان يصل اليه هذا الكلام، من يشعر بالهلع، وهو يرى كيف تستشري المخيمات على ذلك النحو العشوائي، كما لو ان ايميه سيزار لم يصف احزمة الصفيح بألسنة اللهب.

اقوى من النصوص التي يحكى عنها الان، وقد وضعت لتكون ملتبسة في دولة ملتبسة، هناك واقع على الارض ويضغط. الى اين نحن ذاهبون؟
هذا سؤال اكبر منا، واكبر من الطبقة السياسية التي تنتقل باللبنانيين من مشكلة (او اشكالية) الى مشكلة (او اشكالية) اخرى. نحن الان، وكما ترون، ننتظر على رقعة الشطرنج. نخشى كحجارة، ان نتساقط.

لم نتمكن ان نصنع رئيس الجمهورية. لا تعنينا الصيحات، والمواعظ، والمواقف الفولكلورية بل والمواقف الدونكيشوتية، فقد عرفنا ان نكون او فرض علينا ان نكون عند نقطة التقاطع بين الاشتباك الدولي الذي يزداد تعقيداً والاشتباك الاقليمي الذي نأمل ان يمضي نحو الحلحلة.

الا ننتظر التفاهم السعودي والايراني لكي يصبح لنا رئيس؟ العماد ميشال عون طرح ترويكا الاقوياء. هو والرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصرالله. كيف اغفل الجنرال وليد جنبلاط الذي يبصره في منامه، ولكن لكي يبقى بعيداً عن الكرسي؟

الارثوذكس يقدمون، عادةً، المستشارين لا القادة ولا الاقطاب. هل نسأل الجنرال… واين الرئيس نبيه بري؟

لماذا لا نعترف باننا لسنا سوى حالة، حالة مجهرية، على رقعة الشطرنج. هل كان فلاديمير بوتين وشي جينبينغ يفكران بنا حين كانا يقرران التشابك الاقتصادي بين روسيا والصين على انه يكرس التشابك الاستراتيجي بينهما؟ وهل خطرنا في بال باراك اوباما وهو يفكر في كيفية الدخول الى العقل الايراني لترويضه في اللعبة الاسيوية الكبرى؟
كما لاحظتم ترك امرنا للسفراء، وكانوا ذات يوم اصحاب السعادة القناصل، حتى ان البطريرك الماروني وما يعنيه (او ما كان يعنيه) لم يجد سبيلاً سوى طرح «ابغض الحلال» دستورياً، اي التمديد الذي في نظر الكثيرين اسوأ من الفراغ. انها ازمة البطريرك ايضاً حين لا يستطيع ان يجمع النجوم الاربعة. استعاض عن ذلك باجتماع للمؤسسات المارونية.

هل هناك حاجة لذلك؟ البطريرك الراعي يدرك ان اشياء كثيرة تغيرت منذ مائة عام (عندما عقد مؤتمر فرساي او عندما ابرمت معاهدة سايكس – بيكو او عندما اعلنت دولة لبنان الكبير).

اننا في زمن القياصرة الذين من كل القياسات والذين لا يأخذون بالاعتبار ان ما لله لله وما لقيصر لقيصر.
لا ندري اهي ازمة دولة ام ازمة نظام ام ازمة مجتمع. لعلنا امام الازمات الثلاث. بعض من شاركوا في لقاء بكركي طرحوا افكاراً غريبة: رفع الرايات السوداء على الشرفات، مقاطعة التشريع وحتى مقاطعة جلسات مجلس الوزراء. لا نتصور ان الموارنة يختزلون بموقع او بمنصب.

من قال ان الفراغ في موقع رئاسة الدولة فقط. الفراغ في الدولة يا اصحاب، ويا رعايا، الدولة!
قال البطريرك: انه العار. انه العراء ايضاً…

نبيه البرجي – صحيفة الديار اللبنانية

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.