انطلاق ترميم الطريق بين الرابية وبنشعي
صحيفة السفير اللبنانية ـ
نبيل هيثم:قدم السيد حسن نصرالله خطاباً يُقرأ بكل اللغات السياسية، الصديق قرأ فيه ما يرضيه ويناسبه. والآخرون قرأوا فيه ما أغاظهم واستفزهم.
العنوان والأساس للخطاب هو الحفاظ على وحدة «8 آذار» وإعادة لمّ شمل الحلفاء وتجاوز التمزقات التي حصلت جراء الترشيحات المتضاربة، ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة للبدء بمعالجة الآثار والتداعيات. والمحظور في نظر «السيد» هو ذهاب الحلفاء الى القطيعة، بل الى القناعة بأن المصلحة السياسية الآنية واللاحقة قد تفرض الحاجة المتبادلة لكل منهما الى الآخر.
وفي مقاربته لهذا الموضوع، أعطى نصرالله إشارة انطلاق لمجموعة من الخطوات العملية، وقد بدأ بعضها فعلاً بعيداً عن الأضواء، في سبيل لملمة الصفوف ما بين الرابية وبنشعي وما بين الرابية وعين التينة. وليس خافياً هنا أن تلك اللملمة تحتاج الى جهد كبير لأن حجم التمزق كبير جداً.
في العنوان الرئاسي قرأ ميشال عون ما جعله يغتبط وينام على حرير الترشيح. وقرأ سليمان فرنجية ما أسعده إلى حد مبادلة الإطراء بالإطراء.
وقرأ وليد جنبلاط في القسوة اللفظية التي اعتمدها نصرالله في رده عليه من دون أن يسميه، ما جعله يسارع الى الرد مع ميل الى احتواء السجال، ولكن مع ميل إلى المناكفة من الباب الإيراني.
وقرأ سمير جعجع، كيف سبر نصرالله أغوار ترشيحه الاستثماري لعون. وكيف أكد أن ما يعنيه من لقاء معراب هو أن سمير جعجع «جاء ليؤيدنا في ترشيحنا لعون»، فجاءت ردة فعله ليعكس فيها أنه مصمم على ألا يغير ما في نفسه، وفي قراره المستمر منذ لحظة ترشيحه عون، بمحاولة إحراج «حزب الله»، كي لا يحرج نفسه.
أفضل من قرأ أبعاد الخطاب هم الأكثر قرباً من سعد الحريري. قرأوا فيه إعلان انتصار كبير جداً على المستوى السياسي لفريق على فريق، وثمة انتقادات كثيرة ومقالات كتبت تؤشر إلى تلك الهزيمة بنعي «14 آذار» نهائياً، وتلقي المسؤولية على تيار «المستقبل»، لمراعاته لمصالحه من دون سائر حلفائه، ومن دون إقامة اعتبار لهم ولاعتراضاتهم او تحفظاتهم، والدلائل كثيرة منذ العام 2005 وحتى اليوم.
هناك من يرى أن استياء أصحاب تلك الانتقادات والمقالات مُبَرر، ذلك أن نصرالله قرأ جيداً إرباك صف «14 آذار»، وتعاطى مع جمهوري «التيار الوطني الحر» و «تيار المردة» بما يليق التعاطي مع جمهور يخصه. وفي المقابل توجه إلى «14 آذار» جمهوراً وقيادات ليؤكد على ما يلي:
أولاً، فريقنا يدرك أن هدفكم استخدام الترشيح حصان طروادة لاختراق صفوف «8 آذار» وشرذمتها.. وقد انكشف هذا الهدف وتم تعطيله.
ثانياً، لا رئيس للجمهورية إلا من صفوف «8 آذار».
ثالثاً، لا رئيس جمهورية من دون موافقة «حزب الله».
رابعاً، هكذا نتعامل مع حلفائنا بصدق وثقة ووفاء.. وفريقنا انتصر.
خامساً، لا وزن إقليمياً أو دولياً لكم، وإنما أنتم مقيدون إقليمياً ودولياً، بينما نحن لنا قرارنا ونفرضه وشركاء الانتصار في الإقليم، وخصوصاً على الجبهة السورية.
سادساً، إذا كانت ظروفكم اليوم سيئة، فإن ظروفكم المستقبلية ستكون أسوأ، وبالتالي اقبلوا بثمن اللحظة الحالية، خاصة أن الثمن الذي يمكن أن يُدفع مستقبلاً قد يكون أغلى بكثير وقد تصبحون عاجزين عن دفعه.
سابعاً، وضع نصرالله في يد سعد الحريري كرة نار الرئاسة، ودفعه إلى حلبة اتخاذ القرار.
ثامناً، إذا كان تيار «المستقبل» لا يملك أوراقاً سياسية قوية حالياً، إلا أنه ما زال يملك واحدة من أقوى الأوراق، أي الورقة الميثاقية. والنقطة الأكثر موضوعية في خطاب نصرالله تجلت في الإقرار غير المباشر بأن «حزب الله» لا يستطيع أن يأتي برئيس الجمهورية وحده بمعزل عن الآخرين، ومن دون أن تكون كل عناصر الميثاقية متوفرة، ولا سيما المكون السني.
ما أكد عليه الخطاب هو أن ميشال عون ما زال مرشحاً صلباً، وكذلك سليمان فرنجية، وبالتالي فإن لعبة التجاذب ما زالت مستمرة. وهنا يبرز السؤال: ما هي الخطوة التالية للحريري: هل يمكن أن يذهب سريعاً إلى إعلان تبني ترشيح فرنجية رسمياً، أم أنه قد يفاجئ الجميع بإعلان موافقته على ترشيح عون؟ على اعتبار أنه إذا كانت طريق عودته الى رئاسة الحكومة تمر من بنشعي، فهي تمر من الرابية أيضاً.
في الشق الأول من السؤال، يقول معنيون بالتسوية الباريسية، إن مبادرة الحريري الى الترشيح العلني لفرنجية صارت واردة أكثر من أي وقت مضى. فهو، أي الحريري، صادق في ترشيح فرنجية، ولن يتراجع عن هذا الترشيح تحت أي عنوان.
وأما في الشق الثاني، فالحريري يحتاح الى ضوء أخضر سعودي. وحتى لو قرر السير بترشيح عون فلا يستطيع أن يذهب الى هذا الخيار قبل حصوله على ضمانات وإغراءات، لا يستطيع أن يوفرها سوى «حزب الله».